بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذا تخريج لحديث ابي ذرّ رضي الله تعالى عنه، أخذته من رسالة لي في الأذكار، والله وليّ التوفيق:
الحديث أخرجه الإمام أحمد (ج6/252)، والترمذي (9/258)، وابن ماجه (2/1245)، والحاكم (10/69)، والبيهقي في الشعب (1/394)، وفي الدعوات (1/16)، وغيرهم، من طرق؛ عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن زياد بن أبي زياد، عن أبي بَحْريّة، عن أبي الدرداء رض الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ).
وهذا سندٌ صحيحٌ؛ رجاله محتجٌّ بهم في الصحيح، إلا أبا بحريّة وهو ثقةٌ.
وفي المسند (6/317): من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عيّاش بن أبي ربيعة أنه بلغهُ عن معاذ...به!، ولعلّ هذا وهمٌ من ابن ماجشون رحمه الله تعالى في حديث الشاميين؛ فجعله من مسند معاذ، وذلك لورود ذكر معاذ في آخر الحديث.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في رفعه ووقفه، وإرساله ووصله. قال ابن حجر رحمه الله في الفتوحات: "هذا حديثٌ مختلفٌ في رفعه ووقفه، وفي إرساله ووصله".انتهى.
قلتُ: روى هذا الحديث عن زياد بن أبي زياد أربعةٌ:
الأول: عبد الله بن سعيد، عن زياد، عن أبي بحريّة، عن أبي الدرداء مرفوعاً.
الثاني: الإمام مالك في موطئهِ عن زياد بن أبي زياد عن أبي الدرداء رض الله عنه موقوفاً. فأسقط أبا بحريّة، وأوقفه على أبي الدرداء رض الله عنه.
الثالث: موسى بن عقبةَ –كما في المسند (1/601)- عن زياد، عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعاً، فأسقط أبا بحريّة.
الرابع: عبد العزيز بن أبي سلمة عن زياد بن أبي زياد أنّه بلغه عن معاذ رض الله عنه مرفوعاً، فأرسله.
فالخلاصة:
اتّفق ثلاثةٌ منهم على الإرسال؛ وهم: مالك، وموسى بن عقبة، وابن ماجشون، وخالفهم عبد الله بن سعيد.
واتّفق ثلاثةٌ منهم على الرفع؛ وهم: عبد الله بن سعيد، وموسى بن عقبة، وابن ماجشون، وخالفهم مالك فأوقفه.
والذي يترجّح في نظري الضعيف –والعلم عند الله تعالى- الرفعُ والاتصال؛ فأما الرفع فظاهرٌ، وأما الاتصال فلأمرين اثنين:
1- لقلّة رواية زياد عن أبي بحرية؛ بل ليس له عنه –فيما وقفت عليه- إلا هذه الرواية، فاحتمال الوهم بعيدٌ.
2- لم ينفِ الباقون هذه الرواية، وإنما قصّروا في الرواية فقط.
3- أبو بحريّة شاميٌّ، والحديث شاميٌّ، وهذا يعزّز روايته.
4- رفع ابن أبي هند أول الحديث عن أبي درداء رضي الله عنه، ووقف آخره على معاذ رضي الله عنه يدلّ على تثبّته وإتقانه، فيبعد معه أنه وهم.
ولهذا الخبر طريقٌ آخر أخرجه ابن أبي شيبة (7/111)، وأبو نعيم في الحلية (1/219)، وابن جرير في تفسيره (20/157)؛ كلّهم من طريق أبي أسامة عن عبد الحميد بن جعفر حدثني صالح بن أبي عَرِيب عن كثير بن مرة الحضرمي قال: سمعت أبا الدرداء...به، فذكره موقوفاً. وهذا إسنادٌ جيدٌ؛ رجالهُ كلهم ثقاتٌ مشهورون، إلا صالح فإنه غير مشهور؛ قال الذهبي في الميزان (3/409): " قال ابنُ القَطّان: لا يعرف حالُه، ولا يعرف روى عنه غير عبد الحميد بن جعفر. قلت: بلى، روى عنه حيوة بن شريح، والليث، وابن لهَيعة، وغيرهم. له أحاديثٌ. وثقه ابن حبان".انتهى، وقال في الكاشف (1/497): "صالح بن أبي عريب الحضرمي، عن كثير بن مرة، وخلاد بن سائب. وعنه الليث، وابن لهيعة. ثقةٌ. د س ق".انتهى، ويُعَدُّ في الشاميين –كما قال البخاري في الكبير (4/287)-.
وطريقٌ آخر في الزهد لابن المبارك (1/398) من طريق سفيان عن ليث قال: قال أبو الدرداء رضي الله عنه...به، فذكره موقوفاً. وهذا الإسنادُ ضعيفٌ؛ لأجل الليث.
وكنتُ متوقفا في هذا الحديث فترةً طويلة، ثم تبيّن لي صحتُه إن شاء الله تعالى، تبعاً للبغوي، والمنذري، والعراقي، والهيثمي، وقد صححه الحاكم، وأقرّه النووي، عليهم جميعاً رحمةُ الله تعالى.
ومن المعاصرين؛ الألباني، والوادعي، وعبد الله السعد، وعامر بن علي بن ياسين، وسعيد بن محمد المري، وغيرهم كثير، والله تعالى أعلم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذا تخريج لحديث ابي ذرّ رضي الله تعالى عنه، أخذته من رسالة لي في الأذكار، والله وليّ التوفيق:
الحديث أخرجه الإمام أحمد (ج6/252)، والترمذي (9/258)، وابن ماجه (2/1245)، والحاكم (10/69)، والبيهقي في الشعب (1/394)، وفي الدعوات (1/16)، وغيرهم، من طرق؛ عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن زياد بن أبي زياد، عن أبي بَحْريّة، عن أبي الدرداء رض الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ).
وهذا سندٌ صحيحٌ؛ رجاله محتجٌّ بهم في الصحيح، إلا أبا بحريّة وهو ثقةٌ.
وفي المسند (6/317): من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عيّاش بن أبي ربيعة أنه بلغهُ عن معاذ...به!، ولعلّ هذا وهمٌ من ابن ماجشون رحمه الله تعالى في حديث الشاميين؛ فجعله من مسند معاذ، وذلك لورود ذكر معاذ في آخر الحديث.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في رفعه ووقفه، وإرساله ووصله. قال ابن حجر رحمه الله في الفتوحات: "هذا حديثٌ مختلفٌ في رفعه ووقفه، وفي إرساله ووصله".انتهى.
قلتُ: روى هذا الحديث عن زياد بن أبي زياد أربعةٌ:
الأول: عبد الله بن سعيد، عن زياد، عن أبي بحريّة، عن أبي الدرداء مرفوعاً.
الثاني: الإمام مالك في موطئهِ عن زياد بن أبي زياد عن أبي الدرداء رض الله عنه موقوفاً. فأسقط أبا بحريّة، وأوقفه على أبي الدرداء رض الله عنه.
الثالث: موسى بن عقبةَ –كما في المسند (1/601)- عن زياد، عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعاً، فأسقط أبا بحريّة.
الرابع: عبد العزيز بن أبي سلمة عن زياد بن أبي زياد أنّه بلغه عن معاذ رض الله عنه مرفوعاً، فأرسله.
فالخلاصة:
اتّفق ثلاثةٌ منهم على الإرسال؛ وهم: مالك، وموسى بن عقبة، وابن ماجشون، وخالفهم عبد الله بن سعيد.
واتّفق ثلاثةٌ منهم على الرفع؛ وهم: عبد الله بن سعيد، وموسى بن عقبة، وابن ماجشون، وخالفهم مالك فأوقفه.
والذي يترجّح في نظري الضعيف –والعلم عند الله تعالى- الرفعُ والاتصال؛ فأما الرفع فظاهرٌ، وأما الاتصال فلأمرين اثنين:
1- لقلّة رواية زياد عن أبي بحرية؛ بل ليس له عنه –فيما وقفت عليه- إلا هذه الرواية، فاحتمال الوهم بعيدٌ.
2- لم ينفِ الباقون هذه الرواية، وإنما قصّروا في الرواية فقط.
3- أبو بحريّة شاميٌّ، والحديث شاميٌّ، وهذا يعزّز روايته.
4- رفع ابن أبي هند أول الحديث عن أبي درداء رضي الله عنه، ووقف آخره على معاذ رضي الله عنه يدلّ على تثبّته وإتقانه، فيبعد معه أنه وهم.
ولهذا الخبر طريقٌ آخر أخرجه ابن أبي شيبة (7/111)، وأبو نعيم في الحلية (1/219)، وابن جرير في تفسيره (20/157)؛ كلّهم من طريق أبي أسامة عن عبد الحميد بن جعفر حدثني صالح بن أبي عَرِيب عن كثير بن مرة الحضرمي قال: سمعت أبا الدرداء...به، فذكره موقوفاً. وهذا إسنادٌ جيدٌ؛ رجالهُ كلهم ثقاتٌ مشهورون، إلا صالح فإنه غير مشهور؛ قال الذهبي في الميزان (3/409): " قال ابنُ القَطّان: لا يعرف حالُه، ولا يعرف روى عنه غير عبد الحميد بن جعفر. قلت: بلى، روى عنه حيوة بن شريح، والليث، وابن لهَيعة، وغيرهم. له أحاديثٌ. وثقه ابن حبان".انتهى، وقال في الكاشف (1/497): "صالح بن أبي عريب الحضرمي، عن كثير بن مرة، وخلاد بن سائب. وعنه الليث، وابن لهيعة. ثقةٌ. د س ق".انتهى، ويُعَدُّ في الشاميين –كما قال البخاري في الكبير (4/287)-.
وطريقٌ آخر في الزهد لابن المبارك (1/398) من طريق سفيان عن ليث قال: قال أبو الدرداء رضي الله عنه...به، فذكره موقوفاً. وهذا الإسنادُ ضعيفٌ؛ لأجل الليث.
وكنتُ متوقفا في هذا الحديث فترةً طويلة، ثم تبيّن لي صحتُه إن شاء الله تعالى، تبعاً للبغوي، والمنذري، والعراقي، والهيثمي، وقد صححه الحاكم، وأقرّه النووي، عليهم جميعاً رحمةُ الله تعالى.
ومن المعاصرين؛ الألباني، والوادعي، وعبد الله السعد، وعامر بن علي بن ياسين، وسعيد بن محمد المري، وغيرهم كثير، والله تعالى أعلم.