سِ الرسالة في الوقت الراهنِ مع اعترافِ المُخالِفين بقابليَّتِها للتطوُّر والتجديد، ودعوى الصعوباتِ في تَعَلُّمِ اللغةِ العربية وخاصَّةً مِن التلاميذ الصِّغارِ فذلك شأنُ كُلِّ لغةٍ أجنبيةٍ؛ فإنه يجد صعوباتٍ مَن يَتعلَّمُها مِن غيرِ أهلها مِن جهةٍ، ومِن جهةٍ أخرى ففَرْضُ لغاتٍ أجنبيةٍ على التلميذ في سنٍّ مُبكِّرةٍ يُشوِّشُ عليه ويَعوقُه ـ بالتأكيد ـ عن تحصيلِ لُغةِ قومه بصورةٍ حسنةٍ؛ والمعلومُ أنه لا مُبرِّرَ ولا حاجةَ إلى تَعَلُّمِها في تلك السنِّ المُبكِّرةِ؛ إِذْ بالإمكان لمن يُجيدُ لُغتَه الأصليةَ أَنْ يتَعَلَّمَ اللغاتِ الأجنبيةَ ـ عند الحاجة ـ في وقتٍ لا يزيد عن ثلاثةِ أشهرٍ ـ كما يُقرِّرُه رجالُ التربية والتعليم ـ علمًا بأنَّ أيَّ صعوبةٍ تعتري تَعَلُّمَ اللغةِ العربية فإنَّ ثَمَّةَ وسائلَ وأساليبَ للتغلُّب عليها، مِن أهمِّها: تطويرُ طُرُقِ تدريسِ اللغة، واستعمالُ الوسائلِ الحديثةِ في تَعَلُّمِها.
هذا، وما يَدَّعِيهِ أهلُ التغريبِ مِن أنَّ اللغةَ العربيةَ عاجزةٌ عن مُسايَرةِ رَكْبِ العلم الحديثِ، فهذا جَوْرٌ في حقِّ اللغةِ الوَلودِ الوَدودِ العَؤودِ التي حَمَلَتْ ـ منذ خمسةَ عَشَرَ قرنًا ـ الميراثَ الضخمَ مِن حضارةِ الإسلام الدينيةِ والعلمية، واستولدَتْ ـ بيَدِ علماءِ العربيةِ قديمًا ـ كلماتٍ ومعانيَ جديدةً مِن لُغاتٍ أخرى عن طريقِ التعريب والاشتقاق؛ فكيف تَعْجَزُ ـ اليومَ ـ عن أداءِ رسالتِها البيانيةِ والتاريخيةِ بكُلِّ اعتزازٍ وفخرٍ إلى أقصى غاياتها!!؟
إنَّ التقصير الحقيقيَّ ليس في ذات اللغةِ العربية الغنيَّةِ السخيَّة، وإنما التقصيرُ والإهمالُ والعجزُ منسوبٌ إلى نَفَرٍ مِن أبنائها العاقِّين الذين يُجَسِّدون الدعواتِ المُغْرِضةَ الساعيةَ للقضاء على الدين الإسلاميِّ ووَحْدتِه وتَماسُكِه بالقضاء على لُغَتِه التي هي مَنْبَعُ الْتقائهم وثمرةُ اتِّحادِهم، المتمثِّلةُ في «لغةِ القرآن» و«لغةِ السنَّة» و«لغةِ التراث والحضارةِ الإسلامية».
إنَّ قِوامَ الوحدةِ المنشودةِ ترتبط ـ أساسًا ـ بالدين الإسلاميِّ الذي لا يَنْفَصِل عن اللغةِ العربية التي أعزَّ اللهُ بها هذه الأمَّةَ؛ فالدفاعُ عن اللغةِ العربية الفُصْحى التي وَسِعَتْ كتابَ اللهِ لفظًا ومعنًى وغايةً وحجَّةً وتشريعًا إنما هو الدفاعُ عن الدين الإسلاميِّ بجميعِ مقوِّماته وميراثه وسائِرِ مجالاته.
وهكذا ابْتُلِيَتِ الأمَّةُ بسرطانِ الغربِ الحاقدِ وفي طليعته فرنسا الماكرةُ باستعمالِ أبناءِ هذه الأمَّةِ الذين يعملون على تفعيلِ مخطَّطاته لفصلِ وتمزيقِ الوحدة الشعبيةِ والعربيةِ والإسلاميةِ التي وسيلتُها اللسانُ العربيُّ وقِوامُها الدينُ الإسلاميُّ، وإطفاءِ نورِ حضارتهم الإسلاميةِ المَجيدةِ بأفواههم، ووَأْدِ تُراثهم الفقهيِّ وذخائرِ علومهم الفكريةِ والأدبية تحت ترابِ الضياع واللامبالاة، وطَمْسِ مَعالِمِ شخصيتهم العربيةِ الإسلامية العريقة بإملاءاتٍ غربيةٍ حاقدةٍ؛ فقَلَبُوا بذلك الموازينَ والقِيَمَ حتَّى صارَ الحقُّ باطلًا والباطلُ حقًّا، واللهُ المستعان.
إنَّ المتآمِرين على الإسلام ولُغتِه وتُراثِه الحضاريِّ ﴿يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢]، وستبقى اللغةُ العربيةُ صامدةً رَغْمَ أنوفهم؛ فقَدْ صَمَدَتْ أمامَ الغاراتِ المُدمِّرةِ وخلالَ الاحتلالِ الفرنسيِّ الطويلِ للجزائر ما دامَ لها أنصارٌ يدافعون عنها ويريدون لها البقاءَ.
وأَحْسَنُ ما أختم به ـ في هذا الصددِ ـ كلمتي هذه: قصيدةُ الشاعرِ حافظ إبراهيم(١١) المشهورةُ، والتي يتحدَّث فيها على لسان اللغة العربية، إِذْ يقول ـ رحمه الله ـ:
«رَجَعْتُ لِنَفْسِي فَاتَّهَمْتُ حَصَاتِي(١٢)
وَنَادَيْتُ قَوْمِي فَاحْتَسَبْتُ حَيَاتِي
رَمَوْنِي بِعُقْمٍ فِي الشَّبَابِ وَلَيْتَنِي
عَقُمْتُ فَلَمْ أَجْزَعْ لِقَوْلِ عُدَاتِي
وَلَدْتُ وَلَمَّا لَمْ أَجِدْ لِعَرَائِسِي
رِجَالًا وَأَكْفَاءً وَأَدْتُ بَنَاتِي
وَسِعْتُ كِتَابَ اللهِ لَفْظًا وَغَايَةً
وَمَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بِهِ وَعِظَاتِ
فَكَيْفَ أَضِيقُ اليَوْمَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ
وَتَنْسِيقِ أَسْمَاءٍ لِمُخْتَرَعَاتِ؟
أَنَا البَحْرُ فِي أَحْشَائِهِ الدُّرُّ كَامِنٌ
فَهَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِي
فَيَا وَيْحَكُمْ أَبْلَى وَتَبْلَى مَحَاسِنِي
وَمِنْكُمْ ـ وَإِنْ عَزَّ الدَّوَاءُ ـ أُسَاتِي(١٣)
فَلَا تَكِلُونِي لِلزَّمَانِ فَإِنَّنِي
أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَحِينَ وَفَاتِي
أَرَى لِرِجَالِ الغَرْبِ عِزًّا وَمَنْعَةً
وَكَمْ عَزَّ أَقْوَامٌ بِعِزِّ لُغَاتِ
أَتَوْا أَهْلَهُمْ بِالمُعْجِزَاتِ تَفَنُّنًا
فَيَا لَيْتَكُمْ تَأْتُونَ بِالكَلِمَاتِ
أَيُطْرِبُكُمْ مِنْ جَانِبِ الغَرْبِ نَاعِبٌ(١٤)
يُنَادِي بِوَأْدِي فِي رَبِيعِ حَيَاتِي
سَقَى اللهُ فِي بَطْنِ الجَزِيرَةِ أَعْظُمًا
هذا، وما يَدَّعِيهِ أهلُ التغريبِ مِن أنَّ اللغةَ العربيةَ عاجزةٌ عن مُسايَرةِ رَكْبِ العلم الحديثِ، فهذا جَوْرٌ في حقِّ اللغةِ الوَلودِ الوَدودِ العَؤودِ التي حَمَلَتْ ـ منذ خمسةَ عَشَرَ قرنًا ـ الميراثَ الضخمَ مِن حضارةِ الإسلام الدينيةِ والعلمية، واستولدَتْ ـ بيَدِ علماءِ العربيةِ قديمًا ـ كلماتٍ ومعانيَ جديدةً مِن لُغاتٍ أخرى عن طريقِ التعريب والاشتقاق؛ فكيف تَعْجَزُ ـ اليومَ ـ عن أداءِ رسالتِها البيانيةِ والتاريخيةِ بكُلِّ اعتزازٍ وفخرٍ إلى أقصى غاياتها!!؟
إنَّ التقصير الحقيقيَّ ليس في ذات اللغةِ العربية الغنيَّةِ السخيَّة، وإنما التقصيرُ والإهمالُ والعجزُ منسوبٌ إلى نَفَرٍ مِن أبنائها العاقِّين الذين يُجَسِّدون الدعواتِ المُغْرِضةَ الساعيةَ للقضاء على الدين الإسلاميِّ ووَحْدتِه وتَماسُكِه بالقضاء على لُغَتِه التي هي مَنْبَعُ الْتقائهم وثمرةُ اتِّحادِهم، المتمثِّلةُ في «لغةِ القرآن» و«لغةِ السنَّة» و«لغةِ التراث والحضارةِ الإسلامية».
إنَّ قِوامَ الوحدةِ المنشودةِ ترتبط ـ أساسًا ـ بالدين الإسلاميِّ الذي لا يَنْفَصِل عن اللغةِ العربية التي أعزَّ اللهُ بها هذه الأمَّةَ؛ فالدفاعُ عن اللغةِ العربية الفُصْحى التي وَسِعَتْ كتابَ اللهِ لفظًا ومعنًى وغايةً وحجَّةً وتشريعًا إنما هو الدفاعُ عن الدين الإسلاميِّ بجميعِ مقوِّماته وميراثه وسائِرِ مجالاته.
وهكذا ابْتُلِيَتِ الأمَّةُ بسرطانِ الغربِ الحاقدِ وفي طليعته فرنسا الماكرةُ باستعمالِ أبناءِ هذه الأمَّةِ الذين يعملون على تفعيلِ مخطَّطاته لفصلِ وتمزيقِ الوحدة الشعبيةِ والعربيةِ والإسلاميةِ التي وسيلتُها اللسانُ العربيُّ وقِوامُها الدينُ الإسلاميُّ، وإطفاءِ نورِ حضارتهم الإسلاميةِ المَجيدةِ بأفواههم، ووَأْدِ تُراثهم الفقهيِّ وذخائرِ علومهم الفكريةِ والأدبية تحت ترابِ الضياع واللامبالاة، وطَمْسِ مَعالِمِ شخصيتهم العربيةِ الإسلامية العريقة بإملاءاتٍ غربيةٍ حاقدةٍ؛ فقَلَبُوا بذلك الموازينَ والقِيَمَ حتَّى صارَ الحقُّ باطلًا والباطلُ حقًّا، واللهُ المستعان.
إنَّ المتآمِرين على الإسلام ولُغتِه وتُراثِه الحضاريِّ ﴿يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢]، وستبقى اللغةُ العربيةُ صامدةً رَغْمَ أنوفهم؛ فقَدْ صَمَدَتْ أمامَ الغاراتِ المُدمِّرةِ وخلالَ الاحتلالِ الفرنسيِّ الطويلِ للجزائر ما دامَ لها أنصارٌ يدافعون عنها ويريدون لها البقاءَ.
وأَحْسَنُ ما أختم به ـ في هذا الصددِ ـ كلمتي هذه: قصيدةُ الشاعرِ حافظ إبراهيم(١١) المشهورةُ، والتي يتحدَّث فيها على لسان اللغة العربية، إِذْ يقول ـ رحمه الله ـ:
«رَجَعْتُ لِنَفْسِي فَاتَّهَمْتُ حَصَاتِي(١٢)
وَنَادَيْتُ قَوْمِي فَاحْتَسَبْتُ حَيَاتِي
رَمَوْنِي بِعُقْمٍ فِي الشَّبَابِ وَلَيْتَنِي
عَقُمْتُ فَلَمْ أَجْزَعْ لِقَوْلِ عُدَاتِي
وَلَدْتُ وَلَمَّا لَمْ أَجِدْ لِعَرَائِسِي
رِجَالًا وَأَكْفَاءً وَأَدْتُ بَنَاتِي
وَسِعْتُ كِتَابَ اللهِ لَفْظًا وَغَايَةً
وَمَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بِهِ وَعِظَاتِ
فَكَيْفَ أَضِيقُ اليَوْمَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ
وَتَنْسِيقِ أَسْمَاءٍ لِمُخْتَرَعَاتِ؟
أَنَا البَحْرُ فِي أَحْشَائِهِ الدُّرُّ كَامِنٌ
فَهَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِي
فَيَا وَيْحَكُمْ أَبْلَى وَتَبْلَى مَحَاسِنِي
وَمِنْكُمْ ـ وَإِنْ عَزَّ الدَّوَاءُ ـ أُسَاتِي(١٣)
فَلَا تَكِلُونِي لِلزَّمَانِ فَإِنَّنِي
أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَحِينَ وَفَاتِي
أَرَى لِرِجَالِ الغَرْبِ عِزًّا وَمَنْعَةً
وَكَمْ عَزَّ أَقْوَامٌ بِعِزِّ لُغَاتِ
أَتَوْا أَهْلَهُمْ بِالمُعْجِزَاتِ تَفَنُّنًا
فَيَا لَيْتَكُمْ تَأْتُونَ بِالكَلِمَاتِ
أَيُطْرِبُكُمْ مِنْ جَانِبِ الغَرْبِ نَاعِبٌ(١٤)
يُنَادِي بِوَأْدِي فِي رَبِيعِ حَيَاتِي
سَقَى اللهُ فِي بَطْنِ الجَزِيرَةِ أَعْظُمًا