#بخصوص_معرض_الكتاب.
وَرَد في الدِّيباج لابن فرحون ، في ترجمة عبد الله بن مالك ، أبي مروان المُتوفَّى سنة 460 هــ :
" وكان كثيرَ الجهاد والرِّباط ، ولم تكن له كتبٌ إلا فقهَ معاني النَّحاس ، ومُختصرَه للمدونة ، [ وأشياءَ من الكتب قليلةً ] وكان إذا ذُكِرَ عنده المُكثِرون من الكُتُبِ وجمعِ الدَّوَاوين يقول : والله لأمُوتنَّ وأنا أجهَلُ كثيرًا مما في كُتُبي هذه فماذا أصنعُ بالإكثار منها ؟!! " انتهى.
*****************
لا شكَّ أن جَمْعَ الكُتب والحِرصَ على اقتنائها وبذلَ المال في سبيل تحصيلِها - علامةُ خيرٍ ، ودليلٌ دالٌّ على حُبِّ العلم ، وعلى الرغبةِ فيه .
ولكنَّ الكثيرَ منا الآن صار يُولِي اهتمامَه لجمعِ المكتبة الكبيرة العريضة دون أن يقرأ عُشْرَ ما فيها ، حتى في تخصُّصِه هو ، بل قد يمُرُّ العامُ والعامَانِ وهو لم يقرأ آخر كتابٍ اشتراه ، بل قد يكون ما فَتَحَه أصلا ، ولم يَمْحُ التُّرابَ الذي اعتلاه ، وحُجّةُ الكثير منا في ذلك : خوفُ ضياعِ فُرصةِ وجودِ الكتاب ، وخوفُ غلاءِ سِعرِه في قابلِ الزمن ، ولا يَزالُ الواحد منا يُبالغ في الشراء ويُسارع في النفقة ، بل قد يَستدِين وتتراكمُ عليه أموالٌ وهو أصلا لا يقرأ ولا يُطالِع .
الرغبةُ في اقتناءِ الكتب هي - نَعَم - دلالةٌ على حُبِّ العلم ، لكن إن لم يُساوِ هذه الرغبةَ نَهَمٌ في القراءة وحُبٌّ للمطالعة فهي تضييعٌ للوقت وتبذيرٌ للمال .
والإنسانُ على نفسه بصيرةٌ ، ويِستطيع كلٌّ منا أن يُراقِب نفسَه وقُدرتَه على القراءة والتحصيل ، وما يَحتاج إليه وما لا يَحتاج إليه، وما يُمَثِّلُ وجودُه من الكتب له ضرورةً ، وما يُمَثِّل له منها حاجةً مُلِحَّةً أو مُهمة ، وما وجودُه منها تكميلي، وما وجودُه من قَبيل النافلة ، وهكذا، لا يجعلها كُلَّها على درجةٍ واحدة فيضيعَ ماله بلا جَدوى ، بشرطِ أن يكون جادًّا بالفعل مع نفسه في القراءة والمطالعة وتنظيمِ الأوقات ، ولا يكن شَهوانيًّا مع الكتب ، كُلما رأى كتابا اشتهاه ، اشتهاه لا لقراءته، وإنما اشتهى وجوده في حَوزته .
ولقد عَلِمتُ أشخاصًا ليس عند الواحد منهم غيرُ شرح ابن عقيل ، وهم مع ذلك يحفظونه ويستظهرونه عن غيب ، وهم أعلم بمداخله ومخارجه وأسراره، وهم كذلك - والله - أعلمُ من كثير ممن يُصوِّرون مكتباتِهم الفخمة على الفيس بوك ولا يقرؤون منها شيئا ذا بال .
وقد كانت مكتبة شيخي - رحمه الله تعالى - عبارةً عن ثلاثةِ أَرْفُف ، في كل رفٍّ حوالي عشرة كتب ، فقط لا غير ، ولكنه قرأها جميعا ، بل قرأها مراتٍ عديدة ، وكَتَب تعليقاتٍ وحواشيَ نافعةً على كل منها .
والعُمر قصيرٌ ، والكُتُبُ في كلِّ فنٍّ أضعافُ ما يُمكن أن يَعيشه الواحد منا في هذه الدنيا ، فليحرص كلٌّ منا على المُهم ، ولا تخدعه الأماني ، ورَحِمَ الله العلماء.
سامي الازهري
وَرَد في الدِّيباج لابن فرحون ، في ترجمة عبد الله بن مالك ، أبي مروان المُتوفَّى سنة 460 هــ :
" وكان كثيرَ الجهاد والرِّباط ، ولم تكن له كتبٌ إلا فقهَ معاني النَّحاس ، ومُختصرَه للمدونة ، [ وأشياءَ من الكتب قليلةً ] وكان إذا ذُكِرَ عنده المُكثِرون من الكُتُبِ وجمعِ الدَّوَاوين يقول : والله لأمُوتنَّ وأنا أجهَلُ كثيرًا مما في كُتُبي هذه فماذا أصنعُ بالإكثار منها ؟!! " انتهى.
*****************
لا شكَّ أن جَمْعَ الكُتب والحِرصَ على اقتنائها وبذلَ المال في سبيل تحصيلِها - علامةُ خيرٍ ، ودليلٌ دالٌّ على حُبِّ العلم ، وعلى الرغبةِ فيه .
ولكنَّ الكثيرَ منا الآن صار يُولِي اهتمامَه لجمعِ المكتبة الكبيرة العريضة دون أن يقرأ عُشْرَ ما فيها ، حتى في تخصُّصِه هو ، بل قد يمُرُّ العامُ والعامَانِ وهو لم يقرأ آخر كتابٍ اشتراه ، بل قد يكون ما فَتَحَه أصلا ، ولم يَمْحُ التُّرابَ الذي اعتلاه ، وحُجّةُ الكثير منا في ذلك : خوفُ ضياعِ فُرصةِ وجودِ الكتاب ، وخوفُ غلاءِ سِعرِه في قابلِ الزمن ، ولا يَزالُ الواحد منا يُبالغ في الشراء ويُسارع في النفقة ، بل قد يَستدِين وتتراكمُ عليه أموالٌ وهو أصلا لا يقرأ ولا يُطالِع .
الرغبةُ في اقتناءِ الكتب هي - نَعَم - دلالةٌ على حُبِّ العلم ، لكن إن لم يُساوِ هذه الرغبةَ نَهَمٌ في القراءة وحُبٌّ للمطالعة فهي تضييعٌ للوقت وتبذيرٌ للمال .
والإنسانُ على نفسه بصيرةٌ ، ويِستطيع كلٌّ منا أن يُراقِب نفسَه وقُدرتَه على القراءة والتحصيل ، وما يَحتاج إليه وما لا يَحتاج إليه، وما يُمَثِّلُ وجودُه من الكتب له ضرورةً ، وما يُمَثِّل له منها حاجةً مُلِحَّةً أو مُهمة ، وما وجودُه منها تكميلي، وما وجودُه من قَبيل النافلة ، وهكذا، لا يجعلها كُلَّها على درجةٍ واحدة فيضيعَ ماله بلا جَدوى ، بشرطِ أن يكون جادًّا بالفعل مع نفسه في القراءة والمطالعة وتنظيمِ الأوقات ، ولا يكن شَهوانيًّا مع الكتب ، كُلما رأى كتابا اشتهاه ، اشتهاه لا لقراءته، وإنما اشتهى وجوده في حَوزته .
ولقد عَلِمتُ أشخاصًا ليس عند الواحد منهم غيرُ شرح ابن عقيل ، وهم مع ذلك يحفظونه ويستظهرونه عن غيب ، وهم أعلم بمداخله ومخارجه وأسراره، وهم كذلك - والله - أعلمُ من كثير ممن يُصوِّرون مكتباتِهم الفخمة على الفيس بوك ولا يقرؤون منها شيئا ذا بال .
وقد كانت مكتبة شيخي - رحمه الله تعالى - عبارةً عن ثلاثةِ أَرْفُف ، في كل رفٍّ حوالي عشرة كتب ، فقط لا غير ، ولكنه قرأها جميعا ، بل قرأها مراتٍ عديدة ، وكَتَب تعليقاتٍ وحواشيَ نافعةً على كل منها .
والعُمر قصيرٌ ، والكُتُبُ في كلِّ فنٍّ أضعافُ ما يُمكن أن يَعيشه الواحد منا في هذه الدنيا ، فليحرص كلٌّ منا على المُهم ، ولا تخدعه الأماني ، ورَحِمَ الله العلماء.
سامي الازهري