https://www.sahab.net/forums/index.php?app=forums&module=forums&controller=topic&id=159631
(الحرص على جوامع الدعاء، والحذر من الاعتداء فيه)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فينبغي على كل مسلم ومسلمة الحرص على الأدعية الواردة في: الكتاب، وصحيح السنة؛ فإنها مباركة: معصومة، مختصرة، شاملة، نافعة بإذن الله -تعالى-.
أما غيرها -من الأدعية المخترعة-، فغير مضمونة السلامة؛ فينبغي الحذر منها؛ اجتناباً للاعتداء في الدعاء، واكتفاءً بما ورد من الأدعية في الكتاب والسنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة"، ص309: "وينبغي للخلق أن يدعوا بالأدعية الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة؛ فإن هذا لا ريب في فضله وحسنه" ا.ه
وهذه بعض الأدلة الواردة في ذلك:
أولاً: الحرص على جوامع الدعاء، وترك ما عدا ذلك:
1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك». أخرجه أبو داود، وصححه الألباني.
2- وعن أنس رضي الله عنه قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار». أخرجه البخاري، ومسلم.
3- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي، وله حاجه، فأبطأت عليه، قال: يا عائشة، عليك بجُمَلِ الدعاء وجوامِعِه».
فلما انصرفت قلت: يا رسول الله وما جمل الدعاء وجوامعه؟.
قال قولي: «اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم،
وأسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
وأسألك مما سألك به عبدك ونبيك محمد ﷺ وأعوذ بك مما تعوذ منه عبدك ونبيك محمد ﷺ وما قضيتَ لي من قضاء فاجعل عاقبته رشدا». أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٦٣٩)، وصححه الألباني.
ثانياً: التحذير من الاعتداء في الدعاء:
1- قال الله تعالى: "ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"[الأعراف: 55].
2- وعن ابن لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: "سمعني أبي وأنا أقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا.
فقال: يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون قوم يعتدون في الدعاء».
فإياك أن تكون منهم إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر". أخرجه أبو داود، وقال الألباني: حسن صحيح.
فهذا بسبب التفصيل في الدعاء وكثرة الألفاظ، فكيف بغيره مما هو أكبر منه؟!.
ومن الاعتداء في الدعاء رفع الصوت به؛ -بل بعضهم يصيح صياحاً-!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاستقامة (1/ 323): ((قال الحسن البصري رفع الصوت بالدعاء بدعة، وكذلك نص عليه أحمد ابن حنبل وغيره))ا.ه.
أقول: فكيف إذا صاحبه سجعٌ، وتلحينٌ، وترتيلٌ، وتطويلٌ -كما هو حاصلٌ اليوم- والله المستعان؟!.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (15/15-17): ((فقوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} يتناول نوعي الدعاء، لكنه ظاهر في دعاء المسألة، متضمن دعاء العبادة؛ ولهذا أمر بإخفائه وإسراره.
قال الحسن: بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت.
أي ما كانت إلا همسا بينهم وبين ربهم عز وجل؛ وذلك أن الله عز وجل يقول: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} وأنه ذكر عبدا صالحا ورضي بفعله فقال: {إذ نادى ربه نداء خفيا}.
وفي إخفاء الدعاء فوائد عديدة:
" أحدها " أنه أعظم إيمانا؛ لأن صاحبه يعلم أن الله يسمع الدعاء الخفي.
و" ثانيها " أنه أعظم في الأدب والتعظيم لأن الملوك لا ترفع الأصوات عندهم ومن رفع صوته لديهم مقتوه ولله المثل الأعلى فإذا كان يسمع الدعاء الخفي فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت به.
و" ثالثها " أنه أبلغ في التضرع والخشوع الذي هو روح الدعاء ولبه ومقصوده. فإن الخاشع الذليل إنما يسأل مسألة مسكين ذليل قد انكسر قلبه، وذلت جوارحه وخشع صوته؛ حتى أنه ليكاد تبلغ ذلته وسكينته وضراعته إلى أن ينكسر لسانه فلا يطاوعه بالنطق. وقلبه يسأل طالبا مبتهلا ولسانه لشدة ذلته ساكتا وهذه الحال لا تأتي مع رفع الصوت بالدعاء أصلاً.
و" رابعها " أنه أبلغ في الإخلاص.
و" خامسها " أنه أبلغ في جمعية القلب على الذلة في الدعاء فإن رفع الصوت يفرقه، فكلما خفض صوته كان أبلغ في تجريد همته وقصده للمدعو سبحانه.
و" سادسها " -وهو من النكت البديعة جداً- أنه دال على قرب صاحبه للقريب لا مسألة نداء البعيد للبعيد؛ ولهذا أثنى الله على عبده زكريا بقوله عز وجل: {إذ نادى ربه نداء خفيا} فل
(الحرص على جوامع الدعاء، والحذر من الاعتداء فيه)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فينبغي على كل مسلم ومسلمة الحرص على الأدعية الواردة في: الكتاب، وصحيح السنة؛ فإنها مباركة: معصومة، مختصرة، شاملة، نافعة بإذن الله -تعالى-.
أما غيرها -من الأدعية المخترعة-، فغير مضمونة السلامة؛ فينبغي الحذر منها؛ اجتناباً للاعتداء في الدعاء، واكتفاءً بما ورد من الأدعية في الكتاب والسنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة"، ص309: "وينبغي للخلق أن يدعوا بالأدعية الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة؛ فإن هذا لا ريب في فضله وحسنه" ا.ه
وهذه بعض الأدلة الواردة في ذلك:
أولاً: الحرص على جوامع الدعاء، وترك ما عدا ذلك:
1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك». أخرجه أبو داود، وصححه الألباني.
2- وعن أنس رضي الله عنه قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار». أخرجه البخاري، ومسلم.
3- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي، وله حاجه، فأبطأت عليه، قال: يا عائشة، عليك بجُمَلِ الدعاء وجوامِعِه».
فلما انصرفت قلت: يا رسول الله وما جمل الدعاء وجوامعه؟.
قال قولي: «اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم،
وأسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
وأسألك مما سألك به عبدك ونبيك محمد ﷺ وأعوذ بك مما تعوذ منه عبدك ونبيك محمد ﷺ وما قضيتَ لي من قضاء فاجعل عاقبته رشدا». أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٦٣٩)، وصححه الألباني.
ثانياً: التحذير من الاعتداء في الدعاء:
1- قال الله تعالى: "ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"[الأعراف: 55].
2- وعن ابن لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: "سمعني أبي وأنا أقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا.
فقال: يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون قوم يعتدون في الدعاء».
فإياك أن تكون منهم إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر". أخرجه أبو داود، وقال الألباني: حسن صحيح.
فهذا بسبب التفصيل في الدعاء وكثرة الألفاظ، فكيف بغيره مما هو أكبر منه؟!.
ومن الاعتداء في الدعاء رفع الصوت به؛ -بل بعضهم يصيح صياحاً-!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاستقامة (1/ 323): ((قال الحسن البصري رفع الصوت بالدعاء بدعة، وكذلك نص عليه أحمد ابن حنبل وغيره))ا.ه.
أقول: فكيف إذا صاحبه سجعٌ، وتلحينٌ، وترتيلٌ، وتطويلٌ -كما هو حاصلٌ اليوم- والله المستعان؟!.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (15/15-17): ((فقوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} يتناول نوعي الدعاء، لكنه ظاهر في دعاء المسألة، متضمن دعاء العبادة؛ ولهذا أمر بإخفائه وإسراره.
قال الحسن: بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت.
أي ما كانت إلا همسا بينهم وبين ربهم عز وجل؛ وذلك أن الله عز وجل يقول: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} وأنه ذكر عبدا صالحا ورضي بفعله فقال: {إذ نادى ربه نداء خفيا}.
وفي إخفاء الدعاء فوائد عديدة:
" أحدها " أنه أعظم إيمانا؛ لأن صاحبه يعلم أن الله يسمع الدعاء الخفي.
و" ثانيها " أنه أعظم في الأدب والتعظيم لأن الملوك لا ترفع الأصوات عندهم ومن رفع صوته لديهم مقتوه ولله المثل الأعلى فإذا كان يسمع الدعاء الخفي فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت به.
و" ثالثها " أنه أبلغ في التضرع والخشوع الذي هو روح الدعاء ولبه ومقصوده. فإن الخاشع الذليل إنما يسأل مسألة مسكين ذليل قد انكسر قلبه، وذلت جوارحه وخشع صوته؛ حتى أنه ليكاد تبلغ ذلته وسكينته وضراعته إلى أن ينكسر لسانه فلا يطاوعه بالنطق. وقلبه يسأل طالبا مبتهلا ولسانه لشدة ذلته ساكتا وهذه الحال لا تأتي مع رفع الصوت بالدعاء أصلاً.
و" رابعها " أنه أبلغ في الإخلاص.
و" خامسها " أنه أبلغ في جمعية القلب على الذلة في الدعاء فإن رفع الصوت يفرقه، فكلما خفض صوته كان أبلغ في تجريد همته وقصده للمدعو سبحانه.
و" سادسها " -وهو من النكت البديعة جداً- أنه دال على قرب صاحبه للقريب لا مسألة نداء البعيد للبعيد؛ ولهذا أثنى الله على عبده زكريا بقوله عز وجل: {إذ نادى ربه نداء خفيا} فل