قناة:ناصر الحميد

قال يونس الصَّدفي:

(ما رأيت أعقل مِن الشَّافعي، ناظرته يومًا في مسألة، ثمَّ افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثمَّ قال: يا أبا موسى، ألَا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتَّفق في مسألة)

هذه الروح الشافعيّة أندر من الكبريت الأحمر.


أُرقّع هذه الأحرف وقلبي يشويه الألم على خلاّنٍ
كنّا نتفق في كل شيء غير شيء فنسينا كل شيء وبقي الشيء فارتخت بيننا حِبال الودّ والله المستعان.

ابن تيمية يحمل فقْهاً نفْسياً بديعاً وفي علومه من دقائق المعاني النفسية ما يُدهش اللّب ففي ثنايا حديثه في غير موضع من الفتاوى يؤكّد على حقيقة تتولّد في نفوس الآدميين فيقول-بتصرف-:
"ما من نفس إلا وفيها ما في نفس فرعون غير أنّه قدر فأظهر وغيره عجز فأضمر"

ليست نفس فرعون التي قالت"أنا ربكم الأعلى"
هي مناط كلام ابن تيمية بل نفسه التي كانت تُضخّم ذاتها وتستميتُ لها.

فمعيار "الأَنا" عندها بلغ شُعاع الشمس هذه النفس التي كان ابن تيمية يُنبّه على شَرخها.

تظهر معاني الفَرْعنة جلياً عند كل نقاش ينشأ شرارة وينتهي بُركاناً.

ومن كبير عقل الإمام أحمد حين طُلب منه مناظرة ابن أبي دؤاد كان جوابه:

"لستُ أعرفه من أهل العلم فأكلمه"
نقشُ هذا الفقه والإيمان به راحة خاطر.


هذه مُقدمة بين يديّ شأنٍ التفطّن له مغنم وهو:

قراءة نفس المُناقَش قبل نِقاشه ضرورةٌ
فبعض الأفكار تُضخّ من بعض العوارض النفسية وتُولد في ظرف طارئ فهذا وأضرابُه لو بقيتَ تُناقشه عُمر نوح عليه السلام ما نزعت منه فِكرة ولو أخذت بيده لطبيب نفسيّ لكان أبرّ له وأنفع والله يعلمُ أنّي أقول هذا جاداً.


فبعض المُعتقد نبتَ في نفس مكسورة ورُوحٍ هشّةٍ وضمير جائع من السُكون والدَعة كحال بعض-لا كُل- من يُنكر بعض الضروري والبَدهيّ.


فنقاشُ هذا في ضرورة تنبهه لعاهته النفْسية أزهرُ له من تفكيك فِكرة لو كان سَوياً لكان أول من يكفرُ بها.


وهذا ليس في كل مائدة حوار فدوافع مُعتقدات الناس تتغاير.




فاللهم اهدنا لما يُرضيك عنّا.




أخوك:

ناصر بن حميد.






https://t.me/nasserhomaid

وأصبح تهميش الأئمة والسطوة عليهم بلسان جارحٍ برهان فطنةٍ وعنوان ذكاء.

حتى تجد مَنْ أمْتَن ما طالعه مجلة حلاق ممزّقة
يفكّ لسانه على أساتذة الدنيا وعباقرة التاريخ!


فجعل الشافعي وأحمد وابن تيمية-وغيرهم-وهم جامعات علوم وكليات معرفة في صورة إنسان "كلأ مُباحاً"

وحجته الأولى والأخيرة "هم رجالٌ ونحنُ رجال"

وهذا حقٌ في توظيف باطل فالرجال كالمعادن.


والله قسّم الهِمم والمواهب بين خلقه كما قسّم الدرهم والدينار-مُقلّ ومسّتكثرٌ-


ولو طالع هذا وأضرابه أسطر الشافعي في الرسالة وعبقريته في كتاب الأُمّ لأصابته الدهشة وهو يقف أمام جزء من دهاء هذا الحَبر.

أو تمعّن في سعة حفظ أحمد وجريان العلوم على لسانه جريان السيل في الشِعاب وتدفّق لُبّه في استخراج أدقّ المعاني من كلام الله ورسوله ﷺ لأنكسر قلبه خجلاً.


ليتَ هذا المنتفش يتناول ردود ابن تيمية على الفلاسفة في درء التعارض-مثلاً-سينتابه شُعور الأعجمية وأنّه لا يُميّز بين الألف والباء وسيخفِت من داخله زُهو المعرفة وأنّه عند شيخ الإسلام كوتدٍ صغيرٍ ضُرب بجوار برجٍ شاهق.


فابن رجب وهو أحد مفاخر الأئمة حين ترجم لوالد ابن تيمية جاء بجملة كساها ثِياب التوقير وألبسها حُلل الإجلال لشيخِ شيخه
فقال:
"كوكبٌ بين الشمس والقمر"
يقصد بالشمس:ابن تيمية وبالقمر:المجد أبوالبركات-جد ابن تيمية_

فهذه أحرفُ العالِمين عن العالِمين والله المستعان.


ففي خِتام هذه الخاطرة:

ولو استنطقت الكُتب في سِير هؤلاء الأئمة لوددت أن كانت عظام صدرك لحافاً لهم.



وتكون العاقبة "هم أساتذةٌ ونحنُ طلاب والتلميذ يتعلّم من أستاذه".




اللهم ارحم أئمة الإسلام.





أخوك:

ناصر بن حميد.




https://t.me/nasserhomaid

وجود الاختلاف وتنازع الأئمة وحفظُ القولِ والقولينِ

لا يُبيح لك التلطخ بألوان المعاصي ونزعُ ثياب الورع ورحيل الضميرِ الحيّ وموت الإنكسار لله تعالى الذي كنت تجدُ وخزته في فؤادك حين تُواقع الخطيئة.

فتنازع الفقهاء الدائر بين الحِل والحُرمة لا يُجيز لك جعله بمنزلة القطعي من دين الله ولا في رُتبِ المُجمع على حِلّه فالخلاف ليس من حُجج الإباحة كما يُقرره الشاطبي ولا هو من أدلةِ الاحتجاج اجماعاً كما نقله ابن عبدالبرّ.

فأقوال الأئمة مَحكومةٌ وليست حاكمة فيُستدلُّ لها لا بِها كما يقرره ابن تيمية.

وقول الفقيه بمنزلة النجم للقبلة فالنَجم وسيلة للوصول للقبلة وقول العالم سبيلٌ لمعرفة الشرع والدين.


وغبنٌ أن تُبصر من لا يتورع عن شبهةٍ أو معصية وغاية حُجته اختلاف العلماء فيها غير أنّه يتحرى في بدنه وماله فوجود اختلاف الأطباء لا يُهوّن عليه مقارفة بعض ما قد يجلب له الضرّ فتجده مُتحرياً أصوبها وأسلمها.

وعين الخُذلان احتياط المرء لمالِه وبدنه أشدّ منه في دينه وآخرته والله المُستعان.


ومن فقْهِ ابن تيمية العميق تقريره أنه ما مِنْ عالمٍ إلا وقد اضطربه في أُصوله حتى يكون الدين كله لله.

فجُهد الشيخ دائرٌ بين الأجر والأجرين وبذله طاقته في الوصول للحقّ لا يعني إصابته والتوفيق بيد الله ومنه.



خِتاماً:

هاهمُ الأئمة الذين تُدني خلافهم عند أول نِقاش كان الواحد مِنهم يحفظ خِلاف الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن تحتهم ويعرف المُجمع عليه والمُختلف فيه بل يفقه الخلاف بأنواعه قوةً وضعفاً مُستحضراً نصوص الفقهاء وأوجه استدلالهم غير أنك تجده يفيض وَرعاً ويصب قلبه طُهراً ويفرّ من الذَنْب المُختلف فيه فراره من الأسد وفيه وجلٌ من ربه وحياءٌ منه تبارك وتعالى.


فأين هذا من حال من لا يعرف من الخلاف إلا اسمه؟!



فاللهم ألهمنا رُشدنا واكفنا شرّ أنفسنا.




أخوك:

ناصر بن حميد






https://t.me/nasserhomaid