لما بينت آيات القرآن أن مقام العبودية هو أعلى مقامات البشر، كان المقصود بذلك نوع مخصوص من العبودية ؛ إذ العبودية نوعان، عبودية عامة وعبودية خاصة، فالعبودية العامة هي التي يخضع لها الخلق جميعا، مؤمنهم وكافرهم، إذ كلهم مقهورون بربوبيته سبحانه وتعالى، لا يخرجون عن قبضته وسطوته، وهذه العبودية العامة هي التي جاء فيها قول الله سبحانه وتعالى: *( إِن ڪُلُّ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّآ ءَاتِى ٱلرَّحۡمَـٰنِ عَبۡدًا )* [ مريم: ٩٣ ] ، وقوله تعالى: *( وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلۡعَبِيدِ )* [ فصلت: ٤٦ ] .
أما العبودية الخاصة فهي التي يعنيها المرء ويتشرف بالانتساب إليها حين يقول : *« خلقتني وأنا عبدك »*، وهي التي جاء فيها قول الله جل شأنه: *( وَٱلَّذِينَ ٱجۡتَنَبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَ أَن يَعۡبُدُوهَا وَأَنَابُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰۚ فَبَشِّرۡ عِبَادِ • ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُ ۥۤۚ أُوْلَـٰٓىِٕكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُوْلَـٰٓىِٕكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ)* [ الزمر: ١٧-١٨ ]، أو قوله سبحانه وتعالى: *( يَـٰعِبَادِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَ وَلَآ أَنتُمۡ تَحۡزَنُونَ )* [ الزخرف: ٦٨ ] أو قوله جل وعلا : *( وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَـٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَـٰمًا • وَٱلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمۡ سُجَّدًا وَقِيَـٰمًا )* [ الفرقان: ٦٣-٦٤ ] وأصحاب هذه الدرجة هم الذين ميزهم الله تعالى ورفع درجتهم فقال: *( إِنَّ عِبَادِى لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡہِمۡ سُلۡطَـٰنٌ )* [ الحجر: ٤٢ ] .
وهذه العبودية الخاصة هي التي ينبغي للمرء أن يقيس نفسه عليها حين يقول: *« خلقتني وأنا عبدك »*، فهل هو صادقٌ في ادعائه لهذه العبودية، أم أنه كاذب في ذلك أو أنه مقصرٌ في تحقيق العبودية، فتكون عبوديته على حسب الأحوال .. تارة يسير إلى الله تعالى وتارة يتأخر، تارة يقوم وتارة ينام، تارة يعمل وتارة يتكاسل ؟! لو كانت هذه أحوال المرء في عمله في الدنيا، لكانت سبب طرده وإبعاده ! ولكن المرء الحريص على مصلحته إذا علم أن صاحب العمل ناظر إليه ومطلع عليه فلا بد أنه سيبذل أقصى جهده، ويعمل على الإخلاص حتى يرضى عنه سيده ويعطيه في الدنيا، إذ كلما أخلص وعمل بصدق وأقبل على عمله بإحسان سيزداد أجره في الدنيا، فما بالك بالرب جل وعلا ؟! فالمرء حين يقول: *« وأنا عبدك »* فذلك معناه أنه يستجيب لأمر سيده، وأنه قائم على الخدمة لا يقصر، وأنه يسارع لا يتكاسل، وأنه يسير على طريق الله تعالى حتى يأتيه اليقين كما قال: *( وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ )* [ الحجر: ٩٩ ] فهو ملتزم بهذا الطريق إلى أن ينتقل إلى الله تعالى، لا يقصر ولا يفرط ولا يتكاسل ولا يتوانى فضلا عن أن يعصى الله تعالى أو أن يخالف أوامره.
ـــــــــــــــــــــــ
من خطب ودروس فضيلة الشيخ / د. محمد الدبيسي. مسجد الهدي المحمدي بالظاهر
أما العبودية الخاصة فهي التي يعنيها المرء ويتشرف بالانتساب إليها حين يقول : *« خلقتني وأنا عبدك »*، وهي التي جاء فيها قول الله جل شأنه: *( وَٱلَّذِينَ ٱجۡتَنَبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَ أَن يَعۡبُدُوهَا وَأَنَابُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰۚ فَبَشِّرۡ عِبَادِ • ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُ ۥۤۚ أُوْلَـٰٓىِٕكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُوْلَـٰٓىِٕكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ)* [ الزمر: ١٧-١٨ ]، أو قوله سبحانه وتعالى: *( يَـٰعِبَادِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَ وَلَآ أَنتُمۡ تَحۡزَنُونَ )* [ الزخرف: ٦٨ ] أو قوله جل وعلا : *( وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَـٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَـٰمًا • وَٱلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمۡ سُجَّدًا وَقِيَـٰمًا )* [ الفرقان: ٦٣-٦٤ ] وأصحاب هذه الدرجة هم الذين ميزهم الله تعالى ورفع درجتهم فقال: *( إِنَّ عِبَادِى لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡہِمۡ سُلۡطَـٰنٌ )* [ الحجر: ٤٢ ] .
وهذه العبودية الخاصة هي التي ينبغي للمرء أن يقيس نفسه عليها حين يقول: *« خلقتني وأنا عبدك »*، فهل هو صادقٌ في ادعائه لهذه العبودية، أم أنه كاذب في ذلك أو أنه مقصرٌ في تحقيق العبودية، فتكون عبوديته على حسب الأحوال .. تارة يسير إلى الله تعالى وتارة يتأخر، تارة يقوم وتارة ينام، تارة يعمل وتارة يتكاسل ؟! لو كانت هذه أحوال المرء في عمله في الدنيا، لكانت سبب طرده وإبعاده ! ولكن المرء الحريص على مصلحته إذا علم أن صاحب العمل ناظر إليه ومطلع عليه فلا بد أنه سيبذل أقصى جهده، ويعمل على الإخلاص حتى يرضى عنه سيده ويعطيه في الدنيا، إذ كلما أخلص وعمل بصدق وأقبل على عمله بإحسان سيزداد أجره في الدنيا، فما بالك بالرب جل وعلا ؟! فالمرء حين يقول: *« وأنا عبدك »* فذلك معناه أنه يستجيب لأمر سيده، وأنه قائم على الخدمة لا يقصر، وأنه يسارع لا يتكاسل، وأنه يسير على طريق الله تعالى حتى يأتيه اليقين كما قال: *( وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ )* [ الحجر: ٩٩ ] فهو ملتزم بهذا الطريق إلى أن ينتقل إلى الله تعالى، لا يقصر ولا يفرط ولا يتكاسل ولا يتوانى فضلا عن أن يعصى الله تعالى أو أن يخالف أوامره.
ـــــــــــــــــــــــ
من خطب ودروس فضيلة الشيخ / د. محمد الدبيسي. مسجد الهدي المحمدي بالظاهر