قبل عام ونصف قدّمتُ سلسلة (التأصيل المنهجي لقضايا المرأة)، وأردتُ أن أوصل من خلالها مجموعة من القضايا الأساسية التي ارتأيتُ أنها من أعظم ما يُصلح حال المرأة المسلمة بإذن الله تعالى، ويقيها من موجات النسوية وغيرها، وقد صرحتُ بهذه القضايا المركزية وأبنتُ عنها بصريح القول على طول الطريق، ومن أهمهما ثلاث قضايا محورية، هي:
أولاً: أن العبودية لله تعالى هي الغاية العظمى من خلق المرأة، وأن فضاء هذه العبودية واسع فسيح، فيه ما هو متعلق بحقوق الله المحضة وفيه ما هو متعلق بحقوق الخلق -ويدخل فيهم الآباء والأزواج والأولاد وغيرهم-، وأن الحقوق المتعلقة بالخلق إنما ينقاد الناس إليها كلما عظم توحيدهم وتسليمهم لله ولأمره، وأننا في زمن ضعف فيه هذا التسليم، فنحتاج إلى تعزيز الإيمان وتنمية حقيقة العبودية لله تعالى، والتي ستنعكس بدورها على أداء حقوق الخلق بالنسبة للمرأة -وعلى رأسهم الأزواج- بما يتفق مع شريعة الله الكاملة.
ثانياً: أن من الأخطاء الكبيرة التي أوقعت كثيرا من النساء في فخ النسوية: نظرهنّ إلى باب المرأة بعين الحقوق فقط، وحصر هذه الحقوق في الدار الدنيوية، وكلا الأمرين خطأ، ولذلك أكّدتُ على أن النظر بعين المسؤوليات والواجبات -بالإضافة إلى عين الحقوق- هو الصواب، وهو الواقي بإذن الله من كثير من إشكالات النسوية، وأن هذه الحقوق ليست منحصرة في دائرة الدنيا الضيقة فقط، بل تشمل فضاء الآخرة مع الدنيا.
ثالثاً: أن واقع المسلمين اليوم يحتاج إلى إصلاح داخلي شمولي، وأن المرأة جزء أساسي من هذا الإصلاح، وأن عليها أدوارا ومسؤوليات تجاه الإسلام والمسلمين على ضوء حدود الله، وذكرتُ نماذج كثيرة من التاريخ للنساء الفقيهات والمحدّثات والعالمات والباذلات في سبيل الله مع التأكيد على أن من أهم الأدوار الإصلاحية للمرأة: التربية.
هذه أهم القضايا المركزية التي ذكرتُها في السلسلة، والحمد لله الذي وفق لهذه المعاني وهي مما لا أزال أتبناه وأدعو إليه بقوة رغم كل الموجات المُشككة والطاعنة خلال العام والنصف الفائتين.
ومن يتأمل هذه المعاني سيدرك مقدار بغي الطاعنين، الذين ما فتئوا يصورون الحال بغير حقيقته، ويقتطعون كلمات من السلسلة ويكثفوا عليها الضوء ويقرؤونها بأعين لا يمكن أن ترى السطر كاملا، دعك الآن ممن يسب ويشتم بصريح الفحش -حتى إنني تعرفتُ على شيء من الشتائم الجديدة التي لم أكن أعرفها سابقا-، وغير ذلك.
ولا ضير، فالله يعلم المفسد من المصلح، -وكُلّنا إليه راجع-، والحمد لله على ما وفق وفتح، والحمد لله على حُسن الأثر، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.