العِلمُ والعَمَلُ!


Channel's geo and language: not specified, not specified
Category: not specified


العِلمُ والعَملُ توأمان أمُّهمَا علوُّ الهِمَّة⛲
•‏ هنا بعض ما يشحذ الفطنة، ويؤنس من الوحشة. 📚

Related channels  |  Similar channels

Channel's geo and language
not specified, not specified
Category
not specified
Statistics
Posts filter


كما تَرَكَ الأذان للعيدين، وكما تَرَكَ الغُسْلَ لكل صلاة, وكما ترك الاحتفالَ بعيد مولده أو عيد ميلاده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وكما ترك الأذان للتراويح، وكما ترك صلاة النصف من شعبان، وكما ترك القراءة على الموتى وغير ذلك، فهذه أمورٌ تُرِكَتْ على عهدِ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السنينَ الطُّوَال مع عدمِ المانعِ من فعلِها, وقيامِ المقتضي الدافع الذي يدفعُ لفعلها, ومع ذلك تركها رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, والوقتُ وقتُ تشريعٍ للأحكام, فظهرَ من ذلك أنَّ هذا التَّرْكَ سُنَّةٌ, وأنَّ الفعلَ - الذي ينافي هذا التَّرك - بدعةٌ في دين اللهِ ربِّ العالمـــين.
لو كانت مشروعة وكان فعلُها ينطوي على شيءٍ من الخير لفعلها النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَرْكُ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذه الأمور ومواظبتُه على الترك مع عدم المانع ومع وجود المقتضي الدافع لفعل الفعل, وهو التقرب إلى الله تبارك وتعالى، تَرْكُ النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلك وهو كذلك والوقت وقت تشريع وتنزيل وبيان للأحكام دليل على أنَّ المشروع في هذه الأمور هو التَّرْك، وأنَّ الفعلَ خلافُ المشروع، فلا يُتَقَرَّبُ بفعل مثل ذلك؛ لأن القُرْبَةَ لابد أنْ تكونَ مشروعة.


سُنَّةُ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما تكونُ بالفعلِ تكون بالتَّرْكِ، والتَّرْكُ المراد هاهنا هو التَّرْكُ الوجودي، وهو: أنْ يقعَ الشيء في زمنِ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ويوجد المقتضِي لفعلِهِ - الدافع والباعث - الذي يدفع ويبعثُ لفعله والشيء موجود, ومع وجودِ هذا المقتضي وانتفاءِ المانع الذي يمنع من فعلِهِ، مع ذلك يتركه رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا كان ذلك كذلك؛ فالتَّرْكُ سُنَّةٌ والفعلُ بدعة، التَّرْكُ المراد هو التَّرْكُ الوجودي أنْ يقع الشيء ويوجد المقتضي الدافع لفعلِهِ وينتفي المانعُ من فعله، ومع ذلك يترُكُهُ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ، فالتَّرْكُ الذي هو سُنَةٌ وقُرْبَةٌ هو التَّرْكُ في ما لم يكن مانعٌ من فعلِهِ مع وجودِ المقتضي لفعلِ ذلك الأمر الذي تَرَكَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو التَّقَرُّبُ إلى اللهِ تبارك وتعالى، والوقتُ وقتُ تشريعٍ وتنزيل وبيان للأحكام، لأن النّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يؤخرُ البيانَ عن وقت الحاجة، فلو كان ذلك جائزًا على هذا النحو: قام المقتضي لفعله، الدافع لفعله موجود, والمانع الذي يمنع من فعله منتفٍ لا وجود له, ومع ذلك يتركه رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ, حينئذٍ يكون التَّرْكُ سُنَّةً ويكونُ الفعلُ بدعةً.


⬆️فوائد من محاضرة الشيخ رسلان
بعنوان الاحتفال بالمولد النبوي


قاعدة من القواعد الجليلة جدًّا يحتاجُها المسلمُ المُتَسَنِّنُ بسُنَّةِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويحتاجُها طالبُ العلم من أجل التمييزِ بين ما هو سُنَّة وما هو بدعة, ويحتاجها العالم الداعية من أَجْلِ أنْ تكونَ غُصَّةً وحجرًا يُلْقَمُ في أفواه وحُلُوقِ المبتدعة, ما يسمى بـ «السُّنَّة التَّرْكية» هو: ما تَرَكَهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع قيام المقتضي لفعله وانتفاء المانع من فعله - مع أنَّ الزمانَ زمانُ تشريع وبيان للأحكام -, فالحكم في ذلك أنَّ التَّرْكَ سُنَّة وأنَّ الفعل بدعة - قاعدة مهمة في غاية الأهمية ذكرها العلماء رحمةُ اللهِ عليهم -.
وكيف يُعقل أنْ يتركَ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئًا نافعًا يعودُ على الأمةِ بالرحمة وهو من بَيَّنَ لنا ربُّنا تبارك وتعالى أنَّه {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة : 128] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ كيف يُعقل أنْ يترك النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلَ هذا؟!
وهل يُعقل أنْ يكونَ النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ قد رأى في ذلك بابًا من أبوابِ الرحمة ثم يتركُه حياتَه كلَّها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- ولا يفعلُه ولو مرةً واحدةً لبيان الجواز حتى ولو كان لبيان الجواز؟


العاداتُ كلُُّها كالمآكلِ والمشاربِ والثيابِ والأعمالِ العادية والمعاملات والصنائع الأصلُ فيها الإباحة والإطلاق, فمَنْ حَرَّمَ شيئًا منها لم يُحَرِّمْهُ اللهُ ولا رسولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو مبتدع، كما حَرَّمَ المشركون بعضَ الأنعامِ التي أباحها اللهُ ورسولُهُ، وكمن يريدُ - بِجَهْلِهِ - أنْ يُحَرِّمَ بعضَ أنواعِ اللباس - أي: الثياب - أو الصنائع والمخترعات الحادثة بغيرِ دليلٍ شرعي ويُحَرِّمُهَا.
يعني يقولُ لك - مثلًا -: إنَّ وضع مثل هذه - يعني: نَظَّارَةَ العين - هكذا بدعة، هي بدعة بالمعنى اللغوي؛ لأن ذلك لم يكن على عهدِ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.
وعندما أرادوا أن يُدخلوا في الحرمِ قديمًا مكبرات الصوت اعترضَ بعضُ الشيوخ وقال هذه بدعة، وهذا لم يكن على عهد النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ولا على عهد السلف الصالحين، وكان يضع على عينيه نَظَّارَةً فقال له من كان يجادله: ما تقول في هذه، هل هذه بدعة؟ قال: لا, هذه تقرب لي المناظر والمَرَائِيَ. قال: وهذه إنما تقرب إلى السامع الصوت، فأيُّ فرق؟!
فالأصل في مثل هذه الأشياء إنما هو الحِل، لا حظْرَ في تلك الأشياءِ إلا بدليلٍ ونص.
يعني يقول لك: إنَّ ركوبَ القطار أو الطائرة بدعة، فحذارِ ثم حذارِ أنْ تبتدع، فإنَّ النّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يصنع ذلك!!
هذا تركٌ عدمي - يعني: - لم يكن ذلك موجودًا على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَرَكُهُ مع قيام المقتضي له وانتفاء المانع من فعله حتى يكون التَّرْكُ سُنَّة، فأمثال هذه الأشياء الأصلُ فيها الحِلُّ والإباحة حتى يأتيَ الدليلُ الحاظرُ المانعُ من مثلِ ذلك.
المُحَرَّمُ من هذه الأشياء هو الخبيثُ والضار، وقد فُصِّلَت تلك الأمورُ في الكتاب والسُّنَّةِ, - يعني: - الخبائث والأمور التي تضر فُصِّلَت في كتاب الله وفي سُنَّةِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ، ومَنْ تتبعَ المحرمات وجدها تشتملُ على أنواعِ المفاسد، وجدها تشتمل على المفاسدِ المتنوعة، المحرمات لو تتبعتها فسوف تجدُ أنها تنطوي وتتضمن وتشتمل على كثيرٍ جدًّا من المفاسد تتنوع وتختلف.


العلماءُ يقولون: هذه للسَّامعِ المُرَدِّد.
المؤذِّن يأتي بالصلاةِ على النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهرًا بعد أن يفرُغَ من الإتيان بألفاظ الأذان يأتي بها جهرًا كما كان يأتي بألفاظ الأذان!!
فإذا كلمتَهُ وقلتَ له: هذا لا يُشرعُ في دينِ اللهِ تبارك وتعالى، يقول لك: أنت تكره النّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!
لماذا؟ لأنك تقولُ إنَّ الصلاةَ على النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرام!!
هذا أصلُه مشروع، والصلاةُ على النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ مِنْ أعظمِ القُرُبَاتِ, ومِنْ أَجَلِّ الطاعاتِ إلى ربِّ الأرضِ والسماواتِ الصلاة والسلام على سيدِ الكائنات صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن لا بد أنْ تكونَ منضبطةً بتلك الأُطُر، موصوفةً بتلك الأوصاف التي مرّ ذكرُها، فإذا ما غَيَّرَ الإنسانُ ذلك فإنه يكون مبتدعًا بدعةً إضافية، فَغَيَّرَ في الوصف أو في الكمية أو في الكيفية أو في الزمان أو في المكان أو في الجنس.


ما أحدثه الناسُ في هذا الشهرِ من بدعةِ الميلاد، في الاحتفال بعيد ميلاد النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذه لم ترد أصلًا لا في القرآن, ولا في السُّنَّة, ولا في عمل الصحابة, ولا في عمل التابعين, ولا في عمل تابعي التابعين، كل القرون المفضلة مضت وليس فيها عيدُ ميلادٍ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن حدثت في القرن الرابع من الهجرة, أحدثها الروافضُ العُبَيدِيُّون الذين انتمَوا زُورًا وإفكًا وبهتانًا إلى فاطمةَ الزهراء فَتَسَمَّوا بـ(الفاطميين)، فهؤلاء هم الذين أدخلوا هذا الأمرَ أولَ ما أُدْخِلَ على دين اللهِ ربِّ العالمـــين، وتتابع الناسُ عليها لأنها كُسِيت بما يَدُلُّ على العاطفة وعلى التقدمِ على هذا الأمر, وهو: محبةُ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهل هنالك مسلمٌ لا يحبُّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ؟!
والحقيقةُ أنَّ محبةَ الرَّسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ علامتُها التأدبُ مع رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وألّا يُجرى في شريعتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ولا يُدخل في شريعة النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ليس منها.
فنقولُ مثلًا: الاحتفال بعيد ميلاد النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ هل كان الرّسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمُ أنَّه مما يُقَرِّبُ إلى الله أو لا؟
الاحتفال بعيد ميلاد الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تسأل: هل كان النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمُ أنَّ هذا الاحتفال يُقَرِّبُ إلى الله أو لا يعلم؟
إنْ قالوا لا يعلم, فأمرٌ عظيم؛ لأنهم عَلِمُوا ما لم يَعْلَمْهُ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن قالوا يعلم، قلنا: إذن؛ تَرَكَها وهو يعلمُ أنها مشروعة دون أنْ يُبَلِّغَ رسالةَ ربِّه؟! فإن لم يفعل فما بَلَّغَ رسالةَ ربِّه!
يعني أنت تسأل تقول: عيد المولد، عيد ميلادُ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ هل كان النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ يَعْلَمُهُ أو لا يَعْلَمُهُ؟
إن قالوا: كان النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعلمه، نقول: اهتديتم إلى ما لم يهتدِ إليه رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ وهو الناطق بالوحي؟!
وإنْ قالوا: كان يعلم.
كان يعلم وكتم؟!
هل هنالك مسلمٌ يتَّهمُ النّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل هذا الاتهام؟!
فأنتم إنْ قلتم ذلك تقدحون في رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ، فأين هو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا المُبْتَدَع - وهو الاحتفال بعيد ميلاد الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟!
هذا جميعُه إذا لم تشتمل هذه البدعة على أمورٍ أخرى مُحرَّمة، فكيف إذا اشتملت على محرماتٍ أخرى لا تُحصى؟!!
حينئذٍ تزداد نُكرًا، مثل الاختلاط بين الرِّجال والنِّساء، والأذكار المحرَّفة التي يقع فيها الرَّقصُ والتصفيقُ وأعمالٌ تشبه الجنون، ويقولون إنهم يجتمعون ثم يَفِزُّونَ فَزَّةَ رجلٍ واحد لماذا؟! قالوا لأنَّ الرَّسولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد حَضَر!!
ويأتون بأشعارٍ وحكايات فيها مخالفاتٌ صارخةٌ للعقيدةِ الصحيحةِ، فهذه بدعةٌ لم يَشْرَعِ اللهُ ورسولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جنسَها أصلًا، وتسمى: «بدعةٌ أصلية»، تسمى هذه: «بدعة أصلية».
وأمَّا ما ابتُدِعَ على وجهٍ يُغَيِّرُ ما شَرَعَ اللهُ ورسولُهُ فمثل الأذكار التي تقال, فيُزاد فيها أو يُنقَص منها تَعَبُّدًا للهِ تبارك وتعالى بذلك، هذا أصل مشروع، لكن وصفَهُ أو عددَهُ غيرُ مشروع، وهذه هي: «البدعة الإضافية».
النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ أَمَرَ أنَّه إذا سمعتَ المؤذنَ فقلت مثلما يقول ثم صليت عليهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ - فإنك على رجاءِ تحقيقِ الشفاعة يوم القيامة، هذه الصلاة التي حضَّ عليها رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الصلاة والسلام عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعقبِ الأذان، هي للمؤذن أم للسامع المُرَدِّد؟




بَلَى؛ وَلَكِنَّ تَقْيِيدَ هَذِهِ الأُمُورِ بزَمَنٍ أَوْ مَكَانٍ هُوَ الَّذِي جَعَلَهَا بِدْعَة.
فَأَنْتَ لَا تُقَيِّدُهَا بِهَذَا الزَّمَن، وَنَقُولُ:
صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَكُلَّمَا أَكْثَرْتَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ...
أَثْنِ عَلَيهِ بِمَا شِئْتَ مِنَ القَصَائدِ؛ بِشَرْطِ أَلَّا تَخْرُجَ إِلَى دَرَجِةِ الغُلُو...
أَطْعِم الطَّعَام، لَا نَمنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ تَقْيِيدَهُ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ هُوَ الَّذِي يَجْعَلُهُ بِدْعَة.
وَإِلَّا فَهَات دَلِيلًا عَلَى أَنَّ لَيْلَةَ مَولِدِهِ وَقْتٌ لِلاحْتِفَالِ, وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ وَمَا أَشْبَهُ ذَلِكَ!!
عَلَى أَنَّ الاحْتِفَالَ بِالمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ يَحْدُثُ فِيهِ مِنَ الأَغْلَاطِ، وَالغُلُوِ المَنْهِيِّ عَنْهُ، وَغَيرِ ذَلِكَ مِنَ الأَشيَاءِ مَا لَا يَرتَضِيهُ شَرْعٌ وَلَا عَقْلٌ وَلَا رُجُولَةٌ.


الجَوَابُ:


أَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يُشَنِّفُ أَسْمَاعَهُ بقَصَائدِ الثَّنَاءِ عَلَى الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-؟


أَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يُحِبُّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-؟


فَإِذَا قَالَ المُبتَدِعُ لِلاحْتِفَالِ بِالمَوْلِدِ: أَنَا لَمْ أَفعَلْ شَيئًا مَمْنُوعًا؛ إِنَّمَا جَلَسْتُ لِصُنعِ الطَّعَامِ لِلنَّاسِ وَإِطعَامِهِم، وَإطعَامُ النَّاسِ دَائِرٌ بَيْنَ الإِبَاحَةِ وَالاسْتِحبَابِ، ثُمَّ إِنِّي أَتَحَدَّثُ عَن سِيرَة الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وأُصَلِّي عَلَيهِ، وَأَتْلُو مِنَ القَصَائدِ مَا فِيهِ الثَّنَاءُ عَلَيهِ، أَلَيْسَ هَذَا أَمرًا مَطْلُوبًا؟


الصَّحَابَةُ -رِضْوانُ اللهِ عَلَيهِم- وَالسَّلَفُ كَانُوا يَتَّبِعُونَ النَّبِيَّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ, فَمَا فَعَلَهُ فَعَلُوهُ, وَمَا تَرَكَهُ مَعَ وُجُودِ سَبَبِهِ وَانتِفَاءِ المَانِعِ مِنهُ تَرَكُوهُ, وَمَا خَالَفَ ذَلِكَ فَهُوَ بِدْعَة. هَذِهِ المَسأَلَة يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَفَطَّنَ لَهَا.
كُلُّنَا يَعلَمُ أَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى الرَّسُولِ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَلَى وَجْهٍ لَا غُلُوَّ فِيهِ مَحبُوبٌ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ.


وَلِذَلِكَ تَجِدُ مِنَ السَّفَهِ, أَنْ يَكُونَ الإِنسَانُ قَدْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ, وَهُوَ يُحِبُّهُ حُبًّا عَظِيمًا, وَلَيْسَ عِندَهُ سِوَاهُ –مَثْلًا-, وَقَدْ جَاءَهُ عَلَى كِبَرٍ, فَلَمَّا أَنْ بَلَغَ بِضْعَ سِنِينَ مَاتَ فِي اليَومِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ, فَهُوَ يَأْتِي فِي كُلِّ عَامٍ لِكَيْ يَحْتَفِلَ -بَعْدَ مَوْتِ وَلَدِهِ- بِعِيدِ مِيَلادِ وَلَدِه! وَعِيدُ مِيلَادِهِ هُوَ عِيدُ وَفَاتِه, لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ كَانَ سَفِيهًا!!


فَالمُقتَضِي لِلاحْتِفَالِ -لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوعًا- كَانَ مَوجُودًا, وَلَا مَانِعَ كَانَ يَمْنَعُ النَّبِيَّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَنْ يَأمُرَ أصْحَابَه بِأَنْ يَحتَفِلُوا بِذَلِكَ, وَأَنْ يَحتَفِلَ هُوَ أَيضًا, وَلَكِنْ مَعَ قِيَامِ المُقتَضِي, وَانتِفَاءِ المَانِعِ لَمْ يَفْعَل؛ فَصَارَ التَّركُ سُنَّة.
بَلْ إِنَّهُ دَلَّنَا عَلَى أَمْرٍ آخَرَ لَمَّا سُئِلَ عَن صَوْمِ الإِثنَينِ وَالخَمِيسِ؛ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ يَصُومُ الإِثنَين؛ لِأَنَّهُ يَومٌ وُلِدَ فِيهِ, وَأُوحِيَ إِلَيهِ فِيهِ, وَقَدْ مَاتَ فِي يَوْمِ الإِثنِينِ أَيْضًا.


لَوْ طَبَّقنَا هَذِهِ القَاعِدة هَاهُنَا؛ لَقُولْنَا أَنَّ عَدَمَ الاحْتِفَالِ سُنَّةٌ تَركِيَّةٌ, فَالمُتَسَنِّنُ حَقًّا هُوَ الَّذِي يَترُكُ الاحْتِفَالَ عَلَى النَّحْوِ المُحْدَثِ. وَكَذَلِكَ الذِي يَفعَلُهُ يَكُونُ مُخَالِفًا لِلنَّبِيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لِمَا؟
لِأَنَّهُ مِنَ المَقَاصِدِ العَظِيمَةِ فِي الدِّينِ, أَنْ نَفْرَحَ بِنِعمَةِ اللهِ عَلَيْنَا وَبِفَضْلِهِ {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].


كَمَا هُوَ مَعرُوفٌ فِي السُّنَّةِ التَّركِيَّة: فَهِيَ كُلُّ مَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مَعَ قِيَامِ المُقتَضِي لِفِعلِهِ, وَانتِفَاءِ المَانِع مِنْ فِعْلِهِ.
فَمَعَ ذَلِكَ تَرَكَهُ النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَفعَلْه, فَيَكُونُ التَّرْكُ سُنَّةً, وَيَكُونُ الفِعْلُ بِدْعَة.


هَذَا وَجْهٌ مُهِمٌّ, يَعْنِي أَنْتَ تَقُول –يَعْنِي- هُدِيتَ إِلَى مَا لَمْ يُهْدَى إِلَيهِ الرَّاشِدُون, وَلَمْ يُهْدَى إِلَيهِ الصَّحَابَةُ أَجمَعُون, وَلَمْ يُهْدَى إِلَيهِ التَّابِعُونَ, وَلَا تَابِعُوا التَّابِعِينَ, وَلَا تَبَعُوا أَتبَاعِهِم, لَمْ يُهْدَى إِلَيهِ أَحَدٌ فِي القُرُونِ المُفَضَّلَةِ, وَهُدِيتَ إِلَيهِ أَنْت!!
...لَمْ يَفْعَلُوا شَيئًا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُم يُرِيدُونَ أَنْ يُطَبِّقُوا حَقِيقَةَ المَحَبَّةِ تَمَامًا، وَهِيَ أَنْ يَتَّبِعُوا الرَّسُولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فِي فِعلِهِ وَتَركِهِ، فَكَمَا أَنَّ فِعْلَ مَا فَعَلَهُ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- سُنَّة, فَكَذَلِكَ تَرْكُ مَا تَرَكَهُ مَعَ وُجُودِ سَبَبِهِ سُنَّة, وَانتِفَاءِ المَانِع مِنْهُ.


* الوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّكَ لَسْتَ أَشَدَّ مَحَبَّةً لِرَسُولِ اللهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خُلَفَائهِ وَأَصْحَابِه، وَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحِبَّ الرَّسُولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَعْظَمَ مِمَّا يُحِبُّهُ أَبْو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَغَيْرُهُم مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُم- وَكَذا مِنَ التَّابِعِين...
هَؤلَاءِ كُلُّهُم مَعَ مَحَبَّتِهِم لِرَسُولِ اللهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُم يُرِيدُونَ أَنْ يُطَبِّقُوا حَقِيقَةَ المَحَبَّةِ تَمَامًا، وَهِيَ أَنْ يَتَّبِعُوا الرَّسُولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، فَكَمَا أَنَّ فِعْلَ مَا فَعَلَهُ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- سُنَّة...

20 last posts shown.

856

subscribers
Channel statistics