في القبو كان وحيداً مع ظلمة ليلتهِ، يرقد على سريرٍ حديديِ مهترئ سقط أحد أطرافه من قِدَمه، ويكسوه إسفنجٌ قرضت الفئرانُ معظمه، ولم يبقَ منهُ غيرَ الشبكِ الحديدي المنسوج على شكل دوائر متصلة أقطارها غاية في الصغر، كانَ القبو رغم سعته يبدو ضيقاً جداً بسبب الكراكيب المتكومة فيه بعضها فوق بعض ، أحسّ الفتى بحركةٍ مستمرة في القبو، أدركَ حين ذلك أنّها لم تكن سوى صوتٍ ناتج عن تقافز الفئران والجرذان في القبو فشعر بالخوف يتسربُ إلى غياهبه والرعشة تسري في جسده، لقد أحسّ بوحش العزلة ينفثُ ناراً يشتدُّ أُوارها مدركاً شغاف قلبه ، ولقد كان في كلِّ مرةٍ يشعر فيها بتلكَ العزلة في لياليه يُفسحَ الطريق لخطواته متجهةً نحوَ والديه علّ القرب منهما يُخفف من وطأتها عليه ، ولكنّهُ إذ كان مسجوناً في قبوه لم يجد خطواتهِ تلك ، وكأنّها تسربت من تحتِ قدميهِ الصغيرتين وغارت في أقاصي الأرض ولم يجد أثراً لها ، وقُبيل بزوغ الفجر الصادق بقليل غلبهُ النعاس فتكور حول نفسهِ وأخذ إغفاءةَ قصيرة .
رواية جنين
أسامة مسلّم
رواية جنين
أسامة مسلّم