" من أبرز مظاهر التمحور على الذات والتركيز عليها انتقاء التواريخ والأحداث (الهامة) استنادًا إلى مركزية، غالبا ما تكون هي المركزية الأوربية، فقد جرت العادة على تبني التحقيبات التاريخية الشائعة والقائلة بأن ثمة "عصرا قديما" وآخر "وسيطًا" و"أزمنة" حديثة و"معاصرة". وانطلاقا من ذلك يتم تحقيب التواريخ الأخرى تحقيبا مطابقا لا يحترم خصوصية هاته الأخيرة وزمانها الفعلي. وبهاته الكيفية يتم كبت تلك التواريخ الأخرى وتدمج في تاريخ واحد هو التاريخ كما يراه الغرب، فلا عجب إذا لاحظنا أحكاما متسرعة تزخر بها بعض المؤلفات التي تتحدث عن الفكر العربي في "العصر الوسيط" وعن الملامح العامة المميزة للفلسفة في "العصور الوسطى المسيحية والإسلامية".. إذ بذلك يتم إلغاء الاختلاف والتفاوت بين التواريخ كوسيلة لطمس "أفضلية" إحداها في وقت من الأوقات، ليبقى التاريخ كما صنعه الغرب هو وحده الذي يحتكر تلك "الأفضلية" وينفرد بها باعتباره تاريخا ساخنا يتجه نحو غاية معينة و"التقدم" هو موجهه الأساسي في ذلك، بل ينظر أحيانا إلى بعض الحركات الهامة في التواريخ الأخرى على أنها نشاز أو استثناء فيها، وأن أصولها ينبغي أن تلتمس في التاريخ الغربي المسيحي."
** "حفريات الاستشراق" (ص24) سالم يفوت
** "حفريات الاستشراق" (ص24) سالم يفوت