قيل إنه سُمي (المتنبي) لأنه تنبأ شعرًا، أي حاز النبوة في الشعر لما كان له من سطوة على الكلام وبلاغة في الشعر وحذاقة في النظم، وقد أكدت هذا بعض أبياته التي باتت حِكَمًا وأمثالًا تلهج بها ألسن الناس اليوم.
وأظن أن من قصائده التي ليست مشهورة عند العامة هي قصيدته في رثاء أم سيف الدولة:
نُعِدُّ المَشرَفِيَّةَ وَالعَوالي
وَتَقتُلُنا المَنونُ بِلا قِتالِ
وَنَرتَبِطُ السَوابِقَ مُقرَباتٍ
وَما يُنجينَ مِن خَبَبِ اللَيالي
وَمَن لَم يَعشَقِ الدُنيا قَديماً
وَلَكِن لا سَبيلَ إِلى الوِصالِ
نَصيبُكَ في حَياتِكَ مِن حَبيبٍ
نَصيبُكَ في مَنامِكَ مِن خَيالِ
[...]
وَلَو كانَ النِساءُ كَمَن فَقَدنا
لَفُضِّلَتِ النِساءُ عَلى الرِجالِ
وَما التَأنيثُ لِاِسمِ الشَمسِ عَيبٌ
وَلا التَذكيرُ فَخرٌ لِلهِلالِ
وَأَفجَعُ مَن فَقَدنا مَن وَجَدنا
قُبَيلَ الفَقدِ مَفقودَ المِثالِ
يُدَفِّنُ بَعضُنا بَعضاً وَتَمشي
أَواخِرُنا عَلى هامِ الأَوالي
أَسَيفَ الدَولَةِ اِستَنجِد بِصَبرٍ
وَكَيفَ بِمِثلِ صَبرِكَ لِلجِبالِ
فَأَنتَ تُعَلِّمُ الناسَ التَعَزّي
وَخَوضَ المَوتِ في الحَربِ السِجالِ
وَحالاتُ الزَمانِ عَلَيكَ شَتّى
وَحالُكَ واحِدٌ في كُلِّ حالِ
فَلا غيضَت بِحارُكَ يا جَموماً
عَلى عَلَلِ الغَرائِبِ وَالدِخالِ
رَأَيتُكَ في الَّذينَ أَرى مُلوكاً
كَأَنَّكَ مُستَقيمٌ في مُحالِ
فَإِن تَفُقِ الأَنامَ وَأَنتَ مِنهُم
فَإِنَّ المِسكَ بَعضُ دَمِ الغَزالِ
وقيل أن أبو العلاء هو فيلسوف الشعراء وحكيمهم، وأنه أول من تفلسف في الشعر، أو ابتغى الفلسفة في شعره. وهو أيضًا له من الأبيات ما بات حكمة ومثلًا يدور على ألسن الناس، ومن جميل شعره:
لا تَنْسَ لي نَفَحاتي وانْسَ لي زَلَلي
ولا يَضُرُّكَ خَلْقي واتّبِعْ خُلُقي
فرُبّما ضَرّ خِلٌّ نافِعٌ أبداً
كالرّيقِ يحْدُثُ منه عارِضُ الشَّرَقِ
وعَطْفَةٍ من صَديقٍ لا يَدومُ بها
كعَطْفَةِ اللّيلِ بينَ الصّبْحِ والفَلَقِ
فإنْ تَوافَقَ في معْنىً بَنو زَمَنٍ
فإنّ جُلّ المَعاني غيرُ مُتّفِقِ
قد يَبْعُدُ الشيءُ من شيءٍ يُشابِههُ
إنّ السماءَ نَظِيرُ الماءِ في الزَّرَقِ