تاج
[المتعتعُ الخَطَّاء]
﴿ بل هوَ آياتٌ بيّناتٌ في صدور الذين أوتوا العلم ﴾
وصفٌ يخفق له قلب الحافظ، وتشهق له نفسه، وتتلهّف عليه روحه..
يسير إليه بنور ﴿وَاتّقُوا الله ويُعَلِّمكمُ الله﴾..
ثم يعرض عليه ما يعرض على البشر من تثاقل الطين، والإلمام باللمم، والتقصير الملازم له ملازمة الروح جسده.. فيُرجع كلَّ خطأ يخطئه في التسميع إلى ذنبه، ويَجلد نفسه ببيتين كررهما عليه أستاذه:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وحدثني بأن العلم نورٌ ** ونور الله لا يؤتاه عاصي
فييأس من بلوغ الإتقان، وأنّى له أن يكون برا تقيا ملائكيا في جميع أحواله!
أَيْ مسلم:
إنّ إتقان حفظ القرآن يعود إلى الأخذ بالسبب، فلو أخذ به المؤمن والمنافق لأتقن كل واحد منهما حفظ القرآن.
هكذا المسألة في إتقان حفظ الحروف حال حفظه دون أي نية إلا نية إتقان الحفظ، ولا علاقة لها بزيادة إيمان ونقصانه.
١+١= ٢
تكرار + إصرار= إتقان حفظ.
وإن كان مجرد إتقان الحفظ من عدمه دليلًا على الإيمان وضعفه فلماذا كان القارئ من أول من تُسعّر بهم النار يوم القيامة، وربما أتى الماهر الذي كان يمر القرآن مرّ السهم لا يخرم منه حرفًا، ولا يسقط حكمًا تجويديًّا، وعلى تلاوته رونق، ولها حلاوة وطلاوة، فيُكَبّ على وجهه في النار .
لأنّ مِن بين الحفاظ مَن يتقن حفظ القرآن ليشتري بآياته ثمنًا قليلًا: ليعلو به المنابر ويُعطى به المناصب، أو ليختال بنداوة صوته بين الناس.
لم تمنعه النية الفاسدة من إتقان الحفظ. لأنَّ الإتقان مما يُبلَغُ بالسبب لا بمجرد صلاح النية وقوة الإيمان.
وقد يأتي المتعتع في حفظه وتلاوته فيفتح الله عليه يوم لقائه فيتلو مع المهرة البررة ويرتقي مع أفواج المرتقين بكل آية درجة.
ذلك أن الله الكريم لا يُؤاخذ الحافظ بنتيجته وإنما بجهده وأخذه بالأسباب.
فمَثَلُه مَثَلُ النَّبيِّ الذي يأتي يوم القيامة ومعه الرجلان أو الرجل، والنبي يأتي وليس معه أحد، هل نقول بأنه حُرِم الأتْباع لضعفٍ في إيمانه ونبوّته؟ وهل يؤاخذه الله بعدم انقياد الناس له؟
إن عليه إلا البلاغ..
كذلك الحافظ حين يسمّع فيأتي بالخطأ والخطأين والأخطاء، هل يؤاخذه الله بما قضاه على عقله من عدم التذكر والاسترسال؟ إن عليه إلا التكرار والاصطبار.
يعامل الله عباده بسيرهم على الطريق ولا يعاملهم ببلوغهم نقطة الوصول.
شرط أن يصدق السائر مع الله ويطوي قلبه على المواصلة والإتقان ونية الختم، ومن يهاجِرْ بقلبه وجوارحه إلى ربه فيبدأ بالفاتحة ثم يدركه الموت وهو في مطلع البقرة فقد وقع ختمه على الله ..
نعم .. معاملة الله ليست كمعاملة لجنة الاختبار التي تحاسبك على ظاهرك، فتبدأ بالعد التنازلي مع كل لحن جلي أو خفي أو نقص حرف أو تبديل واو بفاء أو إسقاط كلمة أو نسيان آية.. ذاك عمل البشر: قياس المستوى الظاهر.
فلا تنفع حينئذ اعتذارات الحافظ: راجعت، بذلت جهدا، كررت كثيرا.. مهما توسل بدمعه لن يستطيع تغيير الدرجة التي رصدتها لجنة الاختبار لأن هذا عملها.
وعمل الله: قياس المستوى الباطن، وبه يفوز أقوام ويخسر آخرون ..
عمل الله: توفية أجر الصبر والجهود الخفية: استماعك للشيخ ومحاكاتك لتلاوته، ترويضك فكك ولسانك، عينك التي تصور الآية وتدمن النظر فيها، تكرارك الآية المرة تلو المرة، ربط الآيات، مكابدتك الحفظ وترقيك إلى الإتقان.
يحصي لك نبرًا نبرته، وقلقلة زينت بها تلاوتك، وغنة حبّرت بها صوتك، وقصْر وطول مد، وأذلق حرف وأصمته، وأهمسه وأشده، حتى السكتات يؤجرك عليها.
وإن لم تتقن بعد طول مجاهدتك وتعتعت أعطاك أجرك مرتين..
سبحانه الكريم الواسع ..
ثم يصنع الله للمتقين فوق ما يصنع لسائر الحفاظ.. من فتوح في العلم والعمل، والحفاظ في ذلك بين مستقل ومستكثر..
فأنت مع القرآن مهديٌّ إلى خير ما دمت مجاهدًا، إن لم تكن هداية إتقان فهداية خشوع، وهداية تدبر، وهداية نور، وهداية رحمة، وهداية مجد، وهداية توفيق وثبات، وهداية أُنْس. والفتوحات لا تنتهي.
كنت تريد سبيل الحفظ فحسب فإذا به يهديك السبل. وصدَقَ الله ووفّى:
﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلَنا﴾ .
هذا من جهة الأسباب، وتوفيق الله يُستجلب بالدعاء والتضرع والصدق في حب كلامه وتلهف القلب لإتقان حفظه.
وعودًا على بدء:
مَن أخذ بالسبب حفِظَ القرآن سواء كان مؤمنًا أو منافقًا، ولكن لا ينتفع بالقرآن ولا يُكرّم به يوم لقاء قائلِهِ إلا مؤمن.
.
[المتعتعُ الخَطَّاء]
﴿ بل هوَ آياتٌ بيّناتٌ في صدور الذين أوتوا العلم ﴾
وصفٌ يخفق له قلب الحافظ، وتشهق له نفسه، وتتلهّف عليه روحه..
يسير إليه بنور ﴿وَاتّقُوا الله ويُعَلِّمكمُ الله﴾..
ثم يعرض عليه ما يعرض على البشر من تثاقل الطين، والإلمام باللمم، والتقصير الملازم له ملازمة الروح جسده.. فيُرجع كلَّ خطأ يخطئه في التسميع إلى ذنبه، ويَجلد نفسه ببيتين كررهما عليه أستاذه:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وحدثني بأن العلم نورٌ ** ونور الله لا يؤتاه عاصي
فييأس من بلوغ الإتقان، وأنّى له أن يكون برا تقيا ملائكيا في جميع أحواله!
أَيْ مسلم:
إنّ إتقان حفظ القرآن يعود إلى الأخذ بالسبب، فلو أخذ به المؤمن والمنافق لأتقن كل واحد منهما حفظ القرآن.
هكذا المسألة في إتقان حفظ الحروف حال حفظه دون أي نية إلا نية إتقان الحفظ، ولا علاقة لها بزيادة إيمان ونقصانه.
١+١= ٢
تكرار + إصرار= إتقان حفظ.
وإن كان مجرد إتقان الحفظ من عدمه دليلًا على الإيمان وضعفه فلماذا كان القارئ من أول من تُسعّر بهم النار يوم القيامة، وربما أتى الماهر الذي كان يمر القرآن مرّ السهم لا يخرم منه حرفًا، ولا يسقط حكمًا تجويديًّا، وعلى تلاوته رونق، ولها حلاوة وطلاوة، فيُكَبّ على وجهه في النار .
لأنّ مِن بين الحفاظ مَن يتقن حفظ القرآن ليشتري بآياته ثمنًا قليلًا: ليعلو به المنابر ويُعطى به المناصب، أو ليختال بنداوة صوته بين الناس.
لم تمنعه النية الفاسدة من إتقان الحفظ. لأنَّ الإتقان مما يُبلَغُ بالسبب لا بمجرد صلاح النية وقوة الإيمان.
وقد يأتي المتعتع في حفظه وتلاوته فيفتح الله عليه يوم لقائه فيتلو مع المهرة البررة ويرتقي مع أفواج المرتقين بكل آية درجة.
ذلك أن الله الكريم لا يُؤاخذ الحافظ بنتيجته وإنما بجهده وأخذه بالأسباب.
فمَثَلُه مَثَلُ النَّبيِّ الذي يأتي يوم القيامة ومعه الرجلان أو الرجل، والنبي يأتي وليس معه أحد، هل نقول بأنه حُرِم الأتْباع لضعفٍ في إيمانه ونبوّته؟ وهل يؤاخذه الله بعدم انقياد الناس له؟
إن عليه إلا البلاغ..
كذلك الحافظ حين يسمّع فيأتي بالخطأ والخطأين والأخطاء، هل يؤاخذه الله بما قضاه على عقله من عدم التذكر والاسترسال؟ إن عليه إلا التكرار والاصطبار.
يعامل الله عباده بسيرهم على الطريق ولا يعاملهم ببلوغهم نقطة الوصول.
شرط أن يصدق السائر مع الله ويطوي قلبه على المواصلة والإتقان ونية الختم، ومن يهاجِرْ بقلبه وجوارحه إلى ربه فيبدأ بالفاتحة ثم يدركه الموت وهو في مطلع البقرة فقد وقع ختمه على الله ..
نعم .. معاملة الله ليست كمعاملة لجنة الاختبار التي تحاسبك على ظاهرك، فتبدأ بالعد التنازلي مع كل لحن جلي أو خفي أو نقص حرف أو تبديل واو بفاء أو إسقاط كلمة أو نسيان آية.. ذاك عمل البشر: قياس المستوى الظاهر.
فلا تنفع حينئذ اعتذارات الحافظ: راجعت، بذلت جهدا، كررت كثيرا.. مهما توسل بدمعه لن يستطيع تغيير الدرجة التي رصدتها لجنة الاختبار لأن هذا عملها.
وعمل الله: قياس المستوى الباطن، وبه يفوز أقوام ويخسر آخرون ..
عمل الله: توفية أجر الصبر والجهود الخفية: استماعك للشيخ ومحاكاتك لتلاوته، ترويضك فكك ولسانك، عينك التي تصور الآية وتدمن النظر فيها، تكرارك الآية المرة تلو المرة، ربط الآيات، مكابدتك الحفظ وترقيك إلى الإتقان.
يحصي لك نبرًا نبرته، وقلقلة زينت بها تلاوتك، وغنة حبّرت بها صوتك، وقصْر وطول مد، وأذلق حرف وأصمته، وأهمسه وأشده، حتى السكتات يؤجرك عليها.
وإن لم تتقن بعد طول مجاهدتك وتعتعت أعطاك أجرك مرتين..
سبحانه الكريم الواسع ..
ثم يصنع الله للمتقين فوق ما يصنع لسائر الحفاظ.. من فتوح في العلم والعمل، والحفاظ في ذلك بين مستقل ومستكثر..
فأنت مع القرآن مهديٌّ إلى خير ما دمت مجاهدًا، إن لم تكن هداية إتقان فهداية خشوع، وهداية تدبر، وهداية نور، وهداية رحمة، وهداية مجد، وهداية توفيق وثبات، وهداية أُنْس. والفتوحات لا تنتهي.
كنت تريد سبيل الحفظ فحسب فإذا به يهديك السبل. وصدَقَ الله ووفّى:
﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلَنا﴾ .
هذا من جهة الأسباب، وتوفيق الله يُستجلب بالدعاء والتضرع والصدق في حب كلامه وتلهف القلب لإتقان حفظه.
وعودًا على بدء:
مَن أخذ بالسبب حفِظَ القرآن سواء كان مؤمنًا أو منافقًا، ولكن لا ينتفع بالقرآن ولا يُكرّم به يوم لقاء قائلِهِ إلا مؤمن.
.