ماذا فعلت بكِ الحرب ؟
فاجأني هذا السؤال على موقع الأسك قبل سنة و يزيد
جعلني أتواجه مع حقيقة ما صرته بعد الحرب و أفكر في كل ما لم أحققه بسببها
رمى بكومة آلام في حضن الذاكرة و انتظرني بصبر حتى أجيبه
ريام
ماذا فعلت بك الحرب ؟
سؤال بسيط في تركيبه ممتنع في تفكيك معانيه ,قادر على أن يفضح ضعفك اللغوي في نص الإجابة !
لست أملك حرفي حتى أصيره لنص يترجم ما فعلته بي الحرب .
كانت في الحقيقة حربان
كلاهما بقلبي لكن إحداهما تجاوزت قلبي و تجسدت في الشوارع و على عتبات البيوت
هدنة من إحداهما كانت كفيلة بجعل قلبي يغض الطرف عن الأخرى
كنت أسرق من الحياة أياما أنقيها من كل كدر و هم و أقضيها من غير سوء
أتزود فيها لما تبقى من المعارك في الأيام القادمة !
كنت أومن أن تفريطا صغيرا مني في إحدى دقائق السعادة سيرديني قتيلة بجرعة حزن مفرطة
و ما كنت لأ تنازل للحياة عن حقي بها !
كنت أتخفف من أحزان إحداهما بالأخرى , إذ أنهما يتسابقان في سوء أخبارهما فأصبر على حزن و ابتلعه دون أن أختنق به لأن حزنا آخر أعظم و أسوء قد هون كل سوء دونه
مرت أول سبعة أشهر بهذه الطريقة
كل فرح أضخم أعظم من الحزن له الحق في أن يصرف يوما من دون كدر
و كل حزن دون الحزن الأعظم بإمكاني ابتلاعه دون أي ضرر .
ماذا فعلت بي الحرب ؟
علمتني أن النصر شُعب كثيرة أدناها السيطرة على أرض و أسماها تخليد معتقداتنا بالدم
و المقاومة شعبة من شُعب النصر
قذيفة بعد قذيفة
قتيل بعد آخر كانت تحضر لي درس الصبر و كلما تجاوزت حدثا دون اعتراض رغم شنيع ما نتعرض له , كانت ترتقي بي في سلم الإيمان .
أرادت مني أن استوعب أن النصر من عند الله يؤتيه من يشاء و له حكمة في كل أمر
فجلعت مني أكثر صبرا و حلما
انتشلتني من دوائر الجدل المرهقة
كانت تهمس في أذني عند كل جدال عن هذه المعركة :-
(إني أعلم أنه يضيق صدرك لما يقولون ,و أنك تحملين من الهموم ما ينوء بالعصبة أولي الصبر; لكن حسبك أن الله مطلع على الخفايا !, و أن كل قتيل ذهب بنفسه إلى الله حي يرزق في جنات النعيم !, و إن كان لابد من أن يحتضن الحزن قلبك فليكن لأجل نفسك لأنك ما نلت ما نالوه من نعيم و رضى !)
ماذا فعلت بي الحرب ؟
أهدتني عشرين حكمة ما كنت لأتعلمها في عشر سنوات !
مع كل فقد كانت تربت على قلبي بحكمة ما ,
ما كان هذا العدد مساويا لما فقدت , لكنها كانت تكرر بعض الحكم أكثر من عشر مرات في مواضع حزن مختلفة لتستقر في قلبي دون شك ,
و تتركني دون أن تعظني في أحيان كثيرة !
; لتوضح أن بعض الأحزان لا نملك أمامها إلا الصبر و لن تزيدها الأيام إلا غورا ....
و هذا النوع من الحزن يذكرنا بحقيقة الدنيا و أنها ليست دار جزاء و لا دار نعيم .
ماذا فعلت بي الحرب ؟
سلبتني طمأنينتي كما سلبت أحمد يداه
و لكنها عقدت بدل من طمأنينتي و يداه عقدة الرضى في قلوبنا
فكنا نُسبِّح بهذه العقدة في كل حين .
في الحرب ندرك أن مشاعرنا و أحاسيسنا أكثر تأثيرا و أقوى حضورا من أعضاءنا رغما عن قانون الماديات !
فقط في الحرب نضحي بما نملكه و نستمتع به لأجل ما لم نر لأن حَبلا متينا قد مده إيماننا لسابع سماء قادرٌ على أن يجذبنا لنعيم يفوق قدرتنا البشرية على الاستيعاب !
ماذا فعلت بي الحرب ؟
تحلقت حول عيناي , أشتعلت شيبا برأسي , احتضنت قلبي حتى الإعتصار, و أصابت معدتي بالأعصاب مرات كثيرة !
لامست بيتنا فسقط بعض من جدرانه ,
و جرحت قلب أمي , فأضحى الوهن بديلا عن راحتها !
ماذا فعلت بي الحرب ؟
غير أنها رملت صديقتي و يتمت أطفال ابن عمي و أثكلت قريبتي ,و سلبتني راحتي !
غير أنها تجسدت على ظهر أبي أسواطا قد رسمها جلاده ,
تحلقت حول عنقه آثار يدي سجان حاول خنقه !
ماذا لو تجاوزنا هذا السؤال الفضوليَّ -عن أفعال الحرب الطاغية -ماذا لو تجاوزناه إلى كل ما لم تفعله الحرب ؟
إلى كل ما فشلت الحرب في تحقيقه ؟
لنتحدث مثلا عن عجزها عن تخفيف هول الفواجع رغم تشابهها و تكرارها على مدى سنتين !
كيف عجزت عن أن تخفف خوفنا من انفجار القذائف و البراميل المتفجرة رغم أن هذا الأمر هو سنة أيامنا الماضية و القادمة !
او لنتجاوز كل ما فعلته و ما لم تفعله , كل هذه الأجوبة لا يزيدنا توثيقها إلا وجَعا .
يكفي أن تدرك الحرب التي أكلت على قلبي و شربت أنني لم أتصالح يوما معها
و لست شاكرة لها على أي درس علمتنيه من خلال معاركها
و غير ممتنة لها أبدا على كل حكمة أهدتنيها بعد فقد أو فجيعة .
كان يكفي أن تتركني بقلة صبري و سذاجتي و مفاهيمي الخاطئة مع من أحب دون أي أذى لحق بهم لأكون ممتنة ,
لكنها لم تفعل ...
#نفحات_أسبوعية.
#ريام_قرقوم💘