ج إليه، فاغتنمه، وحمِّله إياه وأكثر من تزويده)) انتهى المراد، وهذا معنى قوله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} بالنسبة إلى الإنفاق. {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} لعلمه بمراتب الحَسن في الحُسن ومقادير ما يناسبه من الثواب، وكذلك في كونه بصيراً بما يعمل المبطلون لعلمه بمقاديره في القبح ومقادير ما يناسبه من العقاب، فهو ينزل العمل منزلته اللائقة به، ويجعل له حكمه المناسب له كما يفعل البصير بالصناعة العليم كيف يتقنها.(111) {وَقَالُوا} عطف على ]وَدَّ كَثِيرٌ[ أو على ما تقدم من أقوالهم مثل: ]وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ[ أو على ]وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ[ {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}فجعلوا الجنة خاصة بهم، ومَنَّوا أنفسهم أنها لهم.{تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} أي هذه وما شابهها كقولهم: ]نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ[ [المائدة:18] وقولهم: ]لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً[ وقولهم: ]لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ[ [آل عمران:75] كقوله تعالى ـ بعد ذكر نبي الله داود صلى الله عليه ونبينا محمد صـ: ]تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ[ فالإشارة إلى المذكورَين وسائر الرسل، وكقوله تعالى: ]قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ[ [يوسف:28] أي المخاطبة وسائر النساء، فجمعهن في الخطاب من أجل الواحدة المخاطبة، ومعنى {أَمَانِيُّهُمْ} التي يمنونها أنفسهم.{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} والبرهان: الحجة، والمراد: بيان أنه لا حجة لهم، وإنما هي أماني من عند أنفسهم، فالأمر للتعجيز؛ لأنه إذا طالبهم بالبرهان ولم يأتوا به تبين أنهم افتروا على الله كذباً؛ لأنهم أهل جرائم وتمرد على الله، فليسوا أهلاً لما يمنونه أنفسهم، ولأن غيرهم الذين أسلموا لله يدخلون الجنة، ولا شك في أنهم أهل لذلك كما كان المسلمون لله قبل اليهودية والنصرانية، فنفي دخولهم الجنة كذب على الله يكشفه عدم البرهان؛ لأنهم لو كانوا صادقين لكانوا في أمانيهم مستندين إلى برهان، فالفارق بين الصادق فيما يحكي عن الله، والكاذب على الله، هو البرهان للصادق، وعدم البرهان للكاذب.(112) {بَلَى} تصريح بإبطال قصر الجنة عليهم ونفي دخول غيرهم {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} إسلام الوجه لله: جعله لله وحده لا يتوجه به لغيره، ومعنى ذلك إخلاص العبادة لله؛ لأن الذي يعبد غيره قد توجه لغير الله وشرّك في وجهه معبوده، فالإسلام للوجه جعله سَلَماً لله، كما قال تعالى: ]ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ[ [الزمر:29]. وقوله: {وَهُوَ مُحْسِنٌ} لإخراج المسيء، ولو ترك الإشراك في وجهه فلا يدخل في قوله تعالى: {فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}أقام هذا مقام: فإنه سيدخل الجنة وفيه دلالة على أن سبب الجنة هو العمل الذي يستحق به الأجر عند الله؛ وهو إسلام الوجه لله مع الإحسان. وفي قوله سبحانه: {عِنْدَ رَبِّهِ} إشارة إلى الرَّد على اليهود الذين يدّعون اختصاصهم بالله مع أنهم وغيرهم من البشر كلهم عباد لله، وهو ربهم كلهم لا فرق بينهم في ذلك، وفي قوله: {عِنْدَ رَبِّهِ}مناسبة لقوله: {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} من حيث أن معناه: عبد الله مخلصاً له العبادة.فأجر العبادة من ربه؛ لأن العبادة وإسلام الوجه له تعبير عن كونه رب العابد له وتعبير عن كون الذي أسلم وجهه لله عبداً له، فأجر العبادة من المعبود الذي هو ربه، ففي قوله: {عِنْدَ رَبِّهِ}إشارة إلى أنه معبوده، وفيه إشارة إلى وجه استحقاق الأجر منه، وهو أن عبادته عبادة لربه، فاستحق بها الثواب؛ لأنها حق وصواب أمره بها ربه، فآجره عليه. وقد قدمت زيادة على هذا في مناسبة قوله: ]عِنْدَ رَبِّهِمْ[ لعبادتهم لربهم وخوفهم من ربهم ورجائهم له، وذكرت الآية: ]إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ[ [المؤمنون:57] وإفادة جملة ذلك لصلتهم بالله من حيث هو ربهم. فتحصل من فوائد قوله تعالى: {فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ}:إفادة: أن طريق الجنة هو العمل المذكور لا أماني اليهود؛ لأنهم فاقدون لهذا السبب، عادلون عن طريق الجنة الموصل إليها،وإفادة: أن الجنة أجر على العمل من رب المسلمين له المحسنين، الذي عبدوه فاستحقوا الأجر منه بعبادتهم لربهم الذي أمرهم بعبادته، وهو يرد على اليهود والنصارى دعوى اختصاصهم بالله،وإفادة: أن الصلة بالله من طريق الإخلاص له والإحسان، هي الصلة بالله لا الأماني. وقوله: {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} أعتقد أن المعنى: أنه ليس من شأنهم ذلك، كقوله تعالى: ]لا ريب فيه[ لأنهم في طريق النجاة من النار؛ لأن كل عاقل يعلم أن {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} فهو في طريق النجاة، وأنه لا يخاف عليه من إخلاص عبادته لله وإحس