التيسير في التفسير


Гео и язык канала: не указан, не указан
Категория: не указана


قناة تختص بنشر تفسير القرآن الكريم تأليف فقية القرآن العلامة المجاهد / بدر الدين الحوثي (عليه السلام)
كل ما نريده هو مساعدتكم وفائدتكم....
نخبة قنواتنا :
@nahg_alblakah

Связанные каналы

Гео и язык канала
не указан, не указан
Категория
не указана
Статистика
Фильтр публикаций


😍هااااام 😍
محبي عيسى الليث الزوامل اخر صيحة👇😱😱😱😱😱😱😱👇
https://t.me/joinchat/AAAAAEopYjeg3bmgrxTgpg
⭐ ℓ- عالم الــــهـــــ💪ـــَـكــر والتطبيقات

1.2k 🍃 ℓ- إلياس المداني | ELyas ALmdany 🇾🇪
2.1k 🍃 ℓ- ⭕️قــنــاة الـمــجـد 🔊🇾🇪✌️ 🇾🇪
2.9h 🍃 ℓ- الشهيد الصماد 🇾🇪
4.3h 🍃 ℓ- المنشد|أبوحمزه الحنفاشي 🇾🇪
1.9h 🍃 ℓ- أحرار محور المقاومة 🇾🇪
3.6h 🍃 ℓ- زوامل الليث فيديوHD 🇾🇪
2.8h 🍃 ℓ- 🎵قناة زوامل واناشيد الإعلام الحربي عيسى الليث🎵 🇾🇪
1.3h 🍃 ℓ- قناة الوعي الثقافية 🇾🇪
2.2h 🍃 ℓ- تبادلات قنوات ومجموعات انصارالله 🇾🇪
3.0h 🍃 ℓ- الزوامل والاناشيد الحربيه 🇾🇪
3.5k 🍃 ℓ- زوامل وأناشيد 🇾🇪
8.0h 🍃 ℓ- مجموعة الحواريون 🇾🇪
5.1k 🍃 ℓ- المجاهدين في سبيل الله 🇾🇪
1.9h 🍃 ℓ- الشـاعر مصطفى الضبيان 🇾🇪
5.8h 🍃 ℓ- شبكة الدائرة الإعلامية 🇾🇪
1.1k 🍃 ℓ- زوامل عيسى الليث 🇾🇪
9.1h 🍃 ℓ- نهج البلاغة ❤ 🇾🇪
9.9h 🍃 ℓ- ثقافة القرآن 🇾🇪
1.4k 🍃 ℓ- محبي عيسى الليث🎙 🇾🇪
1.7h 🍃 ℓ- اشعار/ ابوليث غلاب الجبري 🇾🇪
6.4h 🍃 ℓ- زامل تيوب zameltube 🇾🇪
9.2h 🍃 ℓ- عبدالخالق النبهان 🇾🇪
7.6h 🍃 ℓ- يحيى الشرعي - YAhya Alsaray 🇾🇪
3.6h 🍃 ℓ- التيسير في التفسير 🇾🇪
3.2h 🍃 ℓ- جديد الليث 🇾🇪
3.3h 🍃 ℓ- قنوات أنصارالله 🇾🇪
0.6h 🍃 ℓ- محراب الكرامة 🇾🇪
2.0h 🍃 ℓ- #كــلالألوان|للذوق•عنوان• 🇾🇪
2.5k 🍃 ℓ- زئير الليـــــــــــث 🇾🇪
2.0h 🍃 ℓ- حالات جهادية 🇾🇪
2.0h 🍃 ℓ- قـــناة ألــشا؏ر رايــدألـخمري 🇾🇪
3.1h 🍃 ℓ- جـــهـــاد ✨ و ✨أسـتـشـهـاد 🇾🇪
4.6h 🍃 ℓ- 🇾🇪🇾🇪🇾🇪شاعرالشعب🇾🇪🇾🇪🇾🇪 🇾🇪
4.3h 🍃 ℓ- المنشد يحيى الأشول 🇾🇪
2.7h 🍃 ℓ- الشاعر مجدالدين علي البدري(ابوكرار) 🇾🇪
8.5h 🍃 ℓ- ✅🎶زوامل الجبهات🎶✅ 🇾🇪
2.2h 🍃 ℓ- صدق وإلا مشعة 🇾🇪
1.8h 🍃 ℓ- قناة تثقيفية 🇾🇪
5.4h 🍃 ℓ- الصوت الحربي عيسى الليث 🇾🇪
9.2h 🍃 ℓ- 📰 المقالات الصـحفية 📰 🇾🇪
1.6h 🍃 ℓ- زوامل ألمنشد ألمجاهد /خيرالله حيدره 🇾🇪
5.0k 🍃 ℓ- 🎧 الحربي عيسى الليث 🎧🎶🎵 🇾🇪
0.4h 🍃 ℓ- الشاعر/ أبو خالد عنقاد 🇾🇪
5.9h 🍃 ℓ- شبكة هدي القران التوعوية 🇾🇪
3.4h 🍃 ℓ- قناةالشاعر/ابوخالد العفيف 🇾🇪
1.4h 🍃 ℓ- الشاعر/ابو جساس 🇾🇪
3.6h 🍃 ℓ- قناة الشاعر المقرمي (إبن الحالمة تعز) 🇾🇪
🍃 ℓ- (t.me/) 🇾🇪
——--
✅ لاضافة قناتك للقائمة┊@listatSadah1 ♻️


جة إلى الرد عليهم في الزور والبهتان الذي يقولونه، فبعد أن حكى قولهم، قال تعالى: {قُلْ} أي يا محمد {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} فقد بين سبحانه أنهم لم يكونوا هوداً ولا نصارى، وهو علام الغيوب.{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} في التوراة أو غيرها مما أنزل، وهي تبيّن الحق في هذا الشأن وتوضح أنهم لم يكونوا هوداً ولا نصارى، وتشهد لنا أنهم كانوا مسلمين، فكيف كتمتم شهادة الله التي عندكم لنا وافتريتم خلافها، كأنكم تدّعون أنكم أعلم من الله، وكيف لم تخافوا الله {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} فهو يجازيكم جزاءً موفوراً. (141) {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} أي إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب والأسباط {أُمَّةٌ}أهل دين واحد قد مضوا {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} فليس لكم من دينهم شيء {وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فلا تحتاجون لمعرفة ما كانوا يعملون؛ لأنكم لا تسألون عنه، ولذلك فلا حاجة للجدال فيما كانوا عليه.

التيسير في التفسير
🔸 https://t.me/altysyr


ه السلام) أنه كان حنيفاً. واعتقاد الجاهلية أن من اختتن وحج البيت الحرام حنيفٌ؛ لأنهم لم يتمسكوا من دين إبراهيم إلاَّ بالختان والحج، وقولهم ـ مع كونهم يعبدون الأوثان ـ : نحن حنفاء على دين إبراهيم، لعل ذلك الاعتقاد والقول هو سبب استمرار قوله تعالى: {حَنِيفًا} مقروناً بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ليردّ عليهم باطلهم وانتسابهم كذباً إلى دين إبراهيم.(136) {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} وهو القرآن والسنة {وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ} أسباط إبراهيم (عليه السلام)، أي أبناء بنيه أو أسباط المذكورين.{وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى} وهو التوراة؛ لأنها كانت لهما، والإنجيل وغير ذلك {وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ} آمنا بذلك كله خصوصاً وعموماً {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} بل نؤمن أن دينهم واحد هو الإسلام لله وأنهم كلهم على الحق وأنهم كلهم مؤمنون برسل الله كلهم ولا يكفر نبي بنبي.{وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} وجوهَنا، نعبده ولا نعبد غيره، وهذا ردّ على اليهود والنصارى القائلين: ]كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى[ فديننا الإيمان بالله ورسله، وبما أوتي النبيئون من ربهم، ولا شك أن ذلك كله حق؛ لأن القرآن قد جاء به وأثبت نبوة موسى وعيسى، وصدْق التوراة والإنجيل. فنحن نصدق ما صدق الله ورسوله ص، ونحن لله مسلمون وجوهنا لا نعبد غيره، بل نعبد الله وحده، فأي عيب في ديننا ]هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ[ [المائدة:59].(137) {فَإِنْ آَمَنُوا}أي أهل الكتاب {بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ} فقالوا: ]آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا..[ إلخ، ما ذكر في الآية {فَقَدِ اهْتَدَوْا} إلى الحق.{وَإِنْ تَوَلَّوْا} عن ذلك وتركوه وقالوا نؤمن بما أنزل علينا، نؤمن ببعض ونكفر ببعض {فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} ليسوا طالبين للحق ولا هم أهل إنصاف إنما يريدون الخلاف ومجانبة الحق.وقوله تعالى: {بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ} لو كان المعنى المقصود ومفهوم اللفظ: فإن آمنوا بالله وما أنزل لقيل فإن آمنوا بمن آمنتم به على طريقة التغليب، فإما أن يكون المعنى بمثل الله ومثل ما أنزل إليكم، فلا يصح. فالراجح: أن المراد: فإن آمنوا بأن قالوا مثل القول هذا الذي عبرتم به عن إيمانكم، وليس المراد مجرد القول بدون الإيمان بالقلب؛ لأن قوله تعالى: ]قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ..[ إلخ، المراد القول المقبول المطابق لما في القلب، فإيمانهم بقول مثله لا يكون مثله، إلاَّ إذا طابق ما في القلب، والمراد بالمماثلة أن يقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلى محمد وما أنزل إلى إبراهيم.. إلى آخر الآية.{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ} لأقوالهم {الْعَلِيمُ} بما يخفي كل منكم ومنهم وما يعلن، ومعنى (يكفيكهم) ينجيك منهم، ويتولى دفعهم عنك ودفع شقاقهم.(138) {صِبْغَةَ اللَّهِ} التي جعلها لنا نصطبغ بها، أي آمنا بالله وما أنزل ونحن له مسلمون، وصبغ الله لنا فهو مصدر نوعي مثل قِعدَة البدوي، فهي خير من صبغتكم التي تصبغون بها أولادكم.{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} أي لا أحسن، فالصبغة التي صبغناها لا أحسن منها، ذكر الشرفي في (المصابيح) أن بعض النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يُسَمّونه المَعمُودِيّة، ويقولون: هو تطهير لهم، فإذا فعل الواحد بولده ذلك قالوا: الآن صار نصرانيّاً حقاً، انتهى المراد.فصبغة المسلم قوله: ]آمَنَّا بِاللَّهِ..[ إلى ]..وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ[ فإذا قالها صار مسلماً حقاً وهذه مشاكلة، كقول حاتم لما نحر نحيرة من الإبل: هكذا فَزْدِيْ أَنهْ، وذلك أنهم كانوا يفصدون عرقاً من الناقة أو الجمل ويجعلون الدم في إناء ثم يأكلونه، فأراد حاتم أنه ينحرها بدلاً من الفصد.{وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} لا لغيره، لأنا عباد الله وحده لا شريك له فينا، فلا نتخذ الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله، ولا نعبد عيسى ولا عزيراً. (139){قُلْ} يا محمد لأهل الكتاب {أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ} إذ أسلمنا له وعبدناه وحده {وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} فنحن وأنتم مجمعون على أن عبادته حق، وأنه المالك لنا ولكم، فكيف نجعل له شريكاً بعد علمنا بهذا.{وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} فلستم مسئولين عن أعمالنا، ولا نحن مسئولين عن أعمالكم، فلأي سبب تجادلوننا في أعمالنا؟! {وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ}أنفسَنا وعبادتَنا ولا شك في استحقاقه الإخلاص؛ لأنه ربنا وحده لا شريك له، فلماذا تحاجوننا في ديننا، فلا باعث للجدال إلاَّ الحسد.(140) {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} {أَمْ} أي بل {تَقُولُونَ} وهذا انتقال من الرد عليهم في المحا


(135) {وَقَالُوا} أي اليهود والنصارى {كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} {أَوْ} ليست للتخيير، وإنما هي للترديد بين الأمرين، كقوله تعالى: ]وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ[ [سبأ:24] وقول الشاعر: لنفسي تقاها أو عليها فجورهاوذلك أن من طلب منه أن يكون يهودياً وطلبه آخرون أن يكون نصرانياً، فمجموع الطلبين يتضمن: أن يكون على إحدى الملتين، من حيث أنه لا يمكن الجمع بينهما، وكونه على إحدى الملتين إجابة لأحد الطلبين، فقد طلب منه اليهود أن يكون على أحدهما؛ وهو اليهودية، وطلبه النصارى أن يكون على أحدهما ؛ وهو النصرانية، فمجموع الطلبين لإحدى الملتين التي هي اليهودية أو النصرانية.{قُلْ} يا محمد {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} أي بل اتبعوا ملة إبراهيم؛ لأن قولهم: ]كونوا هوداً أو نصارى[ يفهم منه اتباع دينهم كأنهم قالوا: اتبعوا ديننا، فجوابه: بل نتبع، أو بل اتبعوا ملة إبراهيم {حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} تكررت هذه الكلمة الكريمة، ففي (سورة آل عمران): ]فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[ [آية:95] وفي (سورة الأنعام): ]قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[ [آية:161] وفي (سورة النحل): ]إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[ [آية:120].وفي (سورة آل عمران) ـ أيضاً ـ: ]مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[ [آية:67] وفي (سورة الأنعام) ـ أيضاً ـ: ]إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[ [آية:79] وفي (سورة النحل) ـ أيضاً ـ: ]ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[ [آية:123] هذا كله في إبراهيم (عليه السلام). وفي (سورة الحج): ]فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ[ [آية:30-31] وفي (سورة لم يكن): ]وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ[ [آية:5]. وقد قيل في تفسير (الحنيف): أنه من الحَنَفِ الذي هو الميل في القدم، وهذا عندي بعيد؛ لأن الإشتقاق من العيوب يكون على وزن أفعل مثل: أحنف، أعرج، أعور، أعمى، أصم.. إلى غير ذلك، ولأن قوله تعالى: {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}هو معنى العدول عن أديان الشرك، فيكون ذكر الميل فضلة، وهو بعيد في القرآن الحكيم. ولأن الوصف بالميل إذا أطلق كان ذماً نحو ]فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ[ [النساء:129] ]وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا[ [النساء:27] فكيف يستعمل الوصف بالحنف بمعنى المائل، ولا يقيد بأن يقول عن الباطل أو نحوه؟ فهذا لا يليق بكتاب الله الذي هو أحسن الحديث لفظاً ومعنى، فلا يليق به استعمال العبارة الناقصة؛ لأن نقصها خلل في الفصاحة وإن كان المراد صحيحاً، كقول الشاعر:والعـيش خــير في ظـلال النــ ـــوك مـمـن عـــاش كــــداّأي العيش منها في ظلال الحماقة خير ممن عاش كدّاً في ظلال العقل، فكيف إذا كان نقصها يوهم المعنى الفاسد، وقد قيل في معاني (الحنيف) غير ذلك، وأحسن ما قيل في ذلك أنه: الطائع المستقيم الخاشع. وفي كتاب (الدليل الكبير) أول كتاب من مجموع القاسم (عليه السلام): ((والحنيف فهو: المحب الخاشع)) انتهى. أفاده القاسم (عليه السلام) في تفسير (سورة لم يكن). وقال الشرفي في (المصابيح) في تفسير قول الله تعالى: ]فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ[ [الحج:30-31]: ((ومعنى قوله: ]حُنَفَاءَ لِلَّهِ[ خاشعين لله ثابتين على دينه، وقد ذكر المعنى الذي هو مائلين، لكن الراجح الذي أفاده القاسم (عليه السلام) كما ذكرت. هذا في وصف إبراهيم (عليه السلام)، فأما من بعده، فيحتمل أنه الخاشع الثابت كما هو الظاهر في قوله تعالى في أهل الكتاب والمشركين: ]وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ[ [البينة:5] من أجل قوله: ]مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[ لأنه يغني عن وصف العبادة بكونها على ملة إبراهيم، فأما الخشوع مع الإخلاص فهو مناسب، وكذا في قوله: ]حُنَفَاءَ لِلَّهِ[ لأنه أنسب لكلمة: ]خَاشِعِينَ لِلَّهِ[ [آل عمران:199]. ويحتمل: ما كان في كلام الجاهلية من كلامهم أنهم أرادوا به دين إبراهيم لكون إبراهيم كان حنيفاً، فحفظوا الاسم فجعلوا الاسم لمن كان على دينه بزعمهم أنه على دينه، وهذا لا ينافي المعنى الأصلي لوصف إبراهيم (علي


تفسير سورة ((البقرة)):
- الآيات (141-135)
- الصفحة (21)


َبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}يقال: رغب عن الشيء إذا لم يُردْه {مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} دينه الذي هو الإسلام لله ورفض الأديان المخالفة للتوحيد، والسفه: خفة العقل، ولعله عدي إلى نفسه لتضمينه معنى خسر أو أضاع أو أهمل أو أهان أو نحو ذلك مما هو شأن السفيه، ويفهم من السياق. والمعنى: أيّ عاقل يرغب عن ملة إبراهيم؟!! كأن ذلك لا يتصور إلاَّ ممن سفه نفسه وذلك لوضوح حجته في أنه إذا عبد الله ولم يلبس إيمانه بمعصية فهو أحق بالأمن ممن عبد غير الله بدون برهان من الله، فعبادة الله لا جدال فيها؛ لأنه الخالق الرازق، وترك الشرك لا ينبغي أن يكون فيه جدال؛ لأنه مجرد خرافة وأسماء يسميها الجاهلون، ليس فيه إذن من الله ولا أي حجة من العقل، فملة إبراهيم هي النهج الواضح والصراط المستقيم، فاتباعها مقتضى العقل، والعدول عنها علامة السفه.{وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ} الاصطفاء: اختيار صفوة الشيء وأفضله {فِي الدُّنْيَا}للنبوة والرسالة، وما كان معها من مقاومة الشرك والعمل لإعلاء كلمة الله وتمكين دين الله في الأرض، فدينه دين الله الذي اصطفاه لعباده.{وَإِنَّهُ فِي الآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} فله ثوابه وكرامته عند الله؛ لأنه من الصالحين، وفيه دلالة على أن سبب الثواب هو الصلاح لا ما يمني أهل الكتاب أنفسهم، وفي الآية دلالة على أن الدين هو عبادة الله الخالصة له؛ لأن هذا دينه، فلا حكم لصورة من صور العبادة إلاَّ لكونها عبادة لله خالصة، فمتى خرجت عن ذلك بنسخ أو رياء أو نحوه فليست من دين إبراهيم؛ لأنها خرجت عن كونها عبادة لله خالصة، ودين إبراهيم العبادة الخالصة، وقوالب العبادة غير مقصودة لذاتها في دينه (عليه السلام).(131) اذكروا يا (بني إسرائيل) {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ} وجهك لربك {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ{} الذي يجب على العالمين أن يسلموا له وجوههم؛ لأنه ربهم المالك لهم، المستحق لأن يعبدوه وحده، ولعل هذا القول كان أول نبوته، كما قال لموسى في أول ما أوحى إليه: ]إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي[ [طه:14].(132) {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} وقُرِئ: ]وَأَوْصَى[ والمراد: أنه أوصى بهذه الكلمة التي قال له ربه {وَيَعْقُوبُ}أوصى بها بنيه، قائلين لهم: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ} أي اختاره لكم من حيث هو خير الأديان {فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} لله وجوهكم، لا تشركون به شيئاً، فأهل الكتاب قد عدلوا عن وصية آبائهم حين أشركوا عزيراً وعيسى وأحبارهم ورهبانهم. (133) {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي} أي بل أكنتم شهداء، ومعنى الإضراب الانتقال من حجة إلى أعظم منها، كقوله تعالى: ]إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ[ [الفرقان:44] وفي هذه الآية دلالة على شدة اهتمام يعقوب بعبادة الله وحده وشدة خوفه على بنيه من الشرك حيث أقبل عليهم ليأخذ منهم الوعد بالثبات على التوحيد، وهو في حال حضور الموت له.{قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} وجوهنا لا نعبد غيره، فنحن على هذا الدين الذي ورثناه منك وورثته من آبائك وورثوه من إبراهيم، لا نعدل عن دين آبائنا الذي توارثوه، الذي هو التوحيد، فقد طمئنوا آباءهم بإفهامه أن تمسكهم بالتوحيد كالأمر الطبيعي لهم؛ لأن من طبع الخلف الميل النفسي إلى طريق السلف، فكيف يعدلون عنه وسلفهم إبراهيم الخليل وإسماعيل وإسحاق ويعقوب. (134) {تِلْكَ أُمَّةٌ} الإشارة إلى إبراهيم ويعقوب، وأبناء إبراهيم"، ويحتمل أن أبناء يعقوب داخلون فيها {أُمَّةٌ} أهل دين واحد. {قَدْ خَلَتْ} قد مضت {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} ليس لكم من عملهم شيء ولا لهم من عملكم شيء ]وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ[ [فاطر:18].أما قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ} فيظهر: أن المراد به: أن يقول لأهل الكتاب: لا سبيل لكم إلى معرفة ما كانوا عليه إلاَّ الأخبار، وخبر الله عنهم أصدق الأخبار. وأما قوله: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} ففائدته ـ والله أعلم ـ قطع الأماني ورجاء أنهم سينفعونكم بشفاعة أو يهب الله مسيئكم لهم فيعفو عنه لأجل تلك الأمة، وذلك أنهم إنما عملهم لهم وحدهم. وأما قوله تعالى: {وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فلعل المراد به: لستم مسئولين عما كانوا يعملون، والمهم لكم: أن تتبعوا الرسول، وما أنزل إليه من الله الذي أنزل هذا القرآن ـ والله أعلم.

التيسير في التفسير
🔸 https://t.me/altysyr


(127-129) {وَ} اذكروا يا بني إسرائيل {إِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} أي يبنيان أساس البيت رافعين له، أو كان أصل القواعد موجوداً فزادا عليه بناءً مجانساً لها قوياً كما تبنى القواعد أي أسس البناء، فصار هذا البناء رفعاً للقواعد، ولعل السبب كونه قريباً من مجرى السيل فرفعا أساسه لئلا يدخله السيل داعيين ربهما أدعية: الدعاء الأول: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}وتقبُّل العمل الصالح أن يجعله تعالى مقرباً إليه سبباً لثوابه. الدعاء الثاني: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} أي مسلمَين وجوهنا لك، أي مخلصَين لك العبادة، ويحتمل مسلمَين أنفسَنا لك، كقوله تعالى: ]فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ[ [الصافات:103] وإسلام النفس أبلغ من إسلام الوجه؛ لأن إسلام النفس لله شأن الخواص الذين لم يبق لهم في الحياة الدنيا غرض نفسي غير عبادة الله وذكره والتقرب إليه بكل وسيلة من الجهاد وغيره، والاشتغال بذلك عن كل غرض نفسي حتى المباحات يصير غرضهم فيها الاستعانة على العبادة أو نيتهم فيها تصيّرها قربة، وحتى أنهم يختارون الأشق على النفس إذا كان أفضل عند الله، وذلك كله لأنهم جعلوا أنفسهم خالصة لله، فسلموها له هذا التسليم ولا إشكال في هذا؛ لأنهم باعوا أنفسهم من الله وطلقوا الدنيا، فلا يقال: ما معنى إسلام النفس لله وهي له وحده لا شريك، سواء أسلمها أم لم يسلمها، فقد صح بيعها من الله، وهي له سبحانه من قبل البيع.{وَ} اجعل {مِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} الاحتمال فيه كالاحتمال الأول، وقد روي عن الإمام زيد بن علي إ أنه قال: ((نحن الأمة المسلمة)) انتهى.فهو يقوي احتمال مسلمة أنفسها لك، فتكون خاصة برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وبذوي القربى، الذين باعوا أنفسهم من الله، وأسلموها له كما أسلم إبراهيم وإسماعيل، وبالخُلَّص الذين ذكر الله تعالى وصفهم بعد آية: ]إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى..[ [التوبة:111] فقال تعالى: ]التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ[ [التوبة:112] فدل على جمعهم هذه الصفات مع بيعهم أنفسهم من الله ]يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ[ [التوبة:111].{وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} علّمنا عبادتنا لك حول هذا البيت، أي مناسك الحج والعمرة ونحوهما {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} تب علينا، والتوبة من الله على عباده الرجوع عليهم برحمته وألطافه، قال تعالى: ]ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا[ [التوبة:118] وهو أعم من قبول التوبة والهداية لها.الدعاء الثالث: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ} أي في ذريتنا، وهم ذرية إسماعيل؛ لأن ذريته ذرية لأبيه إبراهيم إ {رَسُولًا مِنْهُمْ} فهو من ذرية إسماعيل {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}{يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ} الدالة عليك، وعلى أنه رسول الله إليهم، وعلى اليوم الآخر وغير ذلك، ليعلموا أنه رسول الله ويؤمنوا به وبما يتلو عليهم {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} فيحفظوه ويعلموا معانيه {وَ} يعلمهم {الْحِكْمَةَ} ليكونوا حكماء في منطقهم وسلوكهم على طريق الصواب وحسن الرأي ورجاحة العقل، وذلك يتوقف على أن يكونوا علماء؛ لأن الجاهل لا يكون حكيماً.{وَيُزَكِّيهِمْ} يصلحهم، وقد فسر بأن يطهرهم، ولم يظهر لي؛ لأن الله تعالى قال: ]صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا[ [التوبة:103] فدل على التغاير، فالتزكية بما يكون من الرسول من أسباب صلاحهم من التعليم والمواعظ والترغيب وما يكون لحاضريه ومشاهدي سيرته من بركات النبوة وما يكون لمن سمع بذلك من التأسي به وغير ذلك. وأيضاً يكون إصلاحهم بالدعوة وظهور الآيات والمعجزات على يديه والبركات الخارقة، وأيضاً بما يكون من جهاده لأعداء الدين الذين يفتنون من أسلم ويدعون إلى الباطل والشرك حتى ترتفع راية الحق ويظهر أمر الله وهم كارهون، ويدخل الناس في دين الله أفواجاً، فقوله تعالى: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}فيه طلب ما يحصل به العلم. وقوله تعالى: {وَيُزَكِّيهِمْ} فيه طلب ما يُحَصّل به الرسول الإيمان والعمل الصالح والتقوى في الأمة المذكورة {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}ومن عزتك أن تظهر دينك وتعلي كلمتك، ومن حكمتك أن لا تهمل عبادك بلا بشير ولا نذير، فهذه الدعوات تفيد: أنها ستكون أمة مسلمة، رسولها منها ليس من بني إسرائيل، يتلو عليهم آيات الله ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، فهم على أساس مستقل وصراط مستقيم لا يحتاجون إلى اليهودية ولا النصرانية، قد كفاهم كتابهم ورسولهم واستغنوا بهما عن التوراة والإنجيل، وهذا يبطل تعصب اليهود والنصارى لملتهم. (130) {وَمَنْ يَرْغ


تفسير سورة ((البقرة)):
- الآيات (134-127)
- الصفحة (20)


جويز ولأنه لا يثبت حكم المعصية إلاَّ بعد ثبوتها، وإذا لم تثبت وجب العمل على حسن الظن، لقوله تعالى: ]لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا[ [النور:12].والحاصل: أن الآية إنما دلت على أن الظلم مانع، ومجرد تجويز وجود المانع لا حكم له، ألا ترى أن إمام الصلاة يجوز أنه جنب في الباطن ولا حكم لهذا التجويز إذا لم يظهر أنه جنب. (125) {وَ} اذكروا يا (بني إسرائيل) {إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} يثوبون إليه، أي يرجعون؛ لأنهم إليه يترددون للحج وللعمرة رجاء الثواب، وفوائد الحج والعمرة {وَ} جعلنا البيت {أَمْنًا} لمن دخله، بل ولمن دخل حرمه.{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} أي موضع قيامه على الصخرة عند البيت حيث هناك أثَرَ قدميه الشريفتين {مُصَلًّى} يصلون فيه تبركاً به أو لنيل فضل الصلاة فيه، قال الشرفي في (المصابيح): ((معنى {اتَّخِذُوا} أي جَعَلوا من مقام إبراهيم مصلى، ومقامه فهو في الصخرة بمكة عند البيت)) انتهى، وقوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا} قرئ بكسر (الخاء) ومعناه: وقلنا: اتخذوا، وبفتح (الخاء) على الخبر، بأنهم اتخذوه. {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} البيت: هو الكعبة، وتطهيره للمذكورين دلالة على أنه سيكون للطواف به والصلاة والعكوف، وهو اللبث في المسجد الحرام للعبادة، فأمر إبراهيم وإسماعيل إ بما ذكر إعداداً له. قال الشرفي في (المصابيح): ((قال إمامنا المنصور بالله (عليه السلام): تدل على وجوب طهارة البيت من الأرجاس، ومعاصي الناس)) انتهى. قلت: وهذه الآية تشبه الآية من (سورة آل عمران): ]فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ..[ الآية [97] والسياق في (بني إسرائيل) في الآيتين، فهما رد عليهم من حيث دلتا على ثبوت الدين من عهد إبراهيم وإسماعيل قبل أن تنزل التوراة والإنجيل، فيدل ذلك على بطلان تعصبهم للتوراة والإنجيل، وجعلها ضرورية للدين؛ لأن الدين قد استقام بالإسلام لله وحده والعبادة المذكورة لله، ولم يشترط فيه ما اختصت به التوراة والإنجيل أو اليهودية والنصرانية كالسبت واستقبال بيت المقدس.(126) {وَ} اذكروا يا (بني إسرائيل) {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا} أي الحرم: حرم الكعبة، أو الإشارة إليه وإلى ما حوله {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} أراد (عليه السلام): أن يتمكنوا من البقاء حول البيت ليقيموا الصلاة ولا يضطرهم الجوع إلى المغادرة لذلك الوادي الذي ليس بذي زرع.{قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} فالرزق في هذه الدنيا للمؤمن والكافر، وقد أجيبت دعوة إبراهيم، وصار في مكة المركز الديني مركز بني إسماعيل على دين إبراهيم وإسماعيل، خلاف مركز بني إسرائيل، فلم تكن اليهودية ولا النصرانية من ضروريات دين الله. وأعتقد أن دعوة إبراهيم ربه أن يجعل {هَذَا بَلَدًا آَمِنًا}معناها: طلب جعله كذلك بقدرة الله وفعله، وإعداد قلوب الناس لذلك لا مجرد الحكم التشريعي.. ألا ترى إلى قوله تعالى: ]أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا[ [القصص:57] فهو أمرٌ استمر في عهد الجاهلية حتى في عهد الشرك. وقوله: {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} ظاهره: أنه تعالى يلجيه إلى عذاب النار كإلجاء السجين لدخول السجن، وهو السّوق المذكور في قوله تعالى: ]وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا[ [الزمر:71] فيظهر أنهم يمشون إلى جهنم لعنف السوق وهيبة السائق، ولعل من الإضطرار ما روي فيه عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ما معناه: أنه يبلغ بهم التوبيخ والتخزية على رؤوس الأشهاد أن يتمنوا أنهم سورع بهم إلى النار.

التيسير في التفسير
🔸 https://t.me/altysyr


والكلام في سياق الاحتجاج على أهل الكتاب الكافرين بمحمد ص، فظهر أنه المقصود بإيراد القصة؛ لأنه رسول إلى العالمين ص.{قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} وهذا يفيد: أن قد أجاب دعوة إبراهيم وزاده فائدة؛ أنه لن ينال عَهْدُه بالإمامة ظالماً، فليس هذا ردّاً على إبراهيم (عليه السلام)، ولا تخصيصاً لدعوته؛ لأنه قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} فأتى بـ{مِنْ} التي للتبعيض، فليس فيها عموم وليس في كلامه تعرض لكونه ظالماً أو غير ظالم، وفائدة هذه: أوّلاً: الرد على من سيكفر ويقول: ]أَهَؤُلاَءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا[ [الأنعام:53] ]وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ[ [الأنعام:124]. ثانياً: الرد على من ادعى النبوة من الظالمين كمسيلمة الكذاب لتكون معرفة ظلمه كافية لإبطال دعواه.ثالثاً: الرد على من ادعى الإمامة الشرعية وهو ظالم، فيكون ظلمه دليلاً على كذب دعواه وهو وإن لم يكن السياق فيه فقد دخل في عموم عهدي، وعموم الظالمين، والعام لا يقصر على سببه، وقد قيل: إن هذا دليل على عصمة الإمام؛ لأن من عصى فهو ظالم، ولو كان قد تاب. قلنا: التائب قد خرج عن اسم الظلم؛ لأن توبته قد محت ذنبه وصار مستحقاً للمدح غير مستحق للذم، وتسميته ظالماً ذم له بعد خروجه عن استحقاق الذم، وصار مؤمناً، ومحسناً ضد الظالم وضد المسيء، قال تعالى: ]تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ[ [الشورى:22].فهل تقولون: أن التائب هو من النوع الأول؟ أم من النوع الثاني؟ فإن قلتم: من الأول، خالفتم قوله تعالى: ]وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ[ [الشورى:25] وقوله تعالى: ]فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا[ [الفرقان:70] وعلى هذا اللغة العربية، فمن أساء سمي مسيئاً حتى يرجع ويتوب من إساءته ويصلح ما أفسد ويحسن، ومتى صار محسناً سمي محسناً ولا ينظر إلى إساءته من قبل. وكذلك من أحسن يسمى محسناً، ومتى تحول عن طريقته وصار من المفسدين لم يسم محسناً نظراً لإحسانه السابق قبل الإساءة، فدعواكم أن التائب ظالم غير مسلمة ولا حجة لكم إلاَّ استصحاب اسمه قبل التوبة، وهو استصحاب باطل؛ لأن التوبة قد محت ظلمه واختلفت حاله فهو كاستصحاب اسم الكفر لمن قد أسلم، واسم الإسلام لمن قد أشرك، واستصحاب اسم المريض لمن قد عوفي وصار صحيحاً وغير ذلك. فاللغة لا تثبت لكم هذا الاستصحاب، وهو دعوى على اللغة لا تسمع، فلا نسلم أن التائب من ظلمه المبدل حسناً بعد سوء الذي يبدل الله سيئاته حسنات ظالم داخل في عموم: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} وعلى هذا فيكفي ظهور عصمته، أي هدايته وتوفيقه من بعد التوبة والإصلاح، فإن قالوا: لا يخلو إما أن يكون إبراهيم طلب إماماً ظالماً أو لم يطلبه الأول باطل بالاتفاق. والثاني: إما أن يكون طلب إماماً معصوماً أو لم يطلبه، الأول هو ما نريد. وقوله: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} إجابة مطابقة، والثاني أن يكون طلب إماماً معصوماً أو غير معصوم، فقوله: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} لإخراج غير المعصوم، وقصر للإجابة على المعصوم. والجواب: نختار الثاني في أول قسمة، فلم يطلب ظالماً، ونختار الثاني في القسمة الثانية فلم يطلب في هذا الدعاء معصوماً، فلا ذكر للعصمة. وقولكم: فقوله: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}لإخراج غير المعصوم، دعوى لا دليل عليها، بل هو إجابة مطابقة. فإن قالوا: إذا جعلناها إجابة مطابقة بطلت فائدتها؛ لأنه إذا طلب إماماً غير ظالم، وأجيب بأنه {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} لم يكن الجواب رداً على إبراهيم ولا تخصيصاً لكلامه. قلنا: لا موجب لجعل الجواب ردّاً على إبراهيم، ولا لجعله تخصيصاً لدعوته، فأما الفائدة فلم تقصر على ذلك، ويكفي في الفائدة التصريح بما لم يذكره إبراهيم، وكون التصريح من مالك الملك.فـــصـــلوقد قيل: إن هذه الآية دليل على أنه لا بد أن يكون الإمام منصوصاً عليه بعينه، ووجه الدلالة: أن الآية قد دلت على أن الإمام لا يكون ظالماً من غير فرق بين الظالم في الظاهر والظالم في الباطن، فدلت على أنه لا بد أن يكون منصوصاً عليه، وإلا جاز أن يكون ظالماً في الباطن. قلنا: أما الرسول فلا بد من أن يصدقه الله بآية خارقة لا لأجل هذه الآية الدالة على أن الرسول لا يكون ظالماً، وذلك لأن ظهور كونه غير ظالم، وعدم العلم بظلم منه باطن لا يكفي في تصحيح دعواه الرسالة، ولم يثبت دليل عام يقتضي الاكتفاء بظهور عصمته. وأما الإمام من بعد علي والحسنين فإنه يكفي ظهور فضله، وظهور صلاح ظاهره وباطنه، ولا نكلف علم باطنه؛ لأن الآية لم تشترط ثبوت العصمة إنما نفت العهد للظالم ولم تنف العهد لمن جوزنا أنه في الباطن ظالم ولا دلت على وجوب العمل بهذا الت


وصبره. ويحتمل: أن هذا الابتلاء كان قبل النبوة والرسالة، فكان إتمامهن سبباً للرسالة والإمامة لمن في عصره ومن بعده، ومن يدعي أن هذا الابتلاء كان بعد الرسالة، فليس له دليل.ولا يشكل قول القائل: إن هذا الإبتلاء لا يكون إلاَّ بوحي، فكيف يكون قبل النبوة؛ لأنا نقول: ما المانع أنه كان (عليه السلام) محدَّثاً قبل النبوّة تهيئة للنبوة كما كانت مريم بنت عمران وأم موسى، ولو سلمنا أنه لا يكون قبل النبوة فلا دليل على تأخره، ومن الجائز أنه كان في أول النبوة ثم ترتبت الرسالة على إتمام الكلمات بعد النبوة، أي أنه كان نبياً فابتلي بكلمات فأتمهن، فجعل رسولاً وإماماً للأجيال.{قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} فإتمامه لما ابتلي به كان سبباً لجعله للناس إماماً، وقد قيل: إن فيه دلالة على أن الإمامة أعظم من النبوة؛ لأنه كان نبياً، ثم بعد ذلك صار إماماً عندهم، ونقول: لا دلالة على ذلك؛ لأن الإمامة رتبت على إتمامه ما ابتلي به لا على النبوة، والنبوة تكون لمن اختاره الله لها، ولو لم يكن رسولاً، ومن الجائز أن يكون الله اختار إبراهيم للنبوة لكونه أهلاً بصلاحه العقلي، وكونه شاكراً، بدليل قوله تعالى: ]وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاَءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ[ [الأنعام:53]. واختاره للرسالة بإتمامه ما أمر به، فكانت النبوة أولاً لنفسه والإمامة من أجل الناس ولعل سبب تقديم النبوة في حقه أنه لم يكن لديه كتاب ولا أثر من نبي كان قبله، فلم يكن بد من تقديم نبوته ليعرف ما يخصه من التكليف فتأخرت الإمامة عنها لا لكونها أعظم من حيث هي إمامة، ولا لكونها درجة أرفع، بل لكون الإمامة تتوقف على العلم والصبر واليقين بآيات الله، والنبوة لا تتوقف على العلم بالشرعيات؛ لأن ذلك دور، إذا لم يكن عنده كتاب أو أثر من نبي قبله كآدم (عليه السلام). فإن قيل: فقد دل ذلك على أن الأهلية للإمامة أعظم من الأهلية للنبوة؛ لأن الأهلية للإمامة توقفت على العلم بالشرعيات بخلاف النبوة؟ قلنا: لا دلالة على ذلك؛ لأن الأهلية للنبوة وإن لم تتوقف على العلم بالشرعيات، فالنبوة تتوقف على كمال عقلي واستعداد فائق، فلا يبعد أن يكون بعض من يصلح للإمامة لا يصح للنبوة، اللهم إلاَّ أن يراد الإمامة العامة، كإمامة إبراهيم الخليل وإمامة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)الإمامة التي هي لازم الرسالة، كما قال تعالى:]وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ[ [النساء:64] وقال تعالى: ]مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ[ [النساء:80] وقال تعالى: ]أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ[ [النساء:59] وغير ذلك فهي إمامة الرسول فيما أرسل به وكونه متبوعاً فيه لكل من أرسل إليهم وكل من أمر باتباعه من الأجيال المتتابعة، فهي متوقفة على النبوة، وهي أعظم درجة من أجل الرسالة من حيث أمر أن يبلغ ويدعو إلى طاعته من أرسل إليهم ويقوم بتكاليف الرسالة الشاقة التي ذكرت في القرآن ودل على عظمها وعظم مشقتها، ولا تكون إلاَّ لذي أهلية خاصة، كما قال تعالى: ]اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ[ [الأنعام:124].والحاصل: أن الإمامة مُختِلفة، وفضلها مختلف، وعظم إمامة إبراهيم (عليه السلام) لا يستلزم أن تكون كل إمامة مثل إمامة إبراهيم. وحاصل الجواب: أنا لا نسلم ترتب إمامة إبراهيم على نبوته، بل على طاعته، فلا نسلم أن الإمامة أفضل، وأنا لو سلمنا أن إمامته أفضل من نبوته فلم نسلم أن كل إمامة مثلها، وقد قال تعالى في (بني إسرائيل): ]وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ[ [السجدة:24] فلم يرتب إمامتهم على نبوة، وإنما رتبها على صبرهم ويقينهم بآيات الله اليقين المستمر. وقد قيل: إن يقينهم كيقين إبراهيم الخليل المذكور في قوله تعالى: ]وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ[ [الأنعام:75]. والجواب: أن يقينهم بآيات الله أنها دليل على ما هي دليل عليه، وهو يصح أن يوقنوا بها جملة، ولا يتوقف على أن يريهم الله ملكوت السموات والأرض كما أرى إبراهيم (عليه السلام)، إنما يتوقف على العقل الكامل والإيمان الراسخ والنظر والتفكر مع أن الملكوت المُلك ـ بضم الميم ـ، وإراءتُه إعلامه، وهو يحصل كذلك بالنظر المؤدي إلى العلم بأن الله رب كل شيء، فله الأمر، ومع أن يقين إبراهيم مطلق ويقين أئمة بني إسرائيل مقيد بالآيات، فلا وجه للتسوية بين يقين إبراهيم الخليل (عليه السلام) ويقين سائر الأئمة، وعلم ذلك عند الله تعالى.{قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} اجعل أئمة بقرينة قوله تعالى: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} فالجمع يدل على أن المطلوب جمع، وهو (عليه السلام) أراد أئمةً للناس كافة لمن في عصره ولمن بعده من الأجيال كما أن إبراهيم (عليه السلام) إمام كذلك،


(120) {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}لأنهم متعصبون لدينهم وغاضبون مما جئت به في شأنهم وحاسدون لك على الرسالة واتباع أمر الله ومكانتك عند الله.{قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى}وقد هداني إلى صراط مستقيم، فلن أتبع ملتكم {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ}لأنهم في كفرهم إنما هم متبعون للأهواء تقودهم إلى الكفر والأباطيل والعمل بالمنسوخ من شريعتهم الذي صار بالنسخ قد انتهى حكمه وصار التمسك به تعصباً، إنما هو من الأهواء، وقد خرج عن كونه من الدين {بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} الذي أنزله الله إليك وهداك به وبين لك أنهم على ضلال مبين.{مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ} يتولى رعايتك ويعصمك من خذلان الله لك بشفاعته {وَلَا نَصِيرٍ} يدفع عنك عذاب الله، وليس معنى هذا أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)مظنة اتباعه لأهوائهم أو قريب من ذلك، ولكن هذا تعبد كنهيه عن سائر المنكرات التي لا تقع منه، ويثاب على تركها، وفيه دلالة واضحة على أن اليهود والنصارى ما لهم من الله من ولي ولا نصير.(121) {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} علمناهم التوراة ورزقناهم فهمها والاهتداء بهداها فهم {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} لا يحرفون ولا يبدلون لسلامتهم من التعصب والحسد ورغبتهم في الحق.{أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} أي بالذي جاءك من الحق؛ لأن غرضهم اتباع الحق، وهذا كقوله تعالى: ]وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ[ [العنكبوت:47] وذلك لأن التوراة تدعو إلى الإيمان بما أنزل على محمد، قال تعالى: ]أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ[ [الشعراء:197] فالذين أوتوا الكتاب قسمان:قسم كما قال تعالى: ]آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا[ [الأعراف:175] فهؤلاء لا يتلونه حق تلاوته. وقسم كما قال تعالى: ]الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ..[ الآيات [القصص:52-53]. وعلى هذا: فالمراد بـ{الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ} الذين علمناهم وفهمناهم، فخرج عن ذلك الذين ذكرهم الله بقوله: ]وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ[ فلا يقال فيهم: {آَتَيْنَاهُمُ} بهذا المعنى وإن كانوا منسوبين إلى الكتاب. وقوله تعالى: {أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} كالتخصيص لما سبق في اليهود والنصارى كقوله تعالى: ]لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ[ [آل عمران:113] {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ}أي من يكفر من اليهود والنصارى والذين لا يعلمون وغيرهم بالذي جاءك من الحق {فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} لأن التعب في التدين بلا فائدة خسران، بل ويؤدي إلى العذاب الدائم، فهو الخسران الشديد.(122) {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} في النعم كقول موسى لقومه: ]يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ[ [المائدة:20] والمراد بتذكيرهم نعم الله عليهم، حثهم على الشكر، وتحذيرهم من كفر النعم الذي من أعظمه الكفر بما أنزل الله على محمد والتكذيب بآيات الله. (123) {وَاتَّقُوا يَوْمًا} تحتاجون إلى أن تتقوه وهو يوم القيامة، ولا بديل ينجيكم منه؛ لأنه يوم {لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}لا تؤدّي عنها حقاً ولا تقضى عنها ديناً {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ} يعدلها، فتفتدي به من مال، أو ولد، أو أي شيء.{وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} ليعفى عنها {وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} أي الذين لم يتقوا ذلك اليوم على أنهم الجمع الكبير الجم الغفير، فلا يُفيدهم ناصر ينصرهم، وهذه الآية الكريمة تكذِّب أمانيهم وتبين أنها غرور خادع؛ لأنها قد بينت أنه لا ينجي المكلف من عذاب يوم القيامة إلاَّ التقوى، فعليكم أن تؤمنوا بالله ورسوله محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)وما أوتي من القرآن والسنة والآيات.(124) {وَ} اذكروا يا بني إسرائيل{إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} اختبره بهن، أي شرع له خصالاً أو أمره بخصال {فَأَتَمَّهُنَّ} أي أتم ما ذكر له في الكلمات، فرجع الضمير إلى الكلمات؛ لكونه أتم المذكور فيهن، كقوله تعالى: ]ونرثه ما يقول[ ونظيره قول الشاعر: إذا نزل السمــاء بأرض قـــوم رعينـــاه وإن كانــوا غضـــاباوالمراد: أنه (عليه السلام) قام بما شرع له في الكلمات المذكورة كاملاً بلا تقصير ولا بخس، فالعمل كامل والنية خالصة والذهن حاضر، والخشوع كامل، وعلى الجملة قام به على الوجه المشروع بلا تقصير في ذات ولا صفة، وذلك لقوة إيمانه ويقينه


تفسير سورة ((البقرة)):
- الآيات (126-120)
- الصفحة (19)


صيفاً والجنوب شتاءً. وقوله: {تُوَلُّوا} أي توجهوا وجوهكم، وقوله: فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}تعبير عن كونه يصلح قبلة تتوجهون إليه في عبادة الله، وهو من المجاز معناه: كأن الله هناك يقبل إليكم بوجهه سبحانه وتعالى، وهو منزه عن الأعضاء، وإنما المراد بيان أنه يصلح ليكون قبلة تقبل منكم الصلاة إليه {إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} أي واسع الرحمة لعباده كلهم، ولا تختص رحمته بأمة كـ(بني إسرائيل). قال الشرفي في (المصابيح): ((قال إمامنا المنصور بالله (عليه السلام): تدل على جواز التوجّه بالصلاة إلى أيّ جهة شاء المصلي عند التباس جهة الكعبة، والجهل بها)) انتهى. قلت: وتدل على أن الجهات كلها تصلح أن تكون قبلة، ولا يختص بذلك بيت المقدس، فإذا شاء سبحانه وتعالى أن يوجههم إلى جهة صارت قبلة، فالآية كالمقدمة لما يأتي في القبلة.(116) {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} يظهر أن قوله تعالى: {وَقَالُوا} الضمير فيه راجع إلى الفرق الثلاث: اليهود، والنصارى، والذين لا يعلمون، و {سُبْحَانَهُ} ردّ لكلامهم، وتنزيه لله سبحانه عن الولد.{بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} منقادون مطيعون، فعيسى وعزير والملائكة كلهم عباد لله منقادون يقضي فيهم ما يشاء ويحكم ما يريد، ليس لهم من الأمر شيء. (117) {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وهما دليل على أنه تعالى قادر على إبداع ما يشاء وخلقه قبل أن يوجد له مثل كما بدع آدم من التراب، فكيف لا يقدر على خلق عيسى من دون أب {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}لا يعسر عليه خلق حتى كأنه إنما يأمر الشيء أن يكون، فإذا أمره فهو يكون.(118) {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} من كفار العرب {لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ} جحداً بالآيات، وزعماً أن آيات الله ليست آيات {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}من الكفار كقوم هود في قولهم: ]يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ[ [هود:53] وكل أمة كفرت برسولها فهي مكذبة بآيات الله {مِثْلَ قَوْلِهِمْ} يطالبون أن يكلمهم الله استكباراً وتعنتاً ويكذبون بآيات الله.{تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} فهي كلها تكره الحق وتميل إلى الباطل وتتكبر ولا تؤمن بآيات الله {قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.فقولهم: {أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ} لا وجه له، بل هو أبطل الباطل؛ لأن الله جعل الآيات وجعلها بيّنات لا تخفى على من يريد الحق ومن شأنه أن يوقن لوجود الآيات البينات، أما من لا يوقن مع وجود الآيات البينات فالحجة قائمة عليه؛ لأن المانع من إيقانه هو إعراضه وكراهته للحق وشغل قلبه عن النظر في الآيات بوسواس الشيطان والكبر والحسد، وغير ذلك من الموانع التي هي من عنده، ويجدها من نفسه.(119) {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} في قوله: {إِنَّا} بكلمة التعظيم، إشارة إلى أن ذا الجلال والإكرام العزيز الحكيم العلي العظيم أرسلك {بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} فما أقبح طريقة الكفار المحاربين للدين من اليهود والنصارى، والذين لا يعلمون يحاربون هذه الرسالة التي تولاها ملك الملوك علام الغيوب أحكم الحاكمين مع أنها رسالة بالحق، ولا يرسل سبحانه إلاَّ بالحق، ومع أنها مهمة لمصلحة البشرية بل ضرورية لنجاة من يريد النجاة من النار وسعادة من يريد السعادة الدائمة، فما أقبح التكذيب بها، وما أقبح الجدال في دلائلها، وما أقبح معارضتها بالمكر، وما أقبح الإعراض عنها.{وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} الذين لم يقبلوا منك ولم يهتدوا بهداك وتمردوا وأصروا واستكبروا، فهم مخذولون لا يرجعون إلى الهدى، ولا يزالون على طريق الجحيم حتى صار اسمهم {أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} ]مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ[ [المائدة:99] ليس عليك هداهم، فلست مسئولا عنهم، وفي قراءة منسوبة إلى نافع: {وَلا تَسْأَلْ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} بالجزم و(فتح التاء) ومعناها إما الأمر بالإعراض عنهم؛ لأن من عادة المعرض أن لا يسأل عمّن أراد الإعراض عنه؛ لأنه لا يبالي به كيف كانت حالته، وإما على معنى لا تسأل ربك عنهم لماذا يعذبهم؛ لأنه لا يُسأل عما يفعل، وإما لا تسأل ربك هل يمكن أن يعفو عنهم أو نحو هذا، فيكون كقوله تعالى: ]وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ[ [هود:37] وإما لا تسأل عنهم، أي عن العذاب الذي يصيرون إليه تعظيم للعذاب وتعبير عن شدته على السمع. كما قال الهبل: سـماعــك بالنــار يا ذا الحجـا شديـد شديــد شديـد شديــدفكيــف إذا أنــت عايـنـتـهــا فكيـف الوقوع فكيف الخلـودوحكى الشرفي في (المصابيح): ((عن المرتضى (عليه السلام): أن القراءة ـ بضم التاء، وضم اللام ـ لم يذكر غيرها. قال الشرفي: وكلام أبي الفتح الديلمي (عليه السلام) مثل هذا، وهي قراءة جميع القراء، إلاَّ نافعاً)) انتهى.

التيسير في التفسير
🔸 https://t.me/altysyr


(113) {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ} المراد: ليسوا على طريق حق، فبالغوا وجعلوا دين الآخرين لا أصل له ولا أساس له، ومعنى هذا الكفر من كل منهما بكتاب الآخر ورسول الله إليه {وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ} الذي يوجب عليهم الإيمان برسل الله وكتبه، وهو كتاب الله الذي يجب عليهم اتباعه وهو التوراة؛ لأن الفريقين يتلونها، وتسمى عند النصارى العهد القديم أو جنس الكتاب الصادق على التوراة وعلى الإنجيل.{كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} الذين لا يعلمون هم أهل الجاهلية الذين ليس لهم كتاب، فتجرءوا على جحد الحق بأن قالوا مثل قول اليهود والنصارى بأن قالوا: ليست النصارى أو اليهود أو كلاهما على شيء فهو مثل قولهم في جحد الحق، ويوافق هذا التفسير قوله تعالى: ]فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلاَ أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ[ [القصص:48]. فثبت أنهم كفروا بموسى، وذلك يستلزم كفرهم بالتوراة، ويؤكد هذا قوله تعالى: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فجعل الخلاف بين الفرق الثلاث، فأما الكفر بمحمد(صلى الله عليه وآله وسلم)فقد وقع من الفرق الثلاث، وكان يناسبه ـ لو كان المراد ـ أن يقول: فالله يحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون. (114) {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} أي لا أظلم ممن منع مساجد الله التي بنيت لذكره وشرع لعباده أن يذكروه فيها وذكر الله من العبادة التي خلقوا لها فهذه الجريمة عدوان على مساجد الله، وعلى من يريد أن يذكر الله فيها، بل وعلى ذكر الله بمنع وقوعه في المساجد، فاعتدى على حرمة مساجد الله وعلى حرمة الذكر وجمع بين الجريمتين وضم إحداهما إلى الأخرى. قال في (الكشاف): (({أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} ثاني مفعولي منع؛ لأنك تقول: منعته كذا..)) إلخ.أقول: فلهذا قلت: إن المنع هذا عدوان على مساجد الله، أعني لكون مساجد الله مفعول أول، وأن يذكر فيها اسمه مفعول ثانٍ، وهذا عام لا يختص بالفرق الثلاث، وإن كنّ سببه. وقوله تعالى: {وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} تعريض بالفرق الثلاث، فيدل على أن ذلك قد وقع منهم أو من بعضهم أن قد سعوا في خراب مساجد الله. ولعل سبب ذلك تكفير كل فرقة الفرقة الأخرى، فيؤدي ذلك إلى القتال والتسبيب لخراب المساجد بمنع أهلها منها وإهمالها، وقد قال تعالى: ]وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ..[ إلى قوله تعالى: ]..وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ[ وقال تعالى: ]وَلَوْلاَ دِفَاع اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ[ [الحج:40]. فإذا كانت الحروب قد وقعت وهي مظنة تخريب المساجد من قبل أعداء الدين، فلا موجب لتعيين الفاعلين مَن هم، وليس من واجب التفسير تعيين ما أبهم القرآن، ويكفي أن نقول ظاهر الآية التعريض بالفرق الثلاث أنه قد وقع منهن كلهن أو بعضهن منع مساجد الله، والسعي في خرابها، وظاهرها العموم لكل مساجد الله التي كانت موجودة في عصرهم.{أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ} لأنهم رجس، يجب تنزيه المساجد عنهم، كقوله تعالى: ]إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا[ [التوبة:28].{لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} يستحقون الخزي في الدنيا بأي وسيلة كالطرد من المساجد {وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}قال الشرفي في (المصابيح): ((قال إمامنا المنصور بالله (عليه السلام): تدل على قبح منع المسلمين من مساجد الله، وعلى تحريم خرابها الحسيّ والحكمي، وهو منع ذكر الله فيها، وتجب إخافة من فعل ذلك، وأن يخزيهم من قدر على إخزائهم كما في الآية)) انتهى.(115) {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}{الْمَشْرِقُ} جهة طلوع الشمس {وَالْمَغْرِبُ} جهة غروبها، يفرد وهو عبارة عن المشارق والمغارب باختلاف الاعتبار، أعني قد يعتبر المشرق متعدداً باعتبار تعدد مطالع الشمس بتعدد منازلها، وقد تعتبر المشارق كلها مشرقاً واحداً لعدم اعتبار اختلاف المطالع، وكذلك المغرب. والمراد: أن له تعالى أن يوجه عباده في عبادتهم حيث شاء؛ لأن الجهات كلها له، ولعل فائدة تخصيص المشرق والمغرب بالذكر أن الشمال والجنوب كان معهوداً حيث صلوا من المدينة المنورة إلى الجنوب إلى الكعبة، وإلى الشمال لغرب حين صلوا هناك إلى بيت المقدس والله أعلم، أو أن المشرق والمغرب يعم أكثر الجهات لامتداد الجهتين إلى الشمال


تفسير سورة ((البقرة)):
- الآيات (119-113)
- الصفحة (18)


انه، فدعوى اليهود أنه لن يدخل الجنة مكابرة للعقول، وما أحسن هذه العبارة حيث لم يسند نفي الخوف إليهم؛ لأنهم وإن كانوا على طريق النجاة يكونون خائفين من ذنوبهم في الدنيا، فلم ينف عنهم أن يخافوا بل هم أكثر خوفاً لله من المجرمين، وقد قال تعالى فيهم: ]ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ[ [إبراهيم:14].وقد مرّ قوله تعالى: {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} مرتين، وهذه الثالثة، وقد جاءت في مواضع من القرآن، فالمقصود: أنهم لا يُخاف عليهم وإن كانوا خائفين في الدنيا والله أعلم.{وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} إما أن المراد في الآخرة؛ لأنهم في الدنيا يحزنون من ذنوبهم، وإما أن المراد ـ وهو الراجح عندي ـ التعريض بأهل الباطل؛ لأنهم في بعض حالتهم يحزنون من باطلهم كما قال تعالى: ]رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ[ [الحجر:2] فالمراد: ولا هم يحزنون من طريقتهم هذه التي هي إسلام وجوههم لله كما يحزن غيرهم من طرائقهم المخالفة. ونظير هذا: قول إبراهيم الذي حكاه الله عنه في قوله: ]فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ[ [الأنعام:81-82] أي أنهم هم الذي يأمنون ولا يخافون من إيمانهم وتركهم للمعاصي،وهذه حجة على قومه الذين أشركوا بالله بلا برهان، فهم أحق بالخوف من شركهم، فهكذا {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} لا يحزن من أجل إسلامه وإحسانه؛ لأنه يعلم أن ذلك سبب النجاة بخلاف من أشرك وأساء، فإنه ينبغي له أن يخاف ويحزن من طريقته وربما حزن، فالحاصل: أن هذه الجملة احتجاج على اليهود والنصارى. فإن قيل: إذا لم يقل في المسلمين المحسنين: لا يخافون، لئلا يوهم عدم خوفهم من ذنوبهم، فكيف قال سبحانه: {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}؟ ولم يقل: ولا حزن عليهم، مع أنهم يحزنون كما قال أمير المؤمنين: ((المؤمن بشره في وجهه وحزنه في قلبه)) انتهى. فهم يحزنون لأسباب عدة، مثل غلبة الجور وظهور المنكرات، ويحزن المؤمن من ذنوبه، فكيف لم يقل: ولا حزن عليهم؟ لئلا يوهم هذا المعنى كما في {لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ}. فالجواب: إن عدم الخوف سمة المجرمين الظلمة كما قلنا، وكذلك من سمتهم في الغالب أن لا يحزن الناس عليهم إذا ماتوا، أما المخلص المحسن فإن الناس يحزنون عليه، فلم يناسب حاله أن يقال فيه: لا حزن عليه، فكان الحزن مخالفاً للخوف؛ لأن المجرم الظالم يقال فيه: لا يخاف الله، ويقال فيه: إذا مات لا حزن عليه، والمخلص المحسن يقال فيه: يخاف الله ويُحزَن عليه إذا مات، فالمناسب في المؤمن نفي الخوف عليه لا الحزن عليه. فظهر: إتقان عبارة القرآن: {لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} أي لا يُخاف عليهم ولا هم يحزنون من دينهم وإحسانهم كما يحزن أهل الباطل من باطلهم في بعض الحالات لو لم يكن إلاَّ عند اقتراب الأجل وحضور الموت أو أن من شأنهم أن يحزنوا، وينبغي لهم ذلك، نعم وهذا المعنى يصلح للدنيا والآخرة فلا خوف عليهم في الدنيا ولا في الآخرة ولا هم يحزنون في الدنيا ولا في الآخرة.

التيسير في التفسير
🔸 https://t.me/altysyr


ج إليه، فاغتنمه، وحمِّله إياه وأكثر من تزويده)) انتهى المراد، وهذا معنى قوله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} بالنسبة إلى الإنفاق. {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} لعلمه بمراتب الحَسن في الحُسن ومقادير ما يناسبه من الثواب، وكذلك في كونه بصيراً بما يعمل المبطلون لعلمه بمقاديره في القبح ومقادير ما يناسبه من العقاب، فهو ينزل العمل منزلته اللائقة به، ويجعل له حكمه المناسب له كما يفعل البصير بالصناعة العليم كيف يتقنها.(111) {وَقَالُوا} عطف على ]وَدَّ كَثِيرٌ[ أو على ما تقدم من أقوالهم مثل: ]وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ[ أو على ]وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ[ {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}فجعلوا الجنة خاصة بهم، ومَنَّوا أنفسهم أنها لهم.{تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} أي هذه وما شابهها كقولهم: ]نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ[ [المائدة:18] وقولهم: ]لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً[ وقولهم: ]لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ[ [آل عمران:75] كقوله تعالى ـ بعد ذكر نبي الله داود صلى الله عليه ونبينا محمد صـ: ]تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ[ فالإشارة إلى المذكورَين وسائر الرسل، وكقوله تعالى: ]قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ[ [يوسف:28] أي المخاطبة وسائر النساء، فجمعهن في الخطاب من أجل الواحدة المخاطبة، ومعنى {أَمَانِيُّهُمْ} التي يمنونها أنفسهم.{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} والبرهان: الحجة، والمراد: بيان أنه لا حجة لهم، وإنما هي أماني من عند أنفسهم، فالأمر للتعجيز؛ لأنه إذا طالبهم بالبرهان ولم يأتوا به تبين أنهم افتروا على الله كذباً؛ لأنهم أهل جرائم وتمرد على الله، فليسوا أهلاً لما يمنونه أنفسهم، ولأن غيرهم الذين أسلموا لله يدخلون الجنة، ولا شك في أنهم أهل لذلك كما كان المسلمون لله قبل اليهودية والنصرانية، فنفي دخولهم الجنة كذب على الله يكشفه عدم البرهان؛ لأنهم لو كانوا صادقين لكانوا في أمانيهم مستندين إلى برهان، فالفارق بين الصادق فيما يحكي عن الله، والكاذب على الله، هو البرهان للصادق، وعدم البرهان للكاذب.(112) {بَلَى} تصريح بإبطال قصر الجنة عليهم ونفي دخول غيرهم {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} إسلام الوجه لله: جعله لله وحده لا يتوجه به لغيره، ومعنى ذلك إخلاص العبادة لله؛ لأن الذي يعبد غيره قد توجه لغير الله وشرّك في وجهه معبوده، فالإسلام للوجه جعله سَلَماً لله، كما قال تعالى: ]ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ[ [الزمر:29]. وقوله: {وَهُوَ مُحْسِنٌ} لإخراج المسيء، ولو ترك الإشراك في وجهه فلا يدخل في قوله تعالى: {فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}أقام هذا مقام: فإنه سيدخل الجنة وفيه دلالة على أن سبب الجنة هو العمل الذي يستحق به الأجر عند الله؛ وهو إسلام الوجه لله مع الإحسان. وفي قوله سبحانه: {عِنْدَ رَبِّهِ} إشارة إلى الرَّد على اليهود الذين يدّعون اختصاصهم بالله مع أنهم وغيرهم من البشر كلهم عباد لله، وهو ربهم كلهم لا فرق بينهم في ذلك، وفي قوله: {عِنْدَ رَبِّهِ}مناسبة لقوله: {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} من حيث أن معناه: عبد الله مخلصاً له العبادة.فأجر العبادة من ربه؛ لأن العبادة وإسلام الوجه له تعبير عن كونه رب العابد له وتعبير عن كون الذي أسلم وجهه لله عبداً له، فأجر العبادة من المعبود الذي هو ربه، ففي قوله: {عِنْدَ رَبِّهِ}إشارة إلى أنه معبوده، وفيه إشارة إلى وجه استحقاق الأجر منه، وهو أن عبادته عبادة لربه، فاستحق بها الثواب؛ لأنها حق وصواب أمره بها ربه، فآجره عليه. وقد قدمت زيادة على هذا في مناسبة قوله: ]عِنْدَ رَبِّهِمْ[ لعبادتهم لربهم وخوفهم من ربهم ورجائهم له، وذكرت الآية: ]إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ[ [المؤمنون:57] وإفادة جملة ذلك لصلتهم بالله من حيث هو ربهم. فتحصل من فوائد قوله تعالى: {فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ}:إفادة: أن طريق الجنة هو العمل المذكور لا أماني اليهود؛ لأنهم فاقدون لهذا السبب، عادلون عن طريق الجنة الموصل إليها،وإفادة: أن الجنة أجر على العمل من رب المسلمين له المحسنين، الذي عبدوه فاستحقوا الأجر منه بعبادتهم لربهم الذي أمرهم بعبادته، وهو يرد على اليهود والنصارى دعوى اختصاصهم بالله،وإفادة: أن الصلة بالله من طريق الإخلاص له والإحسان، هي الصلة بالله لا الأماني. وقوله: {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} أعتقد أن المعنى: أنه ليس من شأنهم ذلك، كقوله تعالى: ]لا ريب فيه[ لأنهم في طريق النجاة من النار؛ لأن كل عاقل يعلم أن {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} فهو في طريق النجاة، وأنه لا يخاف عليه من إخلاص عبادته لله وإحس


(106) {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ} بنسخ حكمها {أَوْ نُنْسِهَا} بأن يحذف ذكرها من القلب بقوة إلهية {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا}أصلح منها بالنسبة لوقت نزول الأصلح، فالناسخة خير بالنسبة لوقت حكم النسخ لا بالنسبة لما قبل النسخ؛ لأن الخير فيما تقتضيه الحكمة من الناسخ في وقته والمنسوخ قبل نسخه. وكذلك قوله: {أَوْ نُنْسِهَا} على فرض النسيان، يكون البدل خيراً من المنسي، وعلى معنى النسيئة يعجل ما هو خير من المؤجل قبل وقت إنزال المؤجل، والحاصل: أن الخير فيما أنزل الله، وليس لأحد أن يعترض؛ لأنه كلام أحكم الحاكمين {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فهو ينزل ما يشاء. (107) {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}فهو يحكم ما يريد؛ لأن الحكم له في عباده {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ}يتولاكم بالنعم والألطاف وحسن الرعاية {وَلا نَصِيرٍ}ينقذكم من عذابه، إن أراد أن يعذبكم، ولعل الخطاب لبني إسرائيل، بدليل ما قبلها وما بعدها، وهو ردّ على من أنكر النسخ منهم. (108) {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} حين قال له قومه: ]لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً[ {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} غوي الطريق السوي وهو طريق الحق والسلامة والكرامة، وتبدل الكفر بالإيمان يشمل جعل الكفر بدل الإيمان بالردة عن الإيمان إلى الكفر وجعل الكفر بدل الإيمان باختيار الكفر، وهو يدعى إلى الإيمان فلا يجيب داعي الله ويختار الكفر. (109) {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} أي أحبّوا ذلك، و {لَوْ} للتمني، كأنه قال: تمنوا أن يردوكم من بعد إيمانكم الإيمان الصادق الذي لا نفاق فيه {كُفَّارًا} ليخرجوكم من النور إلى الظلمات ومن طريق السعادة إلى طريق الشقاء ومن عزة الإيمان إلى ذلّة الكفر.{حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} فالباعث هو الحسد الذي أوجدته أنفسهم الأمارة بالسوء بعداوتها لكم وحرصها على بطلان أمركم، والحسد غيرة تبعث على كراهة حصول النعمة للغير الذي يغار من حصول النعمة له أو كراهة بقاء نعمته، هذا الحسد المذموم، وقد يستعمل الحسد في الغيرة من دون قيد، ولعله أصل الحسد، وحقيقته، وينقسم إلى: محمود: وهو ما لم يبعث على الإثم، ورغّب في العمل الصالح لنيل مثل نعمة المحسود، ومذموم: وهو عكس المحمود، وهو الذي ذكرت أوّلاً، وخطره عظيم ـ نعوذ بالله منه ]وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ[ [الفلق:5]. فانظر كيف صار المذكورون من أهل الكتاب من أجل الحسد من بعد ما تبيّن لهم الحق، وكان مقتضى العقل لو استعملوا عقولهم وتركوا الحسد أن يتبعوا الحق ليرضوا ربهم وينقذوا أنفسهم من النار ويسعدوا في الآخرة، وحينئذ يكونون إخواناً للمؤمنين سليمين من الحسد والعداوة لأهل الحق.{فَاعْفُوا} عما يصدر منهم من الأذى وتحملوا {وَاصْفَحُوا} أعرضوا عن أذاهم، ولا ترادّوهم ولا تقاتلوهم باعتبار أنهم حين ذاك لا يشكلون خطورة كما يشكلها رموز الكفر من قريش وغيرهم، فالمعنى: تغاضوا عن قتالهم فليس الوقت وقتهم، وانتظروا {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} بتسليطكم عليهم وأمركم بالجهاد في سبيله، وحينئذ لا عفو ولا إعراض، وليس المراد أن يصيروا إلى السباب، ولكن كما قال الشاعر:فلا تكثري فيه المــــــقال فإنـه محـا السيف ما قال ابن دارة أجمعاأو (أمره): نصره للدين، وإعلاؤه لكلمته، وحينئذ لا يضركم حسدهم، وهذا مناسب لآخر الآية.{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فهو قادر على إعزازكم وإذلالهم، وعلى الأول فهو قادر على تمكينكم من قتالهم بتوفير العدد والعدة، وتهيئتكم للقتال وتسليطكم عليهم. والعفو، والصفح: ترك السباب والمماراة المؤذية والجدال الكثير، وترك القتال حتى يؤمروا به، والأولى فاعفوا عن أذاهم وأعرضوا عنهم، لا تقاتلوهم حتى يأتي الله بأمره، وأمره تقويتكم بأن يأمركم بجهادهم وينصركم عليهم، والأمر هنا بمعنى الشأن أي نصره وإعلاؤه لكلمته {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فهو قادر على ذلك.(110) {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} فذلك يكفي عن الجهاد قبل الأمر به، وهذا كقوله تعالى: ]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ[ [النساء:77].{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} حث على الإنفاق في وجوه الخير، وعلى فعل الخير كله، فالعبد إذا أنفق فيما يرضي الله فكأنه قدمه أمامه ليوافي يوم القيامة فيجده أمامه قد قدمه لنفسه، وكذلك فعل الخير كله، وفي كلام أمير المؤمنين في (وصيته لابنه الحسن إ): ((وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة فيوافيك به غداً حيث تحتا


تفسير سورة ((البقرة)):
- الآيات (112-106)
- الصفحة (17)

Показано 20 последних публикаций.

373

подписчиков
Статистика канала