صيفاً والجنوب شتاءً. وقوله: {تُوَلُّوا} أي توجهوا وجوهكم، وقوله: فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}تعبير عن كونه يصلح قبلة تتوجهون إليه في عبادة الله، وهو من المجاز معناه: كأن الله هناك يقبل إليكم بوجهه سبحانه وتعالى، وهو منزه عن الأعضاء، وإنما المراد بيان أنه يصلح ليكون قبلة تقبل منكم الصلاة إليه {إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} أي واسع الرحمة لعباده كلهم، ولا تختص رحمته بأمة كـ(بني إسرائيل). قال الشرفي في (المصابيح): ((قال إمامنا المنصور بالله (عليه السلام): تدل على جواز التوجّه بالصلاة إلى أيّ جهة شاء المصلي عند التباس جهة الكعبة، والجهل بها)) انتهى. قلت: وتدل على أن الجهات كلها تصلح أن تكون قبلة، ولا يختص بذلك بيت المقدس، فإذا شاء سبحانه وتعالى أن يوجههم إلى جهة صارت قبلة، فالآية كالمقدمة لما يأتي في القبلة.(116) {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} يظهر أن قوله تعالى: {وَقَالُوا} الضمير فيه راجع إلى الفرق الثلاث: اليهود، والنصارى، والذين لا يعلمون، و {سُبْحَانَهُ} ردّ لكلامهم، وتنزيه لله سبحانه عن الولد.{بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} منقادون مطيعون، فعيسى وعزير والملائكة كلهم عباد لله منقادون يقضي فيهم ما يشاء ويحكم ما يريد، ليس لهم من الأمر شيء. (117) {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وهما دليل على أنه تعالى قادر على إبداع ما يشاء وخلقه قبل أن يوجد له مثل كما بدع آدم من التراب، فكيف لا يقدر على خلق عيسى من دون أب {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}لا يعسر عليه خلق حتى كأنه إنما يأمر الشيء أن يكون، فإذا أمره فهو يكون.(118) {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} من كفار العرب {لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ} جحداً بالآيات، وزعماً أن آيات الله ليست آيات {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}من الكفار كقوم هود في قولهم: ]يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ[ [هود:53] وكل أمة كفرت برسولها فهي مكذبة بآيات الله {مِثْلَ قَوْلِهِمْ} يطالبون أن يكلمهم الله استكباراً وتعنتاً ويكذبون بآيات الله.{تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} فهي كلها تكره الحق وتميل إلى الباطل وتتكبر ولا تؤمن بآيات الله {قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.فقولهم: {أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ} لا وجه له، بل هو أبطل الباطل؛ لأن الله جعل الآيات وجعلها بيّنات لا تخفى على من يريد الحق ومن شأنه أن يوقن لوجود الآيات البينات، أما من لا يوقن مع وجود الآيات البينات فالحجة قائمة عليه؛ لأن المانع من إيقانه هو إعراضه وكراهته للحق وشغل قلبه عن النظر في الآيات بوسواس الشيطان والكبر والحسد، وغير ذلك من الموانع التي هي من عنده، ويجدها من نفسه.(119) {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} في قوله: {إِنَّا} بكلمة التعظيم، إشارة إلى أن ذا الجلال والإكرام العزيز الحكيم العلي العظيم أرسلك {بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} فما أقبح طريقة الكفار المحاربين للدين من اليهود والنصارى، والذين لا يعلمون يحاربون هذه الرسالة التي تولاها ملك الملوك علام الغيوب أحكم الحاكمين مع أنها رسالة بالحق، ولا يرسل سبحانه إلاَّ بالحق، ومع أنها مهمة لمصلحة البشرية بل ضرورية لنجاة من يريد النجاة من النار وسعادة من يريد السعادة الدائمة، فما أقبح التكذيب بها، وما أقبح الجدال في دلائلها، وما أقبح معارضتها بالمكر، وما أقبح الإعراض عنها.{وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} الذين لم يقبلوا منك ولم يهتدوا بهداك وتمردوا وأصروا واستكبروا، فهم مخذولون لا يرجعون إلى الهدى، ولا يزالون على طريق الجحيم حتى صار اسمهم {أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} ]مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ[ [المائدة:99] ليس عليك هداهم، فلست مسئولا عنهم، وفي قراءة منسوبة إلى نافع: {وَلا تَسْأَلْ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} بالجزم و(فتح التاء) ومعناها إما الأمر بالإعراض عنهم؛ لأن من عادة المعرض أن لا يسأل عمّن أراد الإعراض عنه؛ لأنه لا يبالي به كيف كانت حالته، وإما على معنى لا تسأل ربك عنهم لماذا يعذبهم؛ لأنه لا يُسأل عما يفعل، وإما لا تسأل ربك هل يمكن أن يعفو عنهم أو نحو هذا، فيكون كقوله تعالى: ]وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ[ [هود:37] وإما لا تسأل عنهم، أي عن العذاب الذي يصيرون إليه تعظيم للعذاب وتعبير عن شدته على السمع. كما قال الهبل: سـماعــك بالنــار يا ذا الحجـا شديـد شديــد شديـد شديــدفكيــف إذا أنــت عايـنـتـهــا فكيـف الوقوع فكيف الخلـودوحكى الشرفي في (المصابيح): ((عن المرتضى (عليه السلام): أن القراءة ـ بضم التاء، وضم اللام ـ لم يذكر غيرها. قال الشرفي: وكلام أبي الفتح الديلمي (عليه السلام) مثل هذا، وهي قراءة جميع القراء، إلاَّ نافعاً)) انتهى.
التيسير في التفسير
🔸
https://t.me/altysyr