جويز ولأنه لا يثبت حكم المعصية إلاَّ بعد ثبوتها، وإذا لم تثبت وجب العمل على حسن الظن، لقوله تعالى: ]لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا[ [النور:12].والحاصل: أن الآية إنما دلت على أن الظلم مانع، ومجرد تجويز وجود المانع لا حكم له، ألا ترى أن إمام الصلاة يجوز أنه جنب في الباطن ولا حكم لهذا التجويز إذا لم يظهر أنه جنب. (125) {وَ} اذكروا يا (بني إسرائيل) {إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} يثوبون إليه، أي يرجعون؛ لأنهم إليه يترددون للحج وللعمرة رجاء الثواب، وفوائد الحج والعمرة {وَ} جعلنا البيت {أَمْنًا} لمن دخله، بل ولمن دخل حرمه.{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} أي موضع قيامه على الصخرة عند البيت حيث هناك أثَرَ قدميه الشريفتين {مُصَلًّى} يصلون فيه تبركاً به أو لنيل فضل الصلاة فيه، قال الشرفي في (المصابيح): ((معنى {اتَّخِذُوا} أي جَعَلوا من مقام إبراهيم مصلى، ومقامه فهو في الصخرة بمكة عند البيت)) انتهى، وقوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا} قرئ بكسر (الخاء) ومعناه: وقلنا: اتخذوا، وبفتح (الخاء) على الخبر، بأنهم اتخذوه. {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} البيت: هو الكعبة، وتطهيره للمذكورين دلالة على أنه سيكون للطواف به والصلاة والعكوف، وهو اللبث في المسجد الحرام للعبادة، فأمر إبراهيم وإسماعيل إ بما ذكر إعداداً له. قال الشرفي في (المصابيح): ((قال إمامنا المنصور بالله (عليه السلام): تدل على وجوب طهارة البيت من الأرجاس، ومعاصي الناس)) انتهى. قلت: وهذه الآية تشبه الآية من (سورة آل عمران): ]فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ..[ الآية [97] والسياق في (بني إسرائيل) في الآيتين، فهما رد عليهم من حيث دلتا على ثبوت الدين من عهد إبراهيم وإسماعيل قبل أن تنزل التوراة والإنجيل، فيدل ذلك على بطلان تعصبهم للتوراة والإنجيل، وجعلها ضرورية للدين؛ لأن الدين قد استقام بالإسلام لله وحده والعبادة المذكورة لله، ولم يشترط فيه ما اختصت به التوراة والإنجيل أو اليهودية والنصرانية كالسبت واستقبال بيت المقدس.(126) {وَ} اذكروا يا (بني إسرائيل) {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا} أي الحرم: حرم الكعبة، أو الإشارة إليه وإلى ما حوله {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} أراد (عليه السلام): أن يتمكنوا من البقاء حول البيت ليقيموا الصلاة ولا يضطرهم الجوع إلى المغادرة لذلك الوادي الذي ليس بذي زرع.{قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} فالرزق في هذه الدنيا للمؤمن والكافر، وقد أجيبت دعوة إبراهيم، وصار في مكة المركز الديني مركز بني إسماعيل على دين إبراهيم وإسماعيل، خلاف مركز بني إسرائيل، فلم تكن اليهودية ولا النصرانية من ضروريات دين الله. وأعتقد أن دعوة إبراهيم ربه أن يجعل {هَذَا بَلَدًا آَمِنًا}معناها: طلب جعله كذلك بقدرة الله وفعله، وإعداد قلوب الناس لذلك لا مجرد الحكم التشريعي.. ألا ترى إلى قوله تعالى: ]أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا[ [القصص:57] فهو أمرٌ استمر في عهد الجاهلية حتى في عهد الشرك. وقوله: {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} ظاهره: أنه تعالى يلجيه إلى عذاب النار كإلجاء السجين لدخول السجن، وهو السّوق المذكور في قوله تعالى: ]وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا[ [الزمر:71] فيظهر أنهم يمشون إلى جهنم لعنف السوق وهيبة السائق، ولعل من الإضطرار ما روي فيه عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ما معناه: أنه يبلغ بهم التوبيخ والتخزية على رؤوس الأشهاد أن يتمنوا أنهم سورع بهم إلى النار.
التيسير في التفسير
🔸 https://t.me/altysyr
التيسير في التفسير
🔸 https://t.me/altysyr