من شبهات الملاحدة الرائجة بين الشباب، شبهة تقول: هناك كثرة في الأديان، وكل دين له إله، فأي إله من هؤلاء هو الإله الحق؟ ولكي نعرف هذا الإله الحق يجب أن ندرس هذه الأديان وهي تعد بالعشرات أو المئات؟ والحقيقة أن هذا القول خبل في الرأي وسوء تصور للقضية. فوجود الله سبحانه ليس قضية محتملة ومبهمة، بحيث يمكن أن تتنازعه جوانب شتّى، بل يكفي أن تفهم معنى الإله لتعرف الإله الحق إذا عُرض عليك، بدون أن تبحث في معطيات الأديان الأخرى عن إلهها. مفهوم الإله يتحدد في كونه متصفاً بالكمال والعظمة اللانهائية، في ذاته وصفاته، وجوده وجود حقيقة واقعي، إلا أنه مباين للعالم ومتجاوز للمخلوقات، لكن ليس كمثله شيء. ولقد نبّه القرآن على هذه المنهجية، أعني مجرد استيعابك لمعنى الإله كاف لإدراك صواب هذا الدين أو ذاك في عرضه للإله الذي يؤمن به، وذلك يعني أنه بما أن هذا هو الإله الخق فكل إله آخر باطل، إذ كمال وعظمة الألوهية تمنع الشركة، وذلك في قصة سحرة فرعون، فهم كانوا ملاحدة مشركين، لكن بمجرد أن بهرتهم معجزة النبي موسى، أدركوا أن الإله الذي جاء يعلن بأنه رسوله هو بالضرورة الإله الحق فبادروا إلى الإيمان، ولهذا حين أعلنوا إيمانهم قدموا بأنهم آمنوا برب العالمين، ثم أضافوا بأن هذا الرب هو رب موسى وهارون: ( فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ. فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ. قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ. رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ) [الشعراء/45-48]. ومن ثم لم يحتاجوا لدراسة أديان زمانهم وآلهتهم. بل هذه المنهجية كانت بديهية عند أقوام الأنبياء المشركين، لأنها مقتضى العقل الصحيح، فلا يوجد قوم طلب من نبيه مهلة دراسة الأديان الأخرى ليقارنوا بين الإله الذي جاء يخبر عنه والآلهة التي جاء بها غيره، حتى جاء ملاحدة هذا العصر فركبوا متن السفه، فلا عجب أن تكون شبهاتهم من جنس سفه عقولهم.