الحمد لله وحده.
خمسة أسئلة في ليلتنا، 22 من رمضان.
قال رسول الله ﷺ : التمسوها فيها، يعني ليلة القدر.
س1/ هل ليلة 22 ؛ يمكن أن تكون ليلة القدر؟
ج1/ نعم هذا ممكن، فينبغي العناية بها مثل باقي الليالي.
س2/ كيف ذلك، وهذه ليلة زوجية، وقد أمرنا أن نتحرى في الليالي الفردية، لأنها الليالي الوترية؟
ج2/ ليلة 22 هي الليلة (التاسعة) عندما تعدُّ الليالي معكوسة من آخر الشهر، فهي وترية لأنها التاسعة.
س3/ ولماذا أعدُّ من آخر الشهر؟ هل يصحُّ هذا؟
ج3/ نعم يصحُّ، بل هذه هي طريقة العرب، وهو أمر رسول الله ﷺ، وهي طريقة عدّ الصحابة الكبار، الذين صاموا مع رسول الله ﷺ، وفهموا الشرع منه، وتحروا ليلة القدر معه!!
وقد بيَّنت ذلك كله من قبل بالتفصيل.
- فقد قال رسول الله ﷺ للصحابة عن ليلة القدر: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة).
فذهب أحد التابعين إلى أبي سعيد الخدري - وهو من كبار الصحابة وفقهائهم ومفتيهم - وسأله، فقال: يا أبا سعيد، إنكم أعلم بالعدد منا.
فقال أبو سعيد رضي الله عنه: (أجل، نحن أحق بذلك منكم).
فسأله الرجل: ما التاسعة، والسابعة، والخامسة؟
فقال أبو سعيد الخدري: (إذا مضت واحدة وعشرون، فالتي تليها ثنتين وعشرين، وهي التاسعة، فإذا مضت ثلاث وعشرون، فالتي تليها السابعة، فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة).
وكل هذا في صحيح مسلم.
وأنت ترى أن أبا سعيد، عدَّ الليالي من آخر الشهر، على اعتبار أنه ثلاثين يوما، وكانت هذه طريقتهم، وهم (أحق منا بذلك) لأنهم لغتهم وعرفهم، والخطاب من رسول الله ﷺ لهم بحسب ذلك.
س4/ هل هناك أدلة أخرى، أو أقوال للعلماء؟
ج4/ نعم، ها هي:
(أولا): ما ورد عن رسول الله ﷺ:
ورد ما يدلُّ على هذا الاحتمال في حديثين آخرين غير الحديث السابق، عن رسول الله ﷺ:
1- في صحيح البخاريّ:
قال رسول الله ﷺ عن ليلة القدر: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر، في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى).
و(تاسعة تبقى)، هي : ليلة 22، فهي الليلة رقم (9) إذا كان العدُّ من آخر الشَّهر..
أي: بقي على نهاية الشهر 9 ليالٍ، إذا كان تامًّا.
■ وانتبه إلى أنَّ رسول الله ﷺ، خصَّها بالتَّنبيه، فقال ﷺ: (التمسوها ... في تاسعة تبقى).
2- وفي سنن أبي داود حديث آخر أصرح:
عن عبد الله بن أُنَيسٍ صاحب رسول الله ﷺ قال:
(كنتُ في مجلس بني سَلِمةَ وأنا أصغرُهم، فقالوا: مَنْ يسألُ لنا رسولَ الله ﷺ عن ليلةِ القدر؟
وذلك [صبيحةَ إحدى وعشرينَ] من رمضان ...).
حتى قال رضي الله عنه في آخر الحديث إنه قال لرسول الله ﷺ:
( أرسلَني إليك رهْطٌ من بني سَلِمةَ يسألونك عن ليلةِ القدر).
فقال رسول الله ﷺ: (كم الليلةُ)؟
فقلتُ: (اثنتان وعشرون).
فقال رسول الله ﷺ: (هيَ الليلة).
ثم رجع، فقال: (أو القابلةُ)، يُريدُ ليلةَ ثلاثٍ وعشرين.
(ثانيًا): ما يؤيِّد ذلك من كلام العلماء:
سبق في منشور مستقل، نقل فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية، وفيها النصُّ على ليلة 22، وأن هذا هو معنى حديث البخاري (تاسعة تبقى)، وأنه هو تفسير الصحابة.
* وأعيد الفتوى للفائدة، قال رحمه الله:
(ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان، هكذا صحَّ عن النبيِّ ﷺ أنه قال: (هي في العشر الأواخر من رمضان)، وتكون في الوتر منها. لكن الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين.
ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي ﷺ: (لتاسعةٍ تبقى، لسابعةٍ تبقى، لخامسةٍ تبقى، لثالثةٍ تبقى).
فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع، وتكون [الاثنين والعشرين]؛ تاسعة تبقى ...) انتهى كلام ابن تيمية.
س5/ ماذا لو كان الشهر ناقصًا (أي 29 يومًا) فقط؟
عليك أن تحتاط، فالفضل عظيم، ومع ذلك فقد سبق نقل كلام ابن حزم رحمه الله في منشور سابق، وأعيد هنا ما نحتاجه منه:
قال رحمه الله في المحلَّى:
(لا يَدري أحد من الناس أيّ ليلةٍ هي من العشر المذكور، إلا أنها في وتر منه ولا بدّ.
فإن كان الشهر تسعًا وعشرين؛ فأوَّل العشر الأواخر بلا شكٍّ: ليلة عشرين منه؛ فهي:
إما ليلة عشرين، وإما ليلة [اثنين وعشرين]، وإما ليلة أربعٍ وعشرين، وإما ليلة ستٍّ وعشرين، وإما ليلة ثمانٍ وعشرين؛ لأنَّ هذه هي الأوتار من العشر الأواخر) انتهى كلام ابن حزم.
■ أقول:
والمؤمن الحريص العاقل: هو من يقوم الليالي كلّها، ولا يركن إلى ليلة بعينها.
وقد بيَّنتُ لك قوَّة الاحتمال أن تكون ليلة القدر هي ليلة 22، وهي الليلة القادمة!
فإيّاك أن تكسل، فما بقي إلا القليل، وهذه ليلة شريفة، لعلك تدعو دعاء فتسعد به إلى الأبد، في الدنيا والآخرة!