قرأتُ أبياتًا للصاحب بن عباد قال فيها:
«إذا جمعت بين امرأينِ صناعةٌ
فأحببتَ أن تدري الذي هو أحذقُ
فلا تتأمل منهما غير ما جرت
به لهما الأرزاق حين تفرّقُ
فحيتُ يكون الجهلُ فالرزقُ واسعٌ
وحيثُ يكون العلمُ فالرزق ضيّقُ»
وأظن من مسوّغات هذا أنّ الذي يهب نفسه للعلم ينشغل به عمّا سواه من جهة، ثمّ علم المرء ببابٍ بعينه لا يستوجب حذقه بغيره؛ وأبواب الرزق بالعادة تستلزم ذكاءً تجاريًا/اقتصاديًا وقياديًا قد لا تجتمع في إنسان، ومثل هذا نراه حاضرًا في السياقات التي يحاجَج النّاس فيها في كونهم يحسنون في بيان أقلامهم وتنالهم عجمة وعي إن ركنوا لألسنتهم؛ ومرّ عليّ في هذا قول سهل بن هارون «اللسان البليغ، والشّعر الجيّد لا يكادان يجتمعان في أحد، وأعسر من ذلك أن تجتمع بلاغة القلم وبلاغة اللسان» وهذا مختبرٌ ومشاهد، وأراه ممّا ينبغي مراعاته في الكتل الاجتماعية والعلمية، بحيث يزاوج المهتم بين العلوم بسبرها ذاتيًا أو باستشارة المختص فيما يجهله، وتلك منقبةٌ رافعة. ومن جهةٍ أخرى فنيل المراتب والأرزاق يستوجب -أحيانًا- الإتيان بالمناقص من مماحكة وكيد ودهاء ربّما، والمتعلّم المهذّب لا يرتضي لنفسه غير الفضائل والمكرمات.
والحقّ أنّي أخالف القائل باقتران الرزق بالجهل على إطلاقه، من حيث أن الأرزاق توفيقٌ مقسوم، ومن حيث أن الجهل لا يورث رزقًا مستدامًا، ومع هذا أميل لحقيقة أن الممتلئ علمًا وأدبًا إذا لم يُزيّن بالذكاء والحكمة غرم.
كتبتُ منشوري ثمّ وجدتُ فكرة تتعاضدُ مع رأيي من طرفٍ خفيّ وسبحان اللطيف:)
«وإذا رأت عيناي عالي رُتبة
بلغ المعالي وهو غير مهذّب
قالت لي النّفس العزوف بفضلها
ما كان أولاني بهذا المنصب
فأقول يا نفس ارجعي وتأدّبي
وثقي فما الحسد الذميم بمذهبي
هي سُنّة الدنيا فكم من فاضلٍ
في الخاملين وكم تُرفِّعُ من غبي» :))
ومثله ما جاء تأدبًا:
«قل لمن لام لكوني
في مكانٍ غيرِ طائل
هكذا الفاضل مثلي
عند قسمِ الرزق فاضل»
وأظنّه ردّ مناسب جدًا على ما ورد أعلاه :)