ذمّ التقليد وأن ّقول العلماء يحتجّ له ولا يحتجّ به!!
فإنّ من الأمور المهمّة في النجاة من الفتن المدلهمّة, هو عدم التعصب الذميم للعلماء من قبل التلاميذ,فإنه مازاد الطين بِلّة,إلا هذا الفعل القبيح,والذي هو ليس بمنهجٍ صحيح,ألا وهو تقليد الطلبةِ لشيوخهم, دون معرفة الحق وتمييزه,بل من باب اتباع الهوى , وِليُعلمَ أنّ العالمَ إنما هو بشرٌ يصيب ويخطئ, وأنه ليس بمعصوم, وانّ قوله ليس بحجة إلاّ إذا أتى بالدليل القاطع من الكتاب والسنّة.
قال عزّ وجلّ(فإن تنازعتم في شيء فرُدّوه إلى الله والرّسول إن كنتم تؤمنونَ باللهِ واليومِ الآخرِ ذلكَ خيرٌ وأحسنُ تأويلاً)
فلم يبح الله عزّ وجلّ لأحد قطّ عند التنازع الرجوع لأيٍ كان إلا لكتاب الله وسنةِ نبيّهِ
وهذا يستفادُ منهُ بأنّ قول العالم يحتجّ له بالدليل ,ولا يحتجّ به.
قلتُ وللأسف ِالشديدِ فإننا في هذه الأيام نرى ونسمعُ كثيراً من العوامِّ عامّةً ومن طلبة العلمِ خاصةً, من يردّون الدليل ويرمون به عُرض الحائطِ,لا لشيء إلّا لأنّه خالف قول شيوخهم,فاللهُ المستعان وعليه التُكلان.
قال عليه الصلاة والسلام( فمن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً,فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين,عضّوا عليها بالنواجذ)
وفيه دليلٌ بأنّ الحجةَ عند الاختلاف تكون بالسنّة, لاغير ذلك من الأقوال.
وهذا للأسف الشديد حاصلٌ اليوم ,فإنك ترى القوم يحتجون بقول ِفلان وقول عِلّانِ
دون الإلتفات لقول الله عزّ وجلّ وقول رسوله الكريم عليه وعلى آله وصحبهِ أفضل الصلوات والتسليمِ.
قال عمر الفاروق رضي الله عنه( ثلاثٌ ٌيهدمن الدين: زلّةُ العالمِ,وجدالُ منافقٍ بالقرآن, وأئمةٌ مضلّون )ابن عبد البر جامع بيان العلم وفضله
ولقد ثبت عن الأئمّةِ الأربعةِ أقوالٌ ٌكثيرةُ في ذمّ التقليدِ أسوقُ لكم بعضها من كتاب
محدّث الأنام,وحسنة الأيامِ, وريحانة الشام ,الشيخ محمد ناصر الألباني, صفة صلاة النبي, صلى الله عليه وسلم.
قال أبو حنيفة النعمان رحمه الله.
(ويحك يا يعقوب! لا تكتب كل ما تسمع منّي, فإنّي أرى الرأي اليوم وأتركه غداً,وأرى الرأي غداً وأتركه بعد غدٍ)
وقال الإمام مالك رحمه الله.
(ليس أحدٌ بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم إلّا ويؤخذ من قوله ويترك,إلا النبيّ عليه الصلاة والسلام)
وقال الشافعيّ رحمه الله.
(إذا صحّ الحديث فهو مذهبي)
وقال أحمد بن حنبل رحمه الله.
(لا تقلّدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعيّ ولا الأوزاعيّ ولا الثوريّ, وخذ من حيث أخذوا)
ثمّ علق الشيخ الألبانيّ قائلاً: تلك هي أقوال الأئمّة رضي الله عنهم في الأمر بالتمسك بالحديث,والنهيِ عن تقليدهم دون بصيرة, وهي من الوضوح والبيان بحيث لا تقبل جدلا ولا تأويلاً,وعليه فإنّ من تمسك بكل ما ثبت في السنّةِ ولو خالف بعض أقوال الأئمّة, لا يكون مبايناً لمذهبهم ولا خارجاً عن طريقتهم, بل هو متبع لهم جميعاً , ومتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها.وليس كذلك من ترك السنّة الثابتة لمجرد مخالفتها لقولهم,بل هو عاصٍ لهم,ومخالف لأقوالهم المتقدمة.
قلت فليعلم من تعصب لقول عالمٍ لهوى أو لمصلحةٍ مع مخالفته للدليل الصحيح,
فإنّه قد خالف إجماع الأمة كلها عن آخرها,واتّبع غير سبيل المؤمنين, نعوذ بالله من هذه المنزلة.
قال الإمام المعلمي اليماني -رحمه الله-:
"و بالجملة فمسالك الهوى أكثر من أن تحصى وقد جربت نفسي أنني ربما أنظر في القضية زاعما أنه لا هوى لي فيلوح لي فيها معنى، فأقرره تقريرا يعجبني، ثم يلوح لي ما يخدش في ذاك المعنى، فأجدني أتبرم بذاك الخادش وتنازعني نفسي إلى تكلف الجواب عنه وغض النظر عن مناقشة ذاك الجواب، وإنما هذا لأني لما قررت ذاك المعنى أولا تقريرا أعجبني صرت أهوى صحته، هذا مع أنه لا يعلم بذلك أحد من الناس، فكيف إذا كنت قد أذعته في الناس ثم لاح لي الخدش؟ فكيف لو لم يلح لي الخدش ولكن رجلا آخر أعترض علي به؟ فكيف كان المعترض ممن أكرهه؟! هذا ولم يكلف العالم بأن لا يكون له هوى؟ فإن هذا خارج عن الوسع، وإنما الواجب على العالم أن يفتش نفسه عن هواها حتى يعرفه ثم يحترز منه ويمعن النظر في الحق من حيث هو حق، فإن بان له أنه مخالف لهواه آثر الحق على هواه. وهذا والله أعلم معنى الحديث الذي ذكره النووي في (الأربعين) وذكر أن سنده صحيح وهو «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به». والعالم قد يقصر في الإحتراس من هواه ويسامح نفسه فتميل إلى الباطل فينصره. وهو يتوهم أنه لم يخرج من الحق ولم يعاده، وهذا لا يكاد ينجو منه إلا المعصوم، وإنما يتفاوت العلماء، فمنهم من يكثر الإسترسال مع هواه، ويفحش حتى يقطع من لا يعرف طباع الناس ومقدار تأثير الهوى بأنه متعمد، ومنهم من يقل ذلك منه ويخف، ومن تتبع كتب المؤلفين الذين لم يسندوا اجتهادهم إلى الكتاب والسنة رأسا رأى فيها العجب العجاب، ولكنه لا يتبين له إلا في المواضع التي لا يكون له فيها هوى، أو يكون هواه مخالفا لما في تلك الكتب، على أنه استرسل مع هواه زعم أن مو