في مقدارِ مسافةِ السترة المُتاحةِ للمسبوق
السؤال:
كم هي المسافةُ التي يستطيعُ أن يَخْطُوَها المسبوقُ لِيَدنُوَ مِن السُّترةِ؟ وبارك اللهُ فيكم.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالسنَّةُ أَنْ يَتَّخِذ المُصَلِّي سُتْرَةً يدنو منها لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تُصَلِّ إِلَّا إِلَى سُتْرَةٍ...»(١)، وفي حديثٍ آخَرَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا...»(٢).
وهذا الحكمُ خاصٌّ بالإمام والمُنْفَرِدِ، أمَّا المأمومُ فسترةُ الإمامِ له سترةٌ؛ فلا يَضُرُّهُ مَن مرَّ بين يَدَيْهِ لحديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «جِئْتُ أَنَا وَالفَضْلُ عَلَى أَتَانٍ وَرَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، فَمَرَرْنَا عَلَى بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْنَا فَتَرَكْنَاهَا تَرْتَعُ...»(٣)، وفي روايةٍ: أنَّ الأَتَانَ مَرَّتْ «بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ الأَوَّلِ»(٤).
هذا، والمسبوقُ بعد انصرافِ إمامه مِن الصلاةِ لا يبقى مأمومًا، وإنما يَصِيرُ مُنْفَرِدًا، ويُستحَبُّ له أن ينحازَ إلى سترةٍ قريبةٍ منه يمينًا أو شِمالًا، أو إلى الخلفِ يُقَهْقِرُ قليلًا، أمَّا إن كان بعيدًا أقام مكانَه ودَرَأَ المَارَّ ما أمكن، وبهذا قال مالكٌ ـ رحمه الله ـ وغيرُه.
أمَّا ضابطُ القُرْبِ مِن السترة التي يريد الانحيازَ إليها والدُّنُوَّ منها فهي ـ في تقديري ـ لا تعدو أربعةَ أمتارٍ تقريبًا؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ «ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ»(٥)، وكَانَ إِذَا صَلَّى وَ«جَاءَتْ شَاةٌ تَسْعَى بَيْنَ يَدَيْهِ فَسَاعَاهَا [أَيْ: سَابَقَهَا] حَتَّى أَلْزَقَ بَطْنَهُ بِالحَائِطِ» ومرَّتْ مِنْ ورائه(٦).
والذراعُ مقياسٌ، أَشْهَرُ أنواعِه: الذراعُ الهاشمية، وهي تُمَثِّل: اثنين وثلاثين إِصبعًا، أي: ما يساوي أربعةً وستِّين سنتمترًا، فإذا ضَرَبْتَ الذراعَ في سِتَّةٍ ذهابًا وإيابًا تحصَّلْتَ على مسافةِ ثلاثةِ أمتارٍ وأربعةٍ وثمانين سنتمترًا، أي: أربعة أمتارٍ تقريبًا.
وعليه، يتقرَّر ضابطُ القُرْبِ للمُصَلِّي المسبوقِ ودُنُوِّه مِن السترة.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٢ مِن المحرَّم ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٣١ يناير ٢٠٠٧م
(١) أخرجه ابنُ حبَّان في «صحيحه» (٢٣٦٢)، وابنُ خُزَيمة في «صحيحه» (٨٠٠)، مِن حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صفة الصلاة» (٨٢).
(٢) أخرجه أبو داود في «الصلاة» بابُ ما يُؤمَرُ المُصَلِّي أن يَدْرَأَ عن المَمَرِّ بين يديه (٦٩٨)، وابنُ ماجه في «إقامة الصلاة» باب: ادْرَأْ ما استطَعْتَ (٩٥٤)، مِن حديث أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه. وصحَّحه النوويُّ في «الخُلاصة» (١/ ٥١٨)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٤١).
(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «العلم» باب: متى يصحُّ سماعُ الصغير؟ (٧٦)، ومسلمٌ في «الصلاة» (٥٠٤)، واللفظُ للحُمَيْديِّ في «مسنده» (٤٨١)، مِن حديث ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(٤) أخرجه البخاريُّ في «جزاء الصيد» بابُ حجِّ الصبيان (١٨٥٧) مِن حديث ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(٥) أخرجه البخاريُّ في «الصلاة» بابُ الصلاةِ بين السواري في غيرِ جماعةٍ (٥٠٦) مِن حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(٦) أخرجه الطبرانيُّ في «الكبير» (١١/ ٣٣٨)، وابنُ خُزَيْمة في «صحيحه» (٨٢٧)، والحاكمُ في «المستدرَك» (٩٣٤)، مِن حديث ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صفة الصلاة» (٨٣)، والوادعيُّ في «الصحيح المسند» (٦٢٢).
فتاوى الشيخ فركوس:
قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss
السؤال:
كم هي المسافةُ التي يستطيعُ أن يَخْطُوَها المسبوقُ لِيَدنُوَ مِن السُّترةِ؟ وبارك اللهُ فيكم.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالسنَّةُ أَنْ يَتَّخِذ المُصَلِّي سُتْرَةً يدنو منها لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تُصَلِّ إِلَّا إِلَى سُتْرَةٍ...»(١)، وفي حديثٍ آخَرَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا...»(٢).
وهذا الحكمُ خاصٌّ بالإمام والمُنْفَرِدِ، أمَّا المأمومُ فسترةُ الإمامِ له سترةٌ؛ فلا يَضُرُّهُ مَن مرَّ بين يَدَيْهِ لحديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «جِئْتُ أَنَا وَالفَضْلُ عَلَى أَتَانٍ وَرَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، فَمَرَرْنَا عَلَى بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْنَا فَتَرَكْنَاهَا تَرْتَعُ...»(٣)، وفي روايةٍ: أنَّ الأَتَانَ مَرَّتْ «بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ الأَوَّلِ»(٤).
هذا، والمسبوقُ بعد انصرافِ إمامه مِن الصلاةِ لا يبقى مأمومًا، وإنما يَصِيرُ مُنْفَرِدًا، ويُستحَبُّ له أن ينحازَ إلى سترةٍ قريبةٍ منه يمينًا أو شِمالًا، أو إلى الخلفِ يُقَهْقِرُ قليلًا، أمَّا إن كان بعيدًا أقام مكانَه ودَرَأَ المَارَّ ما أمكن، وبهذا قال مالكٌ ـ رحمه الله ـ وغيرُه.
أمَّا ضابطُ القُرْبِ مِن السترة التي يريد الانحيازَ إليها والدُّنُوَّ منها فهي ـ في تقديري ـ لا تعدو أربعةَ أمتارٍ تقريبًا؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ «ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ»(٥)، وكَانَ إِذَا صَلَّى وَ«جَاءَتْ شَاةٌ تَسْعَى بَيْنَ يَدَيْهِ فَسَاعَاهَا [أَيْ: سَابَقَهَا] حَتَّى أَلْزَقَ بَطْنَهُ بِالحَائِطِ» ومرَّتْ مِنْ ورائه(٦).
والذراعُ مقياسٌ، أَشْهَرُ أنواعِه: الذراعُ الهاشمية، وهي تُمَثِّل: اثنين وثلاثين إِصبعًا، أي: ما يساوي أربعةً وستِّين سنتمترًا، فإذا ضَرَبْتَ الذراعَ في سِتَّةٍ ذهابًا وإيابًا تحصَّلْتَ على مسافةِ ثلاثةِ أمتارٍ وأربعةٍ وثمانين سنتمترًا، أي: أربعة أمتارٍ تقريبًا.
وعليه، يتقرَّر ضابطُ القُرْبِ للمُصَلِّي المسبوقِ ودُنُوِّه مِن السترة.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٢ مِن المحرَّم ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٣١ يناير ٢٠٠٧م
(١) أخرجه ابنُ حبَّان في «صحيحه» (٢٣٦٢)، وابنُ خُزَيمة في «صحيحه» (٨٠٠)، مِن حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صفة الصلاة» (٨٢).
(٢) أخرجه أبو داود في «الصلاة» بابُ ما يُؤمَرُ المُصَلِّي أن يَدْرَأَ عن المَمَرِّ بين يديه (٦٩٨)، وابنُ ماجه في «إقامة الصلاة» باب: ادْرَأْ ما استطَعْتَ (٩٥٤)، مِن حديث أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه. وصحَّحه النوويُّ في «الخُلاصة» (١/ ٥١٨)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٤١).
(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «العلم» باب: متى يصحُّ سماعُ الصغير؟ (٧٦)، ومسلمٌ في «الصلاة» (٥٠٤)، واللفظُ للحُمَيْديِّ في «مسنده» (٤٨١)، مِن حديث ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(٤) أخرجه البخاريُّ في «جزاء الصيد» بابُ حجِّ الصبيان (١٨٥٧) مِن حديث ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(٥) أخرجه البخاريُّ في «الصلاة» بابُ الصلاةِ بين السواري في غيرِ جماعةٍ (٥٠٦) مِن حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(٦) أخرجه الطبرانيُّ في «الكبير» (١١/ ٣٣٨)، وابنُ خُزَيْمة في «صحيحه» (٨٢٧)، والحاكمُ في «المستدرَك» (٩٣٤)، مِن حديث ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صفة الصلاة» (٨٣)، والوادعيُّ في «الصحيح المسند» (٦٢٢).
فتاوى الشيخ فركوس:
قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss