فتاوى الشيخ فركوس


Kanal geosi va tili: ko‘rsatilmagan, ko‘rsatilmagan
Toifa: ko‘rsatilmagan


قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس

Связанные каналы

Kanal geosi va tili
ko‘rsatilmagan, ko‘rsatilmagan
Toifa
ko‘rsatilmagan
Statistika
Postlar filtri


لقوله تعالى: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ‌ۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ١﴾ [الحُجُرات]، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»(٨)، وفي روايةٍ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»(٩)؛ قال القاضي عبد الوهَّاب المالكيُّ ـ رحمه الله ـ: «لا تفتقر إقامةُ الجمعة إلى سلطانٍ، خلافًا لأبي حنيفة؛ لقوله تعالى: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ﴾ [الجمعة: ٩]، ولم يشترط إِذنَ السلطان؛ وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «الجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»(١٠)؛ ولأنَّ ذلك إجماعُ الصحابة؛ لأنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ رضي الله عنه صلَّى بالناس الجُمُعةَ وعثمانُ رضي الله عنه محصورٌ، وكان الإمامُ عثمانَ ولم يُذكَر أنه استأذنَه وقد كان قادرًا على ذلك؛ وقد كان سعيد بنُ العاص أميرَ المدينة فأخرجوه منها وجاء أبو موسى الأشعريُّ فصلَّى بالناس الجُمُعةَ؛ ورُوِيَ أنَّ الوليد كان أميرًا بالكوفة فأخَّر الجُمُعةَ تأخيرًا شديدًا فصلَّى ابنُ مسعودٍ بالناس؛ فكُلُّ ذلك أمرٌ ظاهرٌ مشهورٌ لم يَجْرِ فيه نكيرٌ؛ ولأنه صلاةٌ فلم يكن مِنْ شرطِ إقامَتِها الإمامُ كسائر الصلوات؛ ولأنها عبادةٌ على البدل كالحجِّ»(١١).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٣ رجب ١٤٤١ﻫ
الموافق ﻟ: ١٨ مارس ٢٠٢٠م


(١) انظر: «الإجماع» لابن المنذر (٢٦).

(٢) انظر: «الإنصاف» للمرداوي (٢/ ٢٦٥)، «طرح التثريب» للعراقي (٣/ ١٩٠).

(٣) انظر: «المقدِّمات الممهِّدات» لابن رشد (١/ ٢٢٢)، «التوضيح لابن الحاجب» للخليل بنِ إسحاق (٢/ ٥٤)، «التنبيهات المُستنبَطة» للقاضي عياض (١/ ٢٥٥).

(٤) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (٥٠٦٨)، قال ابنُ حجرٍ في «فتح الباري» (٢/ ٣٨٠): «صحَّحه ابنُ خزيمة»، وقال الألبانيُّ في «الضعيفة» (٢/ ٣١٨): «إسناده صحيحٌ على شرط الشيخين»، وانظر:«الإرواء» (٣/ ٦٦).

(٥) «السيل الجرَّار» للشوكاني (١/ ٢٩٨).

(٦) ذَكَر ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ في «فتح الباري» (٢/ ٤٢٣) اختلافَ العلماء في تقدير العدد، حيث بلغَتْ خمسةَ عَشَرَ قولًا ليس لأيٍّ منها دليلٌ يستند إليه إلَّا قولَ مَنْ قال: تنعقد الجمعةُ بما تنعقد به سائرُ الجماعات؛ وانظر ـ أيضًا ـ: «السيل الجرَّار» للشوكاني (١/ ٢٩٨).

(٧) «السيل الجرَّار» للشوكاني (١/ ٢٩٧).

(٨) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأحكام» باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصيةً (٧١٤٥)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٠)، مِنْ حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه.

(٩) أخرجه أحمد في «مُسنَدِه» (١٠٩٥) مِنْ حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٧٥١٩).

(١٠) أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (٨/ ٣٢١)، والبيهقيُّ في «سُنَنه الكبرى» (٥٦٣٢)، مِنْ حديثِ طارق بنِ شهابٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (٥٩٢) و«صحيح الجامع» (٣١١٣).

(١١) «الإشراف على نُكَت مسائل الخلاف» للقاضي عبد الوهَّاب (١/ ٣٢٠ ـ ٣٢٢).

شاركوا معنا في نشر الرابط فإن الدال على الخير كفاعله

  فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss


الجمعة 25 رجب 1441 هـ الموافق لـ 20 مارس 2020 م 10:42:27

  

جديد


الرئيسة » في حكم الجمعة في الأبنية حالَ العجز عن أدائها في المسجد الجامع

التبويب الفقهي للفتاوى: فتاوى الصلاة > الجمعة

الفتوى رقم: ١٢٣١

الصنف: فتاوى الصلاة ـ صلاة الجمعة

في حكم الجمعة في الأبنية حالَ العجز عن أدائها في المسجد الجامع

السؤال:

تَفاجَأْنا ـ نحن عامَّةَ المُلتزِمين بالصلاة في المساجد ـ بصدورِ قرارٍ وزاريٍّ بغلقِ كافَّةِ المساجد على مستوى القُطر كإجراءٍ احترازيٍّ خوفًا مِنِ انتقالِ فيروسِ «كورونا»، فما حكمُ الجمعة حالتَئذٍ؟ هل نُصلِّيها ـ ظهرًا ـ في البيوت؟ أم يجوز أَنْ نُقِيمها جمعةً ولو بعددٍ لا يتجاوز خمسةَ أفرادٍ وبدونِ إذنِ وليِّ الأمر في مَنازِلِنا وأبنِيَتِنا؟ أم أنَّها لا تصحُّ إلَّا في المساجد الجامعة، وبعددٍ مخصوصٍ، وبشرطِ ترخيصِ وليِّ الأمر؟ نرجو البيانَ والتفصيل. وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فقَدْ أَجمعَ العلماءُ على فَرْضِيَّة الجمعة لقوله تعالى: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَ‌ۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٩﴾ [الجمعة]، ويستثنى مِنْ فرضيَّتِها ما استثناهُ الدليلُ كالصبيِّ والمرأة والمملوك والمريض والمسافر وسائرِ أهل الأعذار(١)، فمَنْ أقامها ـ مِنْ هؤلاء ـ وشَهِدها صحَّتْ منه وأسقطت فَرْضَ الظهر عنه.

والسُّنَّة أَنْ تُؤدَّى الجمعةُ في مسجدٍ جامعٍ على نحوِ ما كانت عليه تُصلَّى في عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وفي عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، إذ لم تكن تُؤدَّى إلَّا في مسجده الجامع، وتتوقَّف بقيَّةُ المساجد، غيرَ أنه لا يُشترَط اختصاصُ الجمعة بمسجدٍ أو بجامعٍ كما هو مذهبُ الجمهور(٢) خلافًا للمالكيَّة(٣)؛ لأنَّ الجمعة لا تختلف عن غيرها مِنْ صلوات الجماعة المكتوبة إلَّا في مشروعيَّة الخُطبة قبلها؛ لذلك تصحُّ كما تصحُّ سائرُ الصلوات في كُلِّ مكانٍ أمكنَ أَنْ يجتمع الناسُ فيه سواءٌ في المُدُن أو في القرى أو في البادية ولو في أبنيةٍ متفرِّقةٍ، وخاصَّةً إذا كان الناسُ عاجزين عن الصلاة في المسجد الجامع لسببٍ أو لآخَرَ، فيَسَعُهم ـ حينَئذٍ ـ أَنْ يصلُّوا في الأبنية المتفرِّقة أو في مكانٍ مخصوصٍ للصلوات الخمس أو لغيرها؛ لقول عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه: «جَمِّعُوا حَيْثُ كُنْتُمْ»(٤)؛ قال الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ مُعقِّبًا على مَنِ اشترط شرطَ: مسجدٍ في مستوطنٍ بما نصُّه: «وهذا الشرطُ ـ أيضًا ـ لم يدلَّ عليه دليلٌ يصلح للتمسُّك به لمجرَّد الاستحباب فضلًا عن الشرطيَّة، ولقد كَثُرَ التلاعبُ بهذه العبادةِ وبَلَغ إلى حدٍ تقضي منه العَجَبَ؛ والحقُّ أنَّ هذه الجمعةَ فريضةٌ مِنْ فرائض الله سبحانه، وشعارٌ مِنْ شعارات الإسلام، وصلاةٌ مِنَ الصلوات؛ فمَنْ زَعَم أنه يُعتبَرُ فيها ما لا يُعتبَرُ في غيرها مِنَ الصلوات لم يُسمَعْ منه ذلك إلَّا بدليلٍ؛ وقد تخصَّصَتْ بالخُطبة، وليسَتِ الخُطبةُ إلَّا مجرَّدَ موعظةٍ يتواعظ بها عبادُ الله؛ فإذا لم يكن في المكان إلَّا رجلان قام أحَدُهما يخطب واستمع له الآخَرُ، ثمَّ قامَا فصَلَّيَا صلاةَ الجمعة»(٥).

ولا يُشترَط لصحَّة الجمعةِ العددُ سِوى ما تُقامُ به الجماعة وأقلُّه اثنان(٦)، فإِنْ لم يكن في المكان سوى اثنين فخَطَب أحَدُهما واستمع له الآخَرُ ثمَّ صلَّيَا صلاةَ الجمعة ـ كما تقدَّم ـ صَحَّتْ منهما وأسقطَتْ عنهما فَرْضَ الظهر؛ قال الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ أيضًا: «والحاصل: أنَّ صلاة الجماعة قد صحَّتْ بواحدٍ مع الإمام، وصلاةُ الجمعة هي صلاةٌ مِنَ الصلوات؛ فمَنِ اشترط فيها زيادةً على ما تنعقد به الجماعةُ فعليه الدليلُ ولا دليلَ؛ وقد عرَّفْناك غيرَ مرَّةٍ أنَّ الشروط إنما تَثْبُتُ بأدلَّةٍ خاصَّةٍ تدلُّ على انعدام المشروط عند انعدام شرطه؛ فإثباتُ مِثلِ هذه الشروطِ بما ليس بدليلٍ أصلًا ـ فضلًا عن أَنْ يكون دليلًا على الشرطيَّة ـ مجازفةٌ بالغةٌ وجرأةٌ على التقوُّل على الله وعلى رسوله وعلى شريعته؛ والعجبُ مِنْ كثرة الأقوال في تقدير العدد حتَّى بلغَتْ إلى خمسةَ عَشَرَ قولًا، وليس على شيءٍ منها دليلٌ يُستدَلُّ به قطُّ إلَّا قولَ مَنْ قال: إنها تنعقد جماعةُ الجمعة بما تنعقد به سائرُ الجماعات»(٧).

ولا يُشترَط ـ أيضًا ـ إذنُ الحاكم لإقامة الجمعة وإِنِ اشترطه الحنفيَّةُ، ولا دليلَ على هذا الشرط، إذ لا اعتبارَ للشروط إلَّا ما قام عليه الدليلُ مِنْ كتابٍ أو سُنَّةٍ أو إجماعِ المسلمين.

أمَّا عند المالكيَّة فيُستحَبُّ استئذانُ الحاكم، فإِنْ مَنَع وأُمِنَتِ المفسدةُ لم يُلتفَتْ إلى منعِه وأُقِيمَتِ الجمعةُ وجوبًا؛ تقديمًا لأوامر الشرع على كلام الحاكم؛


في الإسراع لإدراك الصلاة

السؤال:

ما حكم الذهاب إلى المسجد على متن الدراجة الهوائية، علما أنّه يدخل الصلاة وهو يلهث؟ وإذا صلى على هذه الحال هل تعد صلاته صحيحة؟

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

فلا مانع من الذهاب إلى المسجد بوسيلة المركوب أو بالمشي لثبوت ذلك في السنة، وقد طاف صلى الله عليه وآله وسلم بالبيت وهو على ناقته(١)، غير أنَّ الإسراع في إدراك الصلاة منهيٌّ عنه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلاَ تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا»(٢)، والحديث -وإن ورد النهي فيه عند الإقامة- إلاَّ أنه ثبت ما يدلُّ على النهي عن الإسراع قبل الإقامة -أيضًا- لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا»(٣)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «...فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلاَةِ فَهُوَ فِي صَلاَةٍ»(٤)، ولا شكَّ أنَّ الإسراع ينافي السكينةَ والوقار، وقد نبَّه بذلك على أنَّه لو لم يُدرك من الصلاة شيئا لكان محصِّلاً لمقصوده لكونه في صلاة، فضلاً عن أنَّ ذهابه إلى المسجد ماشيًا وعدم الإسراع يستلزم كثرة الخطوات وهو معنى مقصودٌ لذاته كما صحَّ في حديث أنَّ: «بِكُلِّ خُطْوَةٍ دَرَجَةً»(٥) وفي رواية أخرى: «...لَمْ يَرْفَعْ قَدَمَهُ الْيُمْنَى إِلاَّ كَتَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ حَسَنَةً وَلَمْ يَضَعْ قَدَمَهُ الْيُسْرَى إِلاَّ حَطَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ سَيِّئَةً»(٦) الحديث. والصلاة صحيحة لكون الإسراع منفكًّا عنها.

والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.

الجزائر في: ٨ جمادى الأولى ١٤٢٧ﻫ
المـوافق ﻟ: ٤ جـوان ٢٠٠٦م

 

(١) أخرجه البخاري في الحج (١٦١٢)، ومسلم في «الحج» (١٢٧٢)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(٢) أخرجه البخاري في الأذان (٦٣٦)، ومسلم (٦٠٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٣) أخرجه البخاري في الأذان (٦٣٥)، ومسلم (٦٠٣)، من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.

(٤) أخرجه مسلم في «المساجد ومواضع الصلاة» (٦٠٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٥) أخرجه مسلم في «المساجد» (٦٦٤)، من حديث جابر رضي الله عنه.

(٦) أخرجه أبو داود في «الصلاة» (٥٦٣)، عن رجل من الأنصار رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (٤٤٠).

  

   فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss




في مشروعية أذكار السجود في سجود السهو

السـؤال:

هل يُشْرَعُ الإتيانُ بأذكارِ السجودِ في سجودِ السهوِ؟

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:

فيُشْرَع للساهي في صلاتِه أنْ يقولَ في سجودِ السهوِ ما يقوله في سجودِ صُلْب الصلاة؛ لأنَّه سجودٌ يشْمَلُه عمومُ النصوصِ الواردةِ في السجود وصفاتِه وما يتعلَّق به من أذكارٍ، ويُسْتَحَبُّ له ذلك، غيرَ أنه يُنْهى عن القرآنِ في الركوعِ والسجودِ، لقولِه صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «أَلاَ وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ»(١).

والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٤ذي الحجَّة ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٤ يناير ٢٠٠٦م

(١) أخرجه مسلم في «الصلاة» (٤٧٩) من حديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما.

  

   فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss




ة مِنْ غيرِ إحراجٍ للمصلِّين.

هذا، وتقريرُ جوازِ ما تَقدَّمَ مبنيٌّ على عدمِ حُرمة الكلام أثناءَ الخُطبة إذا اقترن الوضعُ بالحاجة؛ فقَدْ ثَبَتَ في وقائعَ متعدِّدةٍ أَنْ كَلَّم فيها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعضَ الصحابة وكلَّموه ـ حالَ الخُطبة ـ فيما فيه مصلحةٌ وتعلُّمٌ؛ ففي قصَّةِ سُلَيْكٍ الغَطَفَانِيِّ رضي الله عنه لَمَّا دَخَلَ المسجدَ فجَلَسَ ـ والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب ـ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ؟» قَالَ: «لَا»، قَالَ: «قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ»(١٠)، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «وفي هذه الأحاديثِ ـ أيضًا ـ جوازُ الكلام في الخُطبة لحاجةٍ، وفيها جوازُه للخطيب وغيرِه، وفيها الأمرُ بالمعروف والإرشادُ إلى المصالح في كُلِّ حالٍ وموطنٍ»(١١).

وإذا جاز تكلُّمُ غيرِ الإمام في خُطبة الجمعة لحاجةٍ أو مصلحةٍ معتبَرةٍ شرعًا مع كونِ الكلام أصلًا في بيان المَقاصِدِ والأغراض؛ فإنَّ تحقيقَ المصلحة بالاقتصار على الإشارة ـ كفرعٍ يُنَزَّل منزلةَ الكلام ـ يجوز مِنْ بابٍ أَوْلى، ويدلُّ عليه حديثُ أنسٍ رضي الله عنه أنه: «دَخَلَ رَجُلٌ المَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم عَلَى المِنْبَرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟» فَأَشَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ: أَنِ اسْكُتْ، فَسَأَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ أَنِ اسْكُتْ...»(١٢).

ففيه جوازُ الأمر بالمعروف والنهيِ عن المُنْكَرِ بالإشارة، قال ابنُ قدامة ـ رحمه الله ـ: «وإذا سَمِعَ الإنسانُ متكلِّمًا لم يَنْهَهُ بالكلام؛ لقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: «أَنْصِتْ» ـ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ ـ فَقَدْ لَغَوْتَ»، ولكِنْ يشير إليه، نصَّ عليه أحمدُ؛ فيضع أصبعَه على فيه، وممَّنْ رأى أَنْ يشير ولا يتكلَّم: زيدُ بنُ صُوحانَ وعبدُ الرحمن بنُ أبي ليلى والثوريُّ والأوزاعيُّ وابنُ المنذر، وكَرِهَ الإشارةَ طاوسٌ. ولنا أنَّ الذي قال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «متى الساعة؟» أَوْمَأَ الناسُ إليه بحضرة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالسكوت، ولأنَّ الإشارة تجوز في الصلاة التي يُبْطِلها الكلامُ؛ ففي الخُطبة أَوْلى»(١٣).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٦ صفـر ١٤٣٢ﻫ
الموافق ﻟ: ١٠ يناير ٢٠١٢م

 

(١) أخرجه مسلمٌ في «الجمعة» (٨٦٥) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم.

(٢) أخرجه ابنُ حبَّان (١٢٢٠)، وأبو داود في «الطهارة» بابٌ في الغُسل يومَ الجمعة (٣٤٢)، وأخرج أوَّلَه بمعناهُ النسائيُّ في «الجمعة» باب التشديد في التخلُّف عن الجمعة (١٣٧١)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر عن حفصة رضي الله عنهم. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع الصغير» (٤٠٣٦).

(٣) أخرجه أبو داود في «الصلاة» باب الجمعة للمملوك والمرأة (١٠٦٧) مِنْ حديثِ طارق بنِ شهابٍ رضي الله عنه. وصحَّحه ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٤/ ٦٣٧)، والألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (٩٧٨).

(٤) أخرجه الدارقطنيُّ في «سننه» (١٥٨٢) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٥٤٠٥).

(٥) أخرجه البخاريُّ في «الجمعة» باب الإنصات يومَ الجمعة والإمامُ يخطب (٩٣٤)، ومسلمٌ في «الجمعة» (٨٥١)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٦) قال ابنُ الأثير في «النهاية» (٥/ ٦٢): «يقال: أَنْصَتَ يُنْصِتُ إنصاتًا: إذا سَكَتَ سكوتَ مُستمِعٍ».

(٧) أخرجه مالكٌ في «الموطَّإ» (٢/ ١٤٤) واللفظُ له، والبيهقيُّ (٥٨٣٥). وصحَّحه الأرناؤوط في تحقيقه ﻟ: «جامع الأصول» (٥/ ٦٨٦).

(٨) أخرجه أبو داود في «الصلاة» باب الكلامِ والإمامُ يخطب (١١١٣) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمرٍو رضي الله عنهما. وصحَّح إسنادَه ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٤/ ٦٨٣)، وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (١٠١٩).

(٩) «الأمُّ» للشافعي (١/ ٢٣٤).

(١٠) أخرجه البخاريُّ دون ذِكْرِ اسْمِ الجائي في «الجمعة» باب: إذا رأى الإمامُ رجلًا جاء وهو يخطب أَمَرَه أَنْ يصلِّيَ ركعتين (٩٣٠)، ومسلمٌ بنحوه في «الجمعة» (٨٧٥)، مِنْ حديثِ جابرٍ رضي الله عنه.

(١١) «شرح مسلم» للنووي (٦/ ١٦٤).

(١٢) انظر: «صحيح ابنِ خزيمة» (١٧٩٦)، و«السنن الكبرى» للبيهقي (٥٨٣٧).

(١٣) «المغني» لابن قدامة (٢/ ٣٢٣).

 

  فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss


في حكم استعمالِ لغة الإشارة للصُّمِّ البُكْم
أثناءَ خُطبة الجمعة

السؤال:

يحتاج الصُّمُّ والبُكْم ـ في فهمِ خُطبة الجمعة ـ إلى لغة الإشارة، فهل يجوز لمَنْ يُحْسِن استعمالَ هذه اللغةِ أَنْ يُترجِمَ لهم خُطبةَ الخطيب أو ـ على الأقلِّ ـ خطوطَها العريضةَ، بحيث يكون على مَقْرُبةٍ مِنَ الخطيب وبمَرْأًى مِنَ المصلِّين؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالأصمُّ الأبكم البالغ مِنَ الذكورِ المتمتِّعُ بقُواهُ العقلية ليس مستثنًى مِنَ الجمعة، بل يدخل في جملةِ مَنْ يجب عليه شهودُها في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَ ﴾[الجمعة: ٩]، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الغَافِلِينَ»(١)، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ رَوَاحُ الجُمُعَةِ، وَعَلَى مَنْ رَاحَ الغُسْلُ»(٢).

فإِنْ كان العاجزُ عن السماع صبيًّا أو امرأةً أو مريضًا أو مسافرًا أو مِنْ عمومِ أهل الأعذار فإنه يُستثنى ممَّنْ تجب عليهم الجمعةُ؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ»(٣)، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَيْسَ عَلَى المُسَافِرِ جُمُعَةٌ»(٤)، وكذا للأحاديث المتعلِّقةِ بأهل الأعذار، فإِنْ صلَّاها أحَدُهم صحَّتْ منه جمعةً وأَسْقطَتْ عنه فَرْضَ الظهر.

هذا، والذي تقضي به النصوصُ الحديثية: الأمرُ بالإنصات للخُطبة لمَنْ شَهِدها، وعدمِ الكلام أثناءَها، منها: حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ: «أَنْصِتْ» ـ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ ـ فَقَدْ لَغَوْتَ»(٥).

والعاجز عن السماع غيرُ مكلَّفٍ بالسماع؛ لأنه لا يدخل تحت قدرته؛ إذ: «لَا تَكْلِيفَ إِلَّا بِمَقْدُورٍ»، وإنما هو ـ وسائرَ الحاضرين ـ مأمورٌ بالإنصات الذي هو السكوتُ وتركُ الكلام(٦)، سواءٌ كان قريبًا مِنَ الخطيب يسمعه، أو بعيدًا عنه لا يسمعه، أو قريبًا فاقدًا لحاسَّة السمع؛ فهُمْ سواءٌ في الحظِّ، فقَدْ روى البيهقيُّ ـ رحمه الله ـ عن مالكِ بنِ أبي عامرٍ أنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ ـ قَلَّ مَا يَدَعُ ذَلِكَ إِذَا خَطَبَ ـ: «إِذَا قَامَ الإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَاسْمَعُوا وَأَنْصِتُوا؛ فَإِنَّ لِلْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِنَ الحَظِّ مِثْلَ مَا لِلْمُنْصِتِ السَّامِعِ»(٧)، وعن عبد الله بنِ عمرٍو رضي الله عنهما عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «يَحْضُرُ الجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ: رَجُلٌ حَضَرَهَا يَلْغُو وَهُوَ حَظُّهُ مِنْهَا، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو؛ فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا؛ فَهِيَ كَفَّارَةٌ إِلَى الجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَا﴾[الأنعام: ١٦٠]»(٨)، قال الشافعيُّ ـ رحمه الله ـ: «ومَنْ لم يسمع الخُطبةَ أحبَبْتُ له مِنَ الإنصات ما أحبَبْتُه للمُستمِع»(٩).

وإذا تَقرَّرَ حصولُ أجرِ الجمعة للبعيد المُنْصِتِ الذي لا يسمع الخطيبَ وكذا القريبِ الفاقد لحاسَّة السمع؛ فإنه ترتفع عنه المطالَبةُ والتكليف، إلَّا إذا ابتغى أحَدُهما فهمًا للخُطبة وأَمْكَنَ ترجمتُها بالإشارة بعد انتهاء الجمعة ـ إسعافًا للأصمِّ الأبكم ـ لَكان حَسَنًا.

أمَّا إذا كانَتْ مصلحةُ الصُّمِّ البُكْمِ مُلِحَّةً في خطابهم بما يفهمون، والاستفادةِ مِنْ مقاصد الخُطبة التربوية ومراميها التوجيهية تحصيلًا للنفع، ومشارَكةِ المُستمِعين في فهمِ مضامين الخُطبة؛ فأرجو أَنْ تصحَّ مخاطَبتُهم بِلُغة الإشارة إذا ما اجتمع أفرادٌ مِنَ الصُّمِّ البُكْم في قاعةٍ داخِلَ المسجد تُخصَّصُ لهم ـ يومَ الجمعة ـ يرَوْن المترجِمَ دون سائرِ المصلِّين؛ إذ لا يجوز للمترجِم بالإشارة أَنْ يقوم أمامَ المصلِّين ولا بالقرب مِنَ الخطيب؛ لأنه يشغل المصلِّين ويشوِّش عليهم بكثرةِ حركاته؛ لِمَا فيه مِنْ أذَى المسلمين وصَدِّهم عن الخُطبة كما لا يخفى، إلَّا إذا كان لذَوِي هذه العاهةِ مسجدٌ داخِلَ المراكز الخاصَّة بالعناية بالصُّمِّ البُكْم؛ فله أَنْ يُترجِمَ لهم مضامينَ الخُطبة بالإشار




في حكم إمامة الألثغ

السـؤال:

جاء في كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة» لابن الجزيري(١)، تحت عنوان: «حكم إمامة من بلسانه لثغ ونحوه» ما يلي: «...ومن هذا تعلم أنَّ المالكية لا يشترطون لصحة الإمامة أن يكون لسان الإمام سليمًا».

وقد جاء في فتواكم (برقم: ٧١) من فتاوى الصلاة: «في حكم إمامة من يلحن في القراءة» قولكم: «..أمَّا مذهب المالكية فلا تصحُّ إمامة اللحان في الفاتحة أو في غيرها». فهل هناك فرق بين من يحيل المعنى غير متعمِّد في ذلك، مع من يكون لسانه غيرَ سليم ؟

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فاعلم -وفَّقك الله- أنه يوجد فرقٌ بين العامد والساهي والعاجز والألثغ، أمَّا إمامة من يتعمَّد اللَّحن فحرام، فلا تصحُّ صلاته، وصلاة من خلفه باتفاق المذهب المالكي(٢)، كما اتفق أهل المذهب على صِحَّة صلاة الساهي والعاجز طبعًا الذي لا يقبل التعليم.

وأمَّا صلاة الألثغ وإمامته فصحيحة على الأظهر لعجزه عن النطق السليم، لقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأمْرٍ فَأتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»(٣)، وقيل: غير ذلك، ويختلفون في إمامة الجاهل وغيره ممَّن يقبل التعليم، وكذا في اللحن الجَلِّي والخفي على أقوالٍ ستة في المذهب، ومن هذه الأقوال: عدمُ صحةِ إمامة اللحان سواء كان لحنه في الفاتحة أو في غيرها، وقد نقل هذا القول ابن رشد في «البيان والتحصيل»(٤)، والصاوي في «بلغة السالك لأقرب المسالك»(٥)، ومحمَّد عليش في «شرح منح الجليل»(٦)، ومحمَّدُ بنُ عَرَفَةَ الدُّسُوقِيُّ في «حاشية الشرح الكبير» للدردير ومعه تقريرات محمَّد عليش(٧).

وحاصل المسألة يذكرها الدُّسوقي بقوله: «أنَّ اللاَّحن إن كان عامدًا بَطَلت صلاتُه وصلاةُ من خَلْفه باتفاق، وإن كان ساهيًا صَحَّت باتِّفاق، وإن كان عاجزًا طبعًا لا يقبل التعليم فكذلك لأنَّه ألكنُ، وإن كان جاهلاً يقبل التعليم فهو محلُّ خلاف سواءٌ أمكنه التعلُّم أم لا، وسواء أمكنه الاقتداء بمن لا يَلْحَنُ أم لا، وإنَّ أرجح الأقوال فيه صِحَّةُ صلاةِ مَن خلفه وأحرى صلاتَهُ هو لاتِّفاق اللخميِّ وابنِ رشدٍ عليها.

وأمَّا حكم الاقتداء على الاقتداء باللاحن فبالعامد حرام، وبالألكن جائز، وبالجاهل مكروه إن لم يجد من يقتدي به، وإلاَّ فحرام كما يدلُّ عليه النقل، ولا فَرْقَ بين اللحن الجليِّ والخفيِّ في جميع ما تقدم»(٨).

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٣٠ صفر ١٤٣١ﻫ
الموافق ﻟ: ١٤ فبراير ٢٠١٠م

(١) (١/ ٤١٣) دار المعارف.

(٢) وهذا –أيضًا- باتفاق المذاهب الأربعة. [انظر: «حاشية الدسوقي» (١/ ٣٢٩)، «الإنصاف» للمرداوي (٢/ ٢٦٢)، «مغني المحتاج» للشربيني (١/ ٢٤٠)، و«الفتاوى الهندية» للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند (١/ ٨١)].

(٣) أخرجه البخاري في «الاعتصام بالكتاب والسنة» (٣/ ٥١٩) باب الاقتداء بسنن رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، ومسلم في «الحج» (١/ ٦٠٨) رقم (١٣٣٧)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٤) (١/ ٤٤٩).

(٥) (١/ ١٥٧).

(٦) (١/ ٢١٧).

(٧) (١/ ٣٢٩).

(٨) «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (١/ ٣٢٩).



  فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss


شاركوا معنا في نشر الرابط فإن الدال على الخير كفاعله

  فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss


 في عارضية رخصة الجمع لأهل الأعذار

السـؤال:

بمدينتنا مساجدُ اشتهرت بالجمع بين الصلاتين حالَ نزول المطر، ويقصِد المسجدَ مَن لا يحضر الصلواتِ الخمسَ أبدًا، فهل يجوز لهؤلاء الجمع؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فاعلم أنَّ الجمعَ بينَ الصلاتينِ ثَبَتَ رخصةً لأهلِ الأعذارِ، وهيَ رخصةٌ عارضةٌ لرفعِ الحرجِ عنهم، الذي هو الضيقُ والمَشَقَّةُ بشرطِ أَنْ لاَ يُتَّخذ الجمعُ عادةً(١)، وهذَا مِن تخفيفِ الشريعةِ وتيسيرها وسماحتها، وقد جاءت النصوصُ الشرعيةُ برفعِ الحرجِ، منها: قولُه تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وقولُه تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وقولُه تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦]، وقولُه صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»(٢).

لذلك يُباحُ الجمعُ إذا كان في تركهِ حرجٌ قد رَفَعه اللهُ عن الأُمَّة، ولا يختصُّ الجمعُ بالسفرِ وإنما يتعلَّقُ بالحاجةِ التي معها مَشَقَّةٌ سواءٌ كانَ ذلكَ في السفرِ أو الحضرِ، للمطرِ أو المرضِ أو الوحلِ ونحو ذلك، فإذا احتاجَ الإمامُ إلى الجمعِ لمطرٍ أو وحلٍ شديدٍ أو ريحٍ باردةٍ قويَّةٍ، ونحو ذلكَ فله أن يجمعَ بين الصلاتينِ، وذلكَ أَوْلى مِن أَنْ يصلِّيَ الناسُ في بيوتهم منفردينَ أو مجتمعينَ، إذ الصلاةُ جمعًا في المساجدِ أَوْلى مِن الصلاةِ في البيوتِ مفرَّقةً باتِّفاقِ الأئمَّةِ الذينَ يجيزونَ الجمعَ كمالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ كما قرَّره ابنُ تيميةَ رحمه الله(٣).

ويؤيِّدُ ذلكَ قولُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما مِن أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلَّم «صَلَّى الظهرَ والعصرَ جميعًا بالمدينةِ في غيرِ خوفٍ ولا سفرٍ»، وسألَ سعيدُ بنُ جبيرٍ ابنَ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «لِمَ فَعَلَ ذلكَ؟» قَال: «أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ»(٤)، وفي لفظٍ آخَرَ: «جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ والمغْرِبِ والعشَاءِ بالمدينةِ في غَيْرِ خَوْفٍ ولاَ مَطَرٍ...» الحديث(٥).

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في ٢٢ المحرم ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ١٩ جانفي ٢٠٠٩م

(١) «شرح مسلم» للنووي (٥/ ٢١٩).

(٢) أخرجه البخاري في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» باب الاقتداء بسنن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (٧٢٨٨)، ومسلم في «الحج» (١٣٣٧)، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٣) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٤/ ٢٩ ـ ٣٠).

(٤) أخرجه مسلم في «صلاة المسافرين» (٧٠٥)، من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(٥) أخرجه مسلم في «صلاة المسافرين» (٧٠٥)، مِن حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما.

قال الألباني ـ رحمه الله ـ في «الإرواء» (٣/ ٣٧): «ولعلَّ الصوابَ الروايةُ الأولى؛ فإنَّ لفظ «المدينة» معناه: «في غير سفر» فذِكْرُ هذه العبارةِ مرَّةً أخرى لا فائدة منها بل هو تحصيلُ حاصلٍ بخلاف قوله: «في غير خوفٍ» ففيه تنبيهٌ إلى معنًى لا يُستفاد إلاَّ به فتأمَّلْ». قلت: وهو الصحيح عملًا بقاعدةِ: «التَّأْسِيسُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّأْكِيدِ».

 

   فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss


في صيغة التكبير يومَ العيد وأيَّامَ التشريق

السؤال:

ما هي الصيغة الصحيحة للتكبير يومَ العيد وأيَّامَ التشريق؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فلم يَصِحَّ في صيغة التكبير حديثٌ مرفوعٌ، وأصحُّ ما وَرَدَ فيها ما أخرجه عبدُ الرزَّاق بسندٍ صحيحٍ عن سلمان رضي الله عنه قال: «كَبِّرُوا اللهَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا»(١)، ونُقِلَ عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه كان يقول: «اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ، اللهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ، اللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا»(٢)، قال الحافظ ـ رحمه الله ـ: «وقد أُحْدِث في هذا الزمانِ زيادةٌ في ذلك لا أصلَ لها»(٣)، وعن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه صيغةٌ أخرى صحيحةٌ وهي: «اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ»(٤).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٦ ربيع الأوَّل ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٣ أفريل ٢٠٠٨م

 

(١) أخرجه البيهقيُّ في «فضائل الأوقات» (٢٢٧) مِنْ طريقِ عبد الرزَّاق. وقال ابنُ حجرٍ في «الفتح» (٢/ ٤٦٢): «أخرجه عبد الرزَّاق بسندٍ صحيحٍ».

(٢) أخرجه البيهقيُّ في «السنن الكبرى» (٦٢٨٠). وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٣/ ١٢٦).

(٣) «فتح الباري» لابن حجر (٢/ ٤٦٢).

(٤) أخرجه الطبرانيُّ في «الكبير» (٩٥٣٨)، وابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (٥٦٣٣). وضعَّف الألبانيُّ في «الإرواء» (٦٥٤) رَفْعَ الصيغة إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ حديثِ جابرٍ رضي الله عنه، وصحَّح إسنادَ ابنِ أبي شيبة إلى ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه موقوفًا.

  

   فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss


في لباس المرأة في الصلاة

السـؤال:

ما هو لباسُ المرأة في الصلاة؟ وهل يجب عليها تغطيةُ قَدَمَيْهَا حالَ أداء الصلاة؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإنَّ أقلَّ ما يجب على المرأة في الصلاة الخِمارُ والدِّرْعُ السابغُ، فقد كانت أُمُّ سَلَمَة(١) وميمونةُ(٢) من أزواجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم تُصلِّيانِ في دِرْعٍ وخِمارٍ ليس عليهما إزارٌ، وقد صَحَّ عن عطاءٍ وعُروةَ بنِ الزُّبَيْرِ وجابر بنِ زيدٍ والحسنِ وغيرِهم(٣) القولُ بأنَّ صلاةَ المرأةِ يكفيها الدِّرعُ والخِمارُ، أَمَّا ما أُثِرَ عن عُمَرَ(٤) وابنِهِ(٥) أنَّ المرأةَ تُصلِّي في الدِّرع والخِمار والمِلْحَفَةِ فلا ينافي ما تقرَّر، لإمكان حمله على الاستحباب ومزيدِ الاحتياط.

وعليه، فإن كانت صلاةُ المرأةِ بحضرة زوجِها أو محارمها أو نساءِ المؤمنين فلا يَضُرُّ انكشافُ قَدَمَيْهَا وبخاصَّةٍ في حالة الركوع والسُّجود، أَمَّا إذا كانت بحضرة الأجانب فلا يجوز كشفُ قَدَمَيْهَا بحالٍ، بل الواجب سَتْرُهما عَمَلاً بحديث: «المرْأةُ عَوْرَةٌ»(٦)، وبقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «تُرْخِي ذِرَاعًا، لاَ تَزِيدُ عَلَيْهِ»(٧)، ففيه دلالةٌ على وجوبِ تغطية القدمين مع الأجانب، فضلاً عن كون ذلك أبعدَ لها من الفتنة وآمَنَ لها من الشرِّ، وأحوطَ للمسلمين.

أمَّا حديث أُمِّ سلمة رضي الله عنها وفيه: «الدِّرْع سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا»(٨)، فهو ضعيفٌ مرفوعًا وموقوفًا.

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٩ رمضان ١٤١٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٧ جانفي ١٩٩٨م

(١) أخرجه عبد الرزَّاق في «المصنَّف» (٥٠٢٧)، والأثر صحَّحه الألباني في «تمام المنَّة» (١٦٢)، وغلام قادر الباكستاني في «ما صحَّ من آثار الصحابة في الفقه» (١/ ٢٧٩).

(٢) أخرجه مالكٌ في «الموطَّإ» كتاب الصلاة، باب الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار (١/ ١٤٢)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٣٠٧٣)، والأثر صحَّحه الألباني في «تمام المنَّة» (١٦٢)، وغلام قادر الباكستاني في «ما صحَّ من آثار الصحابة في الفقه» (١/ ٢٧٩).

(٣) انظر هذه الآثار في: «المصنَّف» لابن أبي شيبة (٢/ ٣٦ وما بعدها)، و«المصنَّف» لعبد الرزَّاق الصنعاني (٣/ ١٢٨ وما بعدها)، و«ما صحَّ من آثار الصحابة في الفقه» لغلام قادر الباكستاني (١/ ٢٧٨-٢٧٩).

(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنَّف» (٢/ ١٢٩)، والأثر صحَّحه ابن كثير في «إرشاد الفقيه» (١/ ١١٠)، وابن حجر في «المطالب العالية» (١/ ١٦٢)، والألباني في «تمام المنَّة» (١٦٢).

(٥) أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنَّف» (٢/ ١٢٩)، والأثر صحَّحه الألباني في «جلباب المرأة المسلمة» (١٣٥)، وفي «تمام المنَّة» (١٦٢).

(٦) أخرجه الترمذي في «الرضاع» (١١٧٣) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٢/ ١٥٦): «رجاله موثوقون»، وصحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٢٦٨٨)، والوادعي في «الصحيح المسند» (٨٨١).

(٧) أخرجه أبو داود في «اللباس» باب في قدر الذيل: (٤١١٧)، والنسائي في «الزينة» باب ذيول النساء (٥٣٣٧)، وابن ماجه في «اللباس» باب ذيل المرأة كم يكون (٣٥٨٠)، من حديث أم سلمة رضي الله عنها، وصحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٤٦٠).  

(٨) أخرجه مالك في «الموطَّإ» كتاب الصلاة، باب الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار (١/ ١٤٢)، وأبو داود في «الصلاة» باب في كم تصلِّي المرأة (٦٣٩)، (٦٤٠)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٣٢٥٠، ٣٢٥١)، مرفوعًا وموقوفًا عن أمِّ سلمة رضي الله عنها. والحديث أَعَلَّهُ بالانقطاع ابنُ القطَّان في «أحكام النظر» (١٨٤)، وضعَّفه الألباني في «الإرواء» (١/ ٣٠٣).

  

   فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss






في حكم تَناوُلِ مسافرٍ لغذاءٍ
في مَطاعِمَ مفتوحةٍ وقتَ صلاة الجمعة

السؤال:

إذا كنَّا مسافرين يومَ الجمعة فإنَّنا نتوقَّف ـ أحيانًا ـ ببعض المطاعم التي على حافَّة الطريق لتَناوُلِ وجبة الغداء، ممَّا يَتزامَنُ مع وقتِ إقامةِ صلاة الجمعة، والقائمون على هذه المطاعم لا يُؤَدُّونها؛ فهل يجوز لنا تَناوُلُ الأكل عندهم؟ نرجو ـ مِنْ فضيلتكم ـ بيانَ الحكم الشرعيِّ، وبارك الله فيكم.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فاعْلَمْ أنَّ النهي عن البيع وقتَ النداء يومَ الجمعة الواردَ في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٩﴾ [الجمعة]، يَشْمَلُ ـ عند الجمهور ـ سائرَ العقودِ، والمسافرُ ـ وإِنْ لَمْ تجب عليه جمعةٌ لحديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لَيْسَ عَلَى المُسَافِرِ جُمُعَةٌ»(١) ـ إلَّا أنَّ وجوبَ السعيِ لها لمَنْ تَلْزَمُه هو حقٌّ لله تعالى، والتعاقدُ المُفْضي إلى تَرْكِ هذا الحقِّ ـ بطريقٍ أو بآخَرَ ـ لا يجوز لكِلَا الطرفين: أحَدُهما بالأصالة والآخَرُ بالتعاون؛ لذلك ينبغي على المسافر ـ إِنْ لم يَسْعَ إلى صلاة الجمعة ـ أَنْ يَتناوَلَ طعامَه قبل النداء أو بعد صلاة الجمعة؛ لئلَّا يُعرِّضَ نَفْسَه وغيرَه للإثم والمعصية.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٨ ربيع الأوَّل ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ١٦ أبريل ٢٠٠٧م

 

(١) أخرجه الدارقطنيُّ في «سننه» (١٥٨٢) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٥٤٠٥).

  

   فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss


َ لَهُ حَاجَةٌ بِبَعْثٍ ذَكَرَهُ لِلنَّاسِ، أَوْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَمَرَهُمْ بِهَا، وَكَانَ يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا، تَصَدَّقُوا، تَصَدَّقُوا»، وَكَانَ أَكْثَرَ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ»(١٥)، وفيه دليلٌ على قيام الإمام في خُطْبةِ العيد على رجلَيْه؛ فظهر مِنَ الحالتين أَنْ لا تعدُّدَ في الخُطْبة ولا فَصْلَ بينها بالجلوس؛ إذ يتعذَّر في الأولى ولم يُنْقَلْ في الثانية.

ويمكن الاستئناسُ بمُرْسَلِ عطاءٍ عندما سُئِل عن الخروج يومَ الفطر إلى الصلاة أنه قال: «مَا جَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِنْبَرٍ حَتَّى مَاتَ، مَا كَانَ يَخْطُبُ إِلَّا قَائِمًا، فَكَيْفَ يُخْشَى أَنْ يَحْبِسُوا النَّاسَ؟ وَإِنَّمَا كَانُوا يَخْطُبُونَ قِيَامًا لَا يَجْلِسُونَ، إِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يَرْتَقِي أَحَدُهُمْ عَلَى المِنْبَرِ فَيَقُومُ كَمَا هُوَ قَائِمًا، لَا يَجْلِسُ عَلَى المِنْبَرِ حَتَّى يَرْتَقِيَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ بَعْدَمَا يَنْزِلُ، وَإِنَّمَا خُطْبَتُهُ جَمِيعًا وَهُوَ قَائِمٌ، إِنَّمَا كَانُوا يَتَشَهَّدُونَ مَرَّةً وَاحِدَةً، الأُولَى»، قَالَ: «لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ إِلَّا مِنْبَرُ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حَتَّى جَاءَ مُعَاوِيَةُ حِينَ حَجَّ بِالمِنْبَرِ فَتَرَكَهُ»، قال: «فَلَا يَزَالُونَ يَخْطُبُونَ عَلَى المَنَابِرِ بَعْدُ»(١٦). فهذا الأثر يفيد أنَّ الخُطْبةَ كانت واحدةً ولم يكن لهم مِنْبَرٌ في المصلَّى حيث كانوا يخطبون قيامًا مِنْ جلوسٍ.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٧ ربيع الأوَّل ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٦ مارس ٢٠٠٧م

 

(١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «العيدين» باب الخُطْبة بعد العيد (٩٦٢)، ومسلمٌ في «صلاة العيدين» (٨٨٤)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(٢) انظر الحديثَ المُتَّفَقَ عليه الذي أخرجه البخاريُّ في «العيدين» باب الخُطْبة بعد العيد (٩٦٣)، ومسلمٌ في «صلاة العيدين» (٨٨٨)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.

(٣) انظر الحديثَ المُتَّفَقَ عليه الذي أخرجه البخاريُّ في «العيدين» باب المشي والركوب إلى العيد، والصلاةِ قبل الخُطْبة بغير أذانٍ ولا إقامةٍ (٩٥٨)، ومسلمٌ في «صلاة العيدين» (٨٨٥)، مِنْ حديثِ جابرٍ رضي الله عنه.

(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «العلم» بابُ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» (٦٧)، ومسلمٌ في «القَسامة والمحاربين» (١٦٧٩)، مِنْ حديثِ أبي بكرة رضي الله عنه.

(٥) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (٥٨٦٢).

(٦) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (٥٨٥٥).

(٧) أخرجه الشافعيُّ في «الأمِّ» (١/ ٢٧٢)، والبيهقيُّ (٦٢١٣). وضعَّفه النوويُّ في «الخلاصة» (٢/ ٨٣٨).

(٨) أخرجه ابنُ ماجه في «إقامة الصلاة» بابُ ما جاء في الخُطْبة في العيدين (١٢٨٩) مِنْ حديثِ جابرٍ رضي الله عنه. قال البوصيريُّ في «مصباح الزجاجة» (١/ ٢٣٤): «هذا إسنادٌ فيه إسماعيلُ بنُ مسلمٍ، وقد أجمعوا على ضعفِه، وأبو بحرٍ ضعيفٌ»، وقال الألبانيُّ في «الضعيفة» (٥٧٨٩): «مُنْكَرٌ»، وأشار إلى ضعفِه ابنُ رجبٍ الحنبليُّ في «فتح الباري» (٦/ ٩٩).

(٩) «الخلاصة» للنووي (٢/ ٨٣٨).

(١٠) «سُبُل السلام» للصنعاني (٢/ ٦٧٠).

(١١) «زاد المعاد» لابن القيِّم (٢/ ٣٠٦).

(١٢) أخرجه البيهقيُّ (٦٢٠٤).

(١٣) أخرجه ابنُ ماجه في «إقامة الصلاة» بابُ ما جاء في الخُطْبة في العيدين (١٢٨٨).

(١٤) أخرجه النسائيُّ في «صلاة العيدين» بابُاستقبالِ الإمامِ الناسَ بوجهه في الخُطْبة(١٥٧٦).

(١٥) أخرجه مسلمٌ في «صلاة العيدين» (٨٨٩)، وانظر الزياداتِ في «السلسلة الصحيحة» (٢٩٦٨).

(١٦) أخرجه عبد الرزَّاق (٥٦٥٠).

  

   فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss


في التحقيق في خُطْبة العيد ومحلِّ قيام الخطيب

السؤال:

هل خُطْبةُ العيدين خُطْبةٌ واحدةٌ أم ثنتان كخُطْبتَيِ الجمعة؟ وإذا أُقيمَتْ صلاةُ العيد في المسجد: فهل يُلْقي الإمامُ الخُطْبةَ على المنبر أو قائمًا على الأرض كما تُؤدَّى في المصلَّى؟ وبارك الله فيكم.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالأقربُ إلى الصواب مِنْ قَوْلَيِ العلماءِ أنَّ خُطْبة العيد خُطْبةٌ واحدةٌ لم يَثْبُتِ الجلوسُ في وسطها كهيئة الجمعة، وهو المنقول عن الخلفاء: أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعليٍّ والمغيرة بنِ شُعْبة رضي الله عنهم، خلافًا لِمَا عليه المذاهبُ الأربعةُ وابنُ حَزْمٍ وهو مذهبُ الجمهور؛ لأنَّ إطلاق الخُطْبة ـ في الأصل ـ ينصرف إلى الواحدة إلَّا إذا جاء دليلٌ على أنها خُطْبتان، وقد وَرَد في السُّنَّة الصحيحة وغيرِها مِثْلُ هذا الإطلاق كما جاء مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الخُطْبَةِ»(١)، وكذا ثَبَت عن ابنِ عمر(٢)وجابرِ بنِ عبد الله(٣) رضي الله عنهم، وأمَّا إطلاقُ الخُطْبة على خُطْبتَيِ الجمعة فلوجود ما يُرجِّحه، ويؤيِّد هذا المعنى ما ثَبَت في الصحيحين مِنْ جواز خُطْبة العيد على الراحلة مِنْ حديثِ أبي بكرة رضي الله عنه قال: «لَمَّا كَانَ ذَلِكَ اليَوْمُ قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ… «أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ»…»(٤)، ومفادُ مشروعية الخُطْبة على الراحلة عدمُ الفصل بين الخُطْبتين بجلوسٍ؛ لأنه إنما خَطَب جالسًا على راحلته، وقد كان يفعله الصحابةُ رضي الله عنهم، فقَدْ نُقِل عن إبراهيم النَّخَعيِّ قولُه: «كَانَ الإِمَامُ يَوْمَ العِيدِ يَبْدَأُ فَيُصَلِّي ثُمَّ يَرْكَبُ فَيَخْطُبُ»(٥)، وعن مَيْسرةَ أبي جميلة قال: «شَهِدْتُ مَعَ عَلِيٍّ العِيدَ، فَلَمَّا صَلَّى خَطَبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ»، قَالَ: «وَكَانَ عُثْمَانُ يَفْعَلُهُ»(٦).

نعم، لو ثَبَت أثرُ عبدِ الله بنِ عُتْبةَ قال: «السُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ الإِمَامُ فِي العِيدَيْنِ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ»(٧)، وما أخرجه ابنُ ماجه مِنْ حديثِ جابرٍ رضي الله عنه قال: «خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَخَطَبَ قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً ثُمَّ قَامَ»(٨)؛ لَلَزم حملُ الدليلين المُتعارِضَيْن على تغايُرِ الحال فيجوز الأمران جمعًا بين الأدلَّة وهو أَوْلَى مِنَ الترجيح، لكنَّ كِلَا الحديثين ضعيفٌ لا يُحتجُّ به. قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «ولم يثبت في تكرير الخُطْبة شيءٌ، والمُعتمَدُ فيه القياسُ على الجمعة»(٩)، وقال الصنعانيُّ ـ رحمه الله ـ: «وليس فيه أنها خُطْبتان كالجمعة وأنه يقعد بينهما، ولعلَّه لم يَثْبُتْ ذلك مِنْ فعلِه صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنما صَنَعه الناسُ قياسًا على الجمعة»(١٠).

ولا يخفى أنَّ هذا اعتمادٌ على قياسٍ لم تُدْرَكْ عِلَّتُه وطريقُ صحَّته غيرُ ناهضٍ لعدم معقولية المعنى فيه مِنْ جهةٍ، ولأنه ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ ثَبَتَتْ خُطبتا الجمعة بالدليل خروجًا عن الأصل، و«مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ القِيَاسِ فَغَيْرُهُ عَلَيْهِ لَا يُقَاسُ»، ولو صحَّ القياسُ لَلَزِمَ ما يَلْزَم الجمعةَ مِنْ جملةِ أحكامٍ مُغايِرةٍ للعيد مِنْ حيث إيقاعُها بعد الخُطْبة وجوازُ صلاتها قبل الزوال وبعده وغيرُها مِنَ الأحكام، وإذا بَطَلَ اللَّازِمُ بَطَلَ الملزومُ، ثمَّ لِمَ لا يُقاسُ بما هو أقربُ منها وهي خُطبةُ يومِ عَرَفَةَ بِنَمِرَةَ؟ فقَدْ كانَتْ خُطْبةً واحدةً على الصحيح، قال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ: «وَهِمَ مَنْ زَعَم أنه خَطَب بعرفة خُطْبتين جَلَس بينهما ثمَّ أذَّن المؤذِّنُ، فلمَّا فَرَغ أخَذَ في الخُطْبة الثانية، فلمَّا فَرَغ منها أقام الصلاةَ، وهذا لم يجئ في شيءٍ مِنَ الأحاديث ألبتَّةَ، وحديثُ جابرٍ صريحٌ في أنه لمَّا أكمل خُطْبتَه أذَّن بلالٌ وأقام الصلاةَ فصلَّى الظهرَ بعد الخُطْبة»(١١).

هذا، والمعلوم في السنَّة أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يُصَلِّ العيدَ إلَّا في المصلَّى، ولم يَثْبُتْ عنه أنه كان يُخْرِجُ المنبرَ إلى أرضية المصلَّى، ولا أنه كان يرتقي على شيءٍ إلَّا على راحلته؛ فتَحقَّق أنَّ خُطْبتَهُ إمَّا على الراحلة كما تقدَّم، وإمَّا قائمًا على الأرض.

وقد صحَّ عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم «كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ فَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّى صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ قَامَ [قَائِمًا](١٢) [عَلَى رِجْلَيْهِ](١٣) فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ [بِوَجْهِهِ](١٤) وَهُمْ جُلُوسٌ فِي مُصَلَّاهُمْ، فَإِنْ كَان


في مقدارِ مسافةِ السترة المُتاحةِ للمسبوق

السؤال:

كم هي المسافةُ التي يستطيعُ أن يَخْطُوَها المسبوقُ لِيَدنُوَ مِن السُّترةِ؟ وبارك اللهُ فيكم.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالسنَّةُ أَنْ يَتَّخِذ المُصَلِّي سُتْرَةً يدنو منها لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تُصَلِّ إِلَّا إِلَى سُتْرَةٍ...»(١)، وفي حديثٍ آخَرَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا...»(٢).

وهذا الحكمُ خاصٌّ بالإمام والمُنْفَرِدِ، أمَّا المأمومُ فسترةُ الإمامِ له سترةٌ؛ فلا يَضُرُّهُ مَن مرَّ بين يَدَيْهِ لحديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «جِئْتُ أَنَا وَالفَضْلُ عَلَى أَتَانٍ وَرَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، فَمَرَرْنَا عَلَى بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْنَا فَتَرَكْنَاهَا تَرْتَعُ...»(٣)، وفي روايةٍ: أنَّ الأَتَانَ مَرَّتْ «بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ الأَوَّلِ»(٤).

هذا، والمسبوقُ بعد انصرافِ إمامه مِن الصلاةِ لا يبقى مأمومًا، وإنما يَصِيرُ مُنْفَرِدًا، ويُستحَبُّ له أن ينحازَ إلى سترةٍ قريبةٍ منه يمينًا أو شِمالًا، أو إلى الخلفِ يُقَهْقِرُ قليلًا، أمَّا إن كان بعيدًا أقام مكانَه ودَرَأَ المَارَّ ما أمكن، وبهذا قال مالكٌ ـ رحمه الله ـ وغيرُه.

أمَّا ضابطُ القُرْبِ مِن السترة التي يريد الانحيازَ إليها والدُّنُوَّ منها فهي ـ في تقديري ـ لا تعدو أربعةَ أمتارٍ تقريبًا؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ «ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ»(٥)، وكَانَ إِذَا صَلَّى وَ«جَاءَتْ شَاةٌ تَسْعَى بَيْنَ يَدَيْهِ فَسَاعَاهَا [أَيْ: سَابَقَهَا] حَتَّى أَلْزَقَ بَطْنَهُ بِالحَائِطِ» ومرَّتْ مِنْ ورائه(٦).

والذراعُ مقياسٌ، أَشْهَرُ أنواعِه: الذراعُ الهاشمية، وهي تُمَثِّل: اثنين وثلاثين إِصبعًا، أي: ما يساوي أربعةً وستِّين سنتمترًا، فإذا ضَرَبْتَ الذراعَ في سِتَّةٍ ذهابًا وإيابًا تحصَّلْتَ على مسافةِ ثلاثةِ أمتارٍ وأربعةٍ وثمانين سنتمترًا، أي: أربعة أمتارٍ تقريبًا.

وعليه، يتقرَّر ضابطُ القُرْبِ للمُصَلِّي المسبوقِ ودُنُوِّه مِن السترة.

والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٢ مِن المحرَّم ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٣١ يناير ٢٠٠٧م

(١) أخرجه ابنُ حبَّان في «صحيحه» (٢٣٦٢)، وابنُ خُزَيمة في «صحيحه» (٨٠٠)، مِن حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صفة الصلاة» (٨٢).

(٢) أخرجه أبو داود في «الصلاة» بابُ ما يُؤمَرُ المُصَلِّي أن يَدْرَأَ عن المَمَرِّ بين يديه (٦٩٨)، وابنُ ماجه في «إقامة الصلاة» باب: ادْرَأْ ما استطَعْتَ (٩٥٤)، مِن حديث أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه. وصحَّحه النوويُّ في «الخُلاصة» (١/ ٥١٨)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٤١).

(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «العلم» باب: متى يصحُّ سماعُ الصغير؟ (٧٦)، ومسلمٌ في «الصلاة» (٥٠٤)، واللفظُ للحُمَيْديِّ في «مسنده» (٤٨١)، مِن حديث ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(٤) أخرجه البخاريُّ في «جزاء الصيد» بابُ حجِّ الصبيان (١٨٥٧) مِن حديث ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(٥) أخرجه البخاريُّ في «الصلاة» بابُ الصلاةِ بين السواري في غيرِ جماعةٍ (٥٠٦) مِن حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما.

(٦) أخرجه الطبرانيُّ في «الكبير» (١١/ ٣٣٨)، وابنُ خُزَيْمة في «صحيحه» (٨٢٧)، والحاكمُ في «المستدرَك» (٩٣٤)، مِن حديث ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صفة الصلاة» (٨٣)، والوادعيُّ في «الصحيح المسند» (٦٢٢).

  

   فتاوى الشيخ فركوس:

قناة سلفية تعتني بنشر فتاوى الشيخ فركوس
https://telegram.me/ferkouss



20 ta oxirgi post ko‘rsatilgan.

7 149

obunachilar
Kanal statistikasi