كيف غيرت الدولة الأموية وجه التاريخ بالفتوحات الواسعة، وكيف عجز العباسيون في خمسة قرون أن يحققوا ما حققه الأمويون في حوالي نصف قرن فقط.
كان بنو أمية يفتحون البلاد في أربع جهات على البرِّ، بخلاف فتح جزر البحر المتوسط، وبلغت دولة الإسلام أقصى اتِّساع لها -كدولة واحدة- في ظلِّ الأمويين، وكانت ذروة الفتوحات الإسلامية على أيدي هؤلاء القادة: تم فتح المغرب والأندلس على يد القادة: عقبة بن نافع، وحسان بن النعمان، وموسى بن نصير، ومن ورائها فرنسا على يد عبد العزيز بن موسى بن نصير، والسمح بن مالك الخولاني، وعبد الرحمن الغافقي، وسارت الفتوح في الشرق في بلاد ما وراء النهر حتى الصين بقيادة قتيبة بن مسلم الباهلي، وفي الجنوب الشرقي حتى السند بقيادة المهلب بن أبي صفرة، ومحمد بن القاسم، وفي الشمال وبلاد القوقاز بقيادة مسلمة بن عبد الملك، ومروان بن محمد. هؤلاء القادة هم الذين رسَّخُوا الوجود الإسلامي في تلك المناطق، وكانت فتوحاتهم تتميمًا وتكميلًا لما سبقها من فتوح في عهد الراشدين، وتأسيسًا لدخول هذه المناطق في الدولة الإسلامية بشكل نهائي.
وقد جرت في كل تلك الفتوح أعمال من أندر وأروع ما يمكن أن يكتب في تاريخ البطولة والأبطال، وقدَّم الفاتحون نماذج لا مثيل لها في الجهاد والبذل والتضحية والإخلاص، وكم من مجاهد مات في هذه الأرض البعيدة لا نعرف اسمه ولا قبيلته ولا شيئًا من حياته، ترك الدنيا كلها وذهب ليموت في تلك الأصقاع لا يرجو إلَّا الله والدار الآخرة، ستأتي هذه البلاد في ميزان حسناته يوم القيامة!
وما استطاع أحد بعد بني أمية أن يسطر في الفتوح تاريخًا كتاريخهم، ولا حتى تاريخًا يقاربهم!
وها هو المؤرِّخ الدكتور حسين مؤنس يَنْعَى على الدولة العباسية أنها لم تصنع شيئًا ذا بال في الفتوحات مقارنة بالدولة الأموية، يقول:
«إن الخلافة العباسية لو تنبَّهت إلى حقيقة وظيفتها كخلافة إسلامية، وهي نشر الإسلام لا مجرَّد المحافظة عليه كما وجدته، لو أنها قامت برسالتها وأدخلت كل الترك والمغول في الإسلام، لأدَّت للإسلام والحضارة الإنسانية أجَلَّ الخدمات، ولغيّرت صفحات التاريخ. وهكذا تكون الخلافة العباسية قد خذلت الإسلام في الشرق والغرب. فهي في الشرق لم تتقدَّم وتُدخل كل الأتراك والمغول في الإسلام، كما تمكَّنت الخلافة الأموية من إدخال الإيرانيين ومعظم الأتراك في الإسلام، وفتحت أبواب الهند لهذا الدين. وفي الغرب قعدت الخلافة العباسية عن فتح القسطنطينية؛ ولو أنها فعلت ذلك لدخل أجناس الصقالبة والخزر والبلغار الأتراك في الإسلام تبعًا لذلك؛ إذ لم تكن قد بقيت أمام هذه الأجناس أية ديانة سماوية أخرى يدخلونها، وهنا نُدرك الفرق الجسيم بين الخلافة الأموية والخلافة العباسية؛ فالأولى أوسعت للإسلام مكانًا في معظم أراضي الخلافة البيزنطية، وأدخلت أجناس البربر جميعًا في الإسلام، ثم انتزعت شبه جزيرة أيبيريا (الأندلس) من القوط الغربيين، ثم اقتحمت على الفرنجة والبرغنديين واللومبارد بلادهم بالإسلام، وحاولت ثلاث مرَّات الاستيلاء على القسطنطينية. أمَّا العباسيون فلم يُضيفوا -على الرغم من طول عمر دولتهم- إلى عالم الإسلام إلَّا القليل، ومعظمه في شرقي آسيا الصغرى».
وكما خفت الجهاد البري خفت -أيضًا- صوت الجهاد البحري، الذي كان يدوي من مواني الشام ومصر، وقلَّ الاهتمام بالبحر المتوسط، وتولَّت الإمارات الإسلامية في المغرب والأندلس مسئولية الدفاع عن حوض البحر المتوسط، وقلَّت الاشتباكات البحرية بالطابع الذي عرفه العصر الأموي
من كتابي #رحلة_الخلافة_العباسية الجزء الأول #العباسيون_الأقوياء
كان بنو أمية يفتحون البلاد في أربع جهات على البرِّ، بخلاف فتح جزر البحر المتوسط، وبلغت دولة الإسلام أقصى اتِّساع لها -كدولة واحدة- في ظلِّ الأمويين، وكانت ذروة الفتوحات الإسلامية على أيدي هؤلاء القادة: تم فتح المغرب والأندلس على يد القادة: عقبة بن نافع، وحسان بن النعمان، وموسى بن نصير، ومن ورائها فرنسا على يد عبد العزيز بن موسى بن نصير، والسمح بن مالك الخولاني، وعبد الرحمن الغافقي، وسارت الفتوح في الشرق في بلاد ما وراء النهر حتى الصين بقيادة قتيبة بن مسلم الباهلي، وفي الجنوب الشرقي حتى السند بقيادة المهلب بن أبي صفرة، ومحمد بن القاسم، وفي الشمال وبلاد القوقاز بقيادة مسلمة بن عبد الملك، ومروان بن محمد. هؤلاء القادة هم الذين رسَّخُوا الوجود الإسلامي في تلك المناطق، وكانت فتوحاتهم تتميمًا وتكميلًا لما سبقها من فتوح في عهد الراشدين، وتأسيسًا لدخول هذه المناطق في الدولة الإسلامية بشكل نهائي.
وقد جرت في كل تلك الفتوح أعمال من أندر وأروع ما يمكن أن يكتب في تاريخ البطولة والأبطال، وقدَّم الفاتحون نماذج لا مثيل لها في الجهاد والبذل والتضحية والإخلاص، وكم من مجاهد مات في هذه الأرض البعيدة لا نعرف اسمه ولا قبيلته ولا شيئًا من حياته، ترك الدنيا كلها وذهب ليموت في تلك الأصقاع لا يرجو إلَّا الله والدار الآخرة، ستأتي هذه البلاد في ميزان حسناته يوم القيامة!
وما استطاع أحد بعد بني أمية أن يسطر في الفتوح تاريخًا كتاريخهم، ولا حتى تاريخًا يقاربهم!
وها هو المؤرِّخ الدكتور حسين مؤنس يَنْعَى على الدولة العباسية أنها لم تصنع شيئًا ذا بال في الفتوحات مقارنة بالدولة الأموية، يقول:
«إن الخلافة العباسية لو تنبَّهت إلى حقيقة وظيفتها كخلافة إسلامية، وهي نشر الإسلام لا مجرَّد المحافظة عليه كما وجدته، لو أنها قامت برسالتها وأدخلت كل الترك والمغول في الإسلام، لأدَّت للإسلام والحضارة الإنسانية أجَلَّ الخدمات، ولغيّرت صفحات التاريخ. وهكذا تكون الخلافة العباسية قد خذلت الإسلام في الشرق والغرب. فهي في الشرق لم تتقدَّم وتُدخل كل الأتراك والمغول في الإسلام، كما تمكَّنت الخلافة الأموية من إدخال الإيرانيين ومعظم الأتراك في الإسلام، وفتحت أبواب الهند لهذا الدين. وفي الغرب قعدت الخلافة العباسية عن فتح القسطنطينية؛ ولو أنها فعلت ذلك لدخل أجناس الصقالبة والخزر والبلغار الأتراك في الإسلام تبعًا لذلك؛ إذ لم تكن قد بقيت أمام هذه الأجناس أية ديانة سماوية أخرى يدخلونها، وهنا نُدرك الفرق الجسيم بين الخلافة الأموية والخلافة العباسية؛ فالأولى أوسعت للإسلام مكانًا في معظم أراضي الخلافة البيزنطية، وأدخلت أجناس البربر جميعًا في الإسلام، ثم انتزعت شبه جزيرة أيبيريا (الأندلس) من القوط الغربيين، ثم اقتحمت على الفرنجة والبرغنديين واللومبارد بلادهم بالإسلام، وحاولت ثلاث مرَّات الاستيلاء على القسطنطينية. أمَّا العباسيون فلم يُضيفوا -على الرغم من طول عمر دولتهم- إلى عالم الإسلام إلَّا القليل، ومعظمه في شرقي آسيا الصغرى».
وكما خفت الجهاد البري خفت -أيضًا- صوت الجهاد البحري، الذي كان يدوي من مواني الشام ومصر، وقلَّ الاهتمام بالبحر المتوسط، وتولَّت الإمارات الإسلامية في المغرب والأندلس مسئولية الدفاع عن حوض البحر المتوسط، وقلَّت الاشتباكات البحرية بالطابع الذي عرفه العصر الأموي
من كتابي #رحلة_الخلافة_العباسية الجزء الأول #العباسيون_الأقوياء