زاد الخطيب


Kanal geosi va tili: ko‘rsatilmagan, ko‘rsatilmagan
Toifa: ko‘rsatilmagan


خطب دينية ومواعظ مؤثرة
وقصص هادفة تجدوة في قناة زاد الخطيب
للتواصل @murad999

Связанные каналы

Kanal geosi va tili
ko‘rsatilmagan, ko‘rsatilmagan
Toifa
ko‘rsatilmagan
Statistika
Postlar filtri


إلى الاعتراف بأخطائنا لنصبح مؤهلين لقيادة البشرية، وتعليم الإنسانية دروس الحياة الكريمة، والتي تقوم على الحق والعدل
ما أجمل أن يقف الوالد أمام أبنائه يعترف بخطئه، وإذا لم يفعل سيتربى الأبناء على الخطأ، ويمارسوه في واقع الحياة، ولا ينبغي أن يبرر خطأه مهما كان.
وما أجمل أن يقف المدير وبكل شجاعة أمام موظفيه يعترف بخطأ ارتكبه حتى لا يتكرر ويصبح سنة في التعامل وإدارة الأعمال
وما أجمل أن يقف الضابط أمام جنوده يعترف بكل وضوح دون تبرير لخطأ وقع فيه، فيزداد احترام وحب الجنود له، ولا تأخذه العزة بالإثم فيسقط من عين جنوده، يقول نابليون القائد الفرنسي وهو يواجه العالم بخطأه وهو في منفاه بجزيرة سانت هيلانه: "لا أحد سواي مسؤول عن هزيمتي، لقد كنت أنا أعظم عدو لنفسي!".
وما أروع أن يقف ذلك السياسي يعترف بخطئه أمام الجماهير، أو في الصحيفة، أو في أي وسيلة من وسائل الإعلام، ولا يكابر، أو يصر على خطأ وقع فيه، حتى لا يقود الأمة إلى أخطاء تتوارثها الأجيال، فيكون عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
لقد وقف عمر بن الخطاب يومأ يخطب في الناس، وأراد أن يحدد مهور الزواج في عصره، فقامت امرأة، وقالت: يا عمر إن الله – عز وجل – يقول: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [النساء: 20].
فمن أين جئت بهذا يا عمر؟ فقال – رضي الله عنه -: "صدقت المرأة وأخطأ عمر"
بكل شجاعة وتواضع، بل قال: "كل الناس أفقه من عمر".
وما أجمل أن يقف العالم معترفاً بخطئه في مسألة فقهية، أو علمية، تبين له الحق فيها بعد ذلك، حتى لا يقود الأمة إلى الهلاك والضياع، فيكون داعية على أبواب جهنم؛ لقد وقف الإمام الشافعي – رحمه الله – يقول لطلابه: "ما وجدتم في كلامي يخالف كتاب الله وسنة رسوله فارموا به عرض الحائط، وأرجع عنه فالحق أحب إلي مما سواه".
وما أجمل أن يعترف الزوجان بأخطائهما تجاه بعضهما البعض، فكم هدمت من بيوت، وشردت من أسر، بسبب الإصرار على الخطأ، وعدم الاعتراف به، فساءت حياتهما، ولحقت التعاسة بأبنائهما، وكان يكفي لإشاعة المحبة والسعادة بينهما أن يقول أحدهما للآخر: أنا أخطأت، وأعتذر وأرجع.
عباد الله: كم من النزاعات والصراعات بين الأصحاب والأصدقاء؟ وكم حدث التهاجر بين الجيران؟ بسبب عدم إقرار مرتكب الخطأ بخطئه، وإصراره عليه.
لقد قال أبو ذر – رضي الله عنه – لبلال يوماً: يا ابن السوداء، عيره بأمه، فقال – صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية".
فتاب وندم، واعترف بخطئه وجرمه، فلم يسوغ لنفسه، أو يبرر لها أنه كان في وقت غضب، أو غير ذلك، بل لما رأى بلالا قادما وضع خده على التراب، وقال: يا بلال والله لا أرفع خدي حتى تضع قدمك على خدي الآخر، اعترافا منه بخطئه، فقال بلال والدموع تملاء عينيه: قم يا أخي والله لا أضع قدمي على وجه سجد لله، وأخذ يحتضنه ويقبله.
إنه إن لم نعترف بأخطائنا اليوم سنعترف بها حتماً في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ولا ينفع فيه الندم والاعتذار، والاعتراف بالأخطاء عندما نقف بين يدي الله يوم القيامة، وعندما يعاين الناس العذاب، قال – تعالى – عن هؤلاء واعترافهم، وتبريرهم لأخطائهم: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ )[المؤمنون: 106-111].
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
ثم اعلموا أن الله -تبارك وتعالى- قال قولاً كريماً تنبيهاً لكم وتعليماً، وتشريفاً لقدر نبيه وتعظيماً: (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وخلفائه الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلى، وارض اللهم عن بقية الصحابة والقرابة وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وفضلك يا أرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين.


لم – فقه الاعتراف بالخطأ، ودلنا على سيد الاستغفار، حتى لا يطغى الإنسان، ويعلم علم اليقين أنه مقصر في حق الله، مهما كان تقياً ورعاً، قال – عليه الصلاة والسلام -: "سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت قال: من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة"[رواه البخاري].
ولذلك تربى الصحابة على هذا الخلق، وتزينوا به، فكانوا شامة بين الناس، به نالوا مغفرة الله ورضوانه، وبه أقاموا الحق، وأسسوا العدل، وبه حفظت الحقوق، وزادت الألفة والمحبة بينهم، وعُرف الحق من الباطل، والصحيح من الخطأ، والظالم من المظلوم، قال عمر – رضي الله عنه – في كتابه لأبي موسى الأشعري: "ولا يمنعك قضاء قضيت به اليوم فراجعت فيه نفسك، وهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم، ولا يبطل الحق شيء، وإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل".
وانظروا إلى أهمية الاعتراف بالخطأ، وثمرته وآثاره في حياة الفرد والمجتمع، وكيف يقود هذا الخلق الأفراد والمجتمعات إلى حياة الجدية والصدق والاستقامة، فقد دعا رسول – صلى الله عليه وسلم – المسلمين للخروج إلى تبوك في السنة التاسعة من الهجرة، وتخلف بعض الصحابة عن الخروج، بعضهم بعذر، وآخرون لم يكن لهم عذر، سوى التسويف، ثم الكسل يوماً بعد يوم، حتى عاد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة، وكان من هؤلاء كعب بن مالك – رضي الله عنه -، فلما قدم – صلى الله عليه وسلم – جلسَ للناسِ، وجاءه المخلفون يعتذرون إليه، ويحلفون له، فقبلَ منهم علانَيتهم، ووكل سرائرَهم إلى الله، وهؤلاء جاؤوا يبررون أخطاءهم، ويصرون على ذلك، قال – تعالى -: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) [التوبة: 49].
بل منهم من جاء يبرر خطئه بعدم خروجه مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لنصرة الإسلام، ووقف زحف الروم على المدينة بسبب حرارة الجو، وما أقبحه من عذر، فالذي يدرك أنه ذاهب إلى ساحات الجهاد حيث الدماء والأشلاء لنصرة الدين، هل يؤثر في نفسيته حلة الجو وحرارة الشمس، قال -تعالى-: (وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)[التوبة: 81].
وكم تضيع اليوم من حقوق، وتهمل من واجبات بسبب الإصرار على الخطأ، وعدم الاعتراف به، واتباع سياسة التبرير لكل خطأ.
قال كعب بن مالك: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلمت عليه، تبسمَ تبسم المُغضب، ثم قال: تعال، فجئت أمشي حتى جلستُ بين يديه، فقال: ما خلفَك يا كعب، ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ فقلتُ يا رسولَ الله: والله لو جلستُ عند غيرِك من أهلِ الدنيا لرأيتُ أني سأخرجُ من سخطِه بعذر، ووالله لئن حدثتُك اليومَ حديثِ كذبٍ ترضى به عني، ليوشكَن اللهَ أن يسخطَك علي، ولأن حدثتُك حديث صدقٍ تجد علي فيه إني لأرجُ فيه عفو الله، واللهِ يا رسولَ الله ما كان لي من عذر، والله ما كنتُ قط أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلفتُ عنك، فقال – صلى الله عليه وسلم -: "أما هذا فقد صدق، قم حتى يقضيَ الله فيك".
صدقٌ، ووضوح، وصراحة، لا التواء ولا مراوغة، ولا تبرير.
علم كعبُ أن نجاتَه في الدنيا والآخرةِ إنما هي في الصدق، والاعتراف بالخطأ.
وهجر المسلمون كعب ومن صدق معه ممن تخلفوا خمسين ليلة حتى تاب الله عليهم، قال – تعالى -: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة: 118].
إن الاعتراف بالخطأ والرجوع عنه إلى الحق دليل على نُبلٍ في النفس، ونُضج في العقل، وسماحة في الخُلق، وقوة في الإرادة ولا يمنع الشخص السوي من الاعتراف بالذنب والرجوع عن الخطأ إلا لمرض في قلبه، ولعله أخطر الأمراض؛ كما روى الإمام مسلم – رحمه الله تعالى – في صحيحه عن عبد الله بن مسعود عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس".
والمعنى رد الحق واحتقار الناس والاستخفاف بهم.
اللهم استعملنا في طاعتك ووفقنا للعمل بكتابك وسنة نبيك
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: كم نحن بحاجة إلى الاعتراف بأخطائنا حتى تستقيم الحياة، وتتضح القيم والمفاهيم، وتعالج الاختلالات، ويدرك كل واحد منا مسؤولياته وواجباته، كم نحن بحاجة


متى نعترف بأخطائنا ؟

عناصر الخطبة:
1/ فضل الاعتراف بالخطأ
2/ التربية على الاعتراف بالخطأ
3/ فقه الاعتراف بالخطأ
4/ ثمرات الاعتراف بالخطأ
5/ نماذج رائعة في الاعتراف بالخطأ
6/ فوائد الاعتراف بالخطأ
7/ الآثار المترتبة على الاعتراف بالخطأ
الخطبة الاولى:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، لا فوز إلا في طاعته، ولا عز إلا في التذلل لعظمته،
ولا غناء إلا في الافتقار إلى رحمته.
أحمده – سبحانه – وأشكره، إذا أطُيع شكر، وإذا عُصي تاب وغفر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويغفر للمخطئين المستغفرين، ويُقيل عثرات العاثرين، ويمحو بحلمه إساءة المذنبين، ويقبل اعتذار المعتذرين.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وحجته على الخلائق أجمعين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: ليس على وجه الأرض بشر معصوم من الخطأ؛ فقد اقتضت سنة الله عند خلقه لهذا الإنسان أن يكون الخطأ جزء من حياته، وسلوك من سلوكياته، وسمة بارزة في شخصيته، قد يقع فيه في أي وقت من حياته؛ قال – صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ".
ولقد كان من التوجيهات القرآنية الرفيعة؛ أنه في حال وقوع الفرد المسلم في الخطأ، سواء كان في معاملة العبد مع ربه، أو في السلوك، أو المعاملات، أو حتى في التصرفات والأخلاق، فإن عليه أن يواجه أخطاءه، وأن يعترف بها ولا يبررها، ولا يلتمس لنفسه الأعذار، ولا يهرب من المسؤولية.
ولعل هذا من أبرز الدروس التربوية الراقية؛ التي تعلَّمها الجيل الأول الفريد؛ بعد معركة أحد وهزيمة المسلمين فيها، قال – تعالى -: (أَوَ لَمَّا أصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آل عمران: 561].
فالخطأ ابتداءً ليس عيباً، بل هو سِمَة بشرية.
وكذلك الوقوع في الذنب؛ لأن العصمة للحبيب – صلى الله عليه وسلم – فقط.
ولكن العيب هو التمادي في الخطأ، وعدم الرجوع عن الذنب؛ والخيرية لمن تاب وأناب: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ".
هذا أبونا آدم -عليه السلام- اعترف بذنبه لمَّا أخطأ، وسارع إلى ذلك، ولم يُحاول تبرير ما وقع فيه من إثمٍ بمخالفة أمر الله، والأكل من الشجرة المحرَّمة عليه هو وزوجه، لم يُراوغ، ولم يتكبر، لكنه جاء معترفًا بخطئه، ومُقرًا به: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف: 23].
وهكذا مضت قافلة البشر، وهكذا تعلم الأنبياء والصالحون؛ فموسى – عليه السلام – لمَّا وكز الرجل وقتله، لم يتغنَّ ببطولته، ولم يُبرّر عملَه، بل اعترف بظلمه لنفسه، وقال في ضراعة: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[القصص: 16].
وملكة سبأ لم يمنعها ملكها ومالها وقوة جيشها ومكانتها أن تعترف بخطئها في عبادة غير الله، فلما قدمت على سليمان – عليه السلام – ورأت قدرة الله وقوته وحكمته وعلمه وتهيئته الأسباب لنبيه سليمان – عليه السلام – أعلنت اعترافها، قال – تعالى -: (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[النمل: 44].
والله – سبحانه وتعالى – قد وصف المؤمنين بهذا السلوك العظيم، فمتى ما وقع المرء في خطأ، فما أجمل أن يسارع إلى الاعتراف والرجوع إلى الحق، قال – تعالى -: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 135].
والاعتراف بالخطأ في حق الله سواء كان في الاعتقاد، أو العبادات والأحكام، فإن العبد يكفيه أن يعترف بخطئه لربه، ويندم على ما فرط، ويسارع إلى الأعمال الصالحة ليعوض ما فاته من خير، ولا يلزمه أن يشهر بنفسه على الخلائق، ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله – عز وجل – عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله – عز وجل –"[رواه الحاكم (4/383) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (663)].
وهو – سبحانه – الذي ينادي عباده كما في الحديث القدسي: "يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي"[رواه الترمذي].
أيها المؤمنون -عباد الله-: وعلمنا رسول الله – صلى الله عليه وس




تِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:23-24].
وقد صور لنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – قلة متاع الدنيا بالنسبة إلى نعيم الآخرة بمثال ضرَبَهُ فقال: "والله! ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه -وأشار بالسبابة- في اليم، فلينظر بم يرجع"(صحيح) .
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً، ووفقنا لعبادتك، واستعملنا في طاعتك.
قلت ما سمعتم, وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب, فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين, ولي الصالحين, والصلاة والسلام على إمام المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
عبــــــــاد الله: إن المؤمن لتضطرب الدنيا من حوله، وتموج بالفتن، فيثبت هو على الحق والخير.. وتتجاذبه الأحداث والدوافع، فيتشبث هو بإيمانه وتقواه وخوفه من لقاء ربه سبحانه.. ويتهاوى الناس وتسقط القيم ويضعف الإيمان وتضيع الأمانة وينعدم المعروف.. ويثبت على أخلاقه.. وتتزين الشبهات والمغريات للناس، ويتهافت الكثير على أبواب الكبراء والأتباع يأوون إليهم طلباً في مغنم دنيوي، وهو يأوي إلى الله يطلب رضاه ويرجو رحمته، فحفظ دينه ودنياه وآخرته وكتب لنفسه النجاة والفلاح, وهذا الإيمان يزداد بالطاعات من صلاة وصيام وحج وصدقة وقراءة للقرآن وتفكر في مخلوقات الله وغيرها من الطاعات وينقص بالمعاصي والسيئات حتى يمشي الرجل بين الناس وليس في قلبه مثقال ذرة من إيمان .

ثم إن تنمية العقيدة، والروح الإيمانية، أعظم ضمانات المجتمع الإسلامي، وأقوى أسباب تماسكه ووحدته؛ فهو يصهر الشعوب، والقبائل، والأعراق، واللغات، في رحاب المجتمع الواحد، فلا عصبية ولا عنصرية ولا تفاضل بينهم بالأنساب والأحساب, وقد خطب النبي صل الله عليه وسلم في حجة الوداع في أمته وقال: ": (يا أيها الناس: إن ربكم واحد، و إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي و لا عجمي على عربي، و لا لأحمر على أسود و لا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، ألا هل بلغت ؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: فيبلغ الشاهد الغائب) (صحيح).
عبـــــاد الله: عودوا إلى دينكم، وتعاهدوا الإيمان في قلوبكم، وأدوا فرائضكم، وقوّوا أخوتكم؛ تتغير أحوالكم، وتتنزل عليكم رحمات ربكم، وتحفظ بلادكم وأوطانكم، وتنتصروا على واقعكم المؤلم، قال -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82]، وقال -تعالى-: ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) [طـه:112].
اللهم زينا بزينة الإيمان, وأرزقنا حسن الأخلاق, واجعلنا من عبادك الرحماء, واشملنا برحمتك وبعفوك وبفضلك ووالدينا وجميع المسلمين, اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمةُ أمرِنا.. وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا.. وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا.. واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير.. نسألك اللهم إيماناً صادقاً ويقيناً خالصاً وتوبة نصوح تغفر بها ذنوبنا وتصلح بها أحوالنا يا رب العالمين, هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.


الإيمــان في مواجهة ظروف الحياة .. !!

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحًا لذكره، وسببًا للمزيد من فضله، جعل لكل شيء قدرًا، ولكل قدر أجلاً، ولكل أجل كتابًا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تزيد في اليقين، وتثقل الموازين، وتفتح لها أبواب جنةُ رب العالمين, وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله، أمين وحيه، وخاتم رسله، وبشير رحمته صلى الله عليه، وعلى أهل بيته مصابيح الدجى، وأصحابه ينابيع الهدى، وسلم تسليمًا كثيرًا, أما بعد: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل القائل سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (آل عمران:102).

أيها المسلمون/عبادالله: ما أجمل الإيمان عندما يستقر في القلوب وتستشعره النفوس وتتذوق حلاوته الجوارح ويثمر في واقع الحياة عملاً صالحًا ولسانًا صادقًا وخُلقًا حسنًا وسلوكًا قويمًا, وطمأنينة نفس وهدوء بال, وما أحوجنا إلى هذه القيم الإيمانية وثمارها اليانعة في زمن كثر فيه البلاء واستبد به اليأس والقنوط,وظهر القلق على الصغير والكبير, ما أحوجنا إلى الإيمان وتجديده في النفوس لنحيا من جديد, ونستطيع من خلاله أن نواجه مصاعب الحياة بثبات وأمل وحسن ظن وثقة بالله , ما أحوجنا إليه لنروي به صحراء قلوبنا القاحلة، وتلين به قلوبنا القاسية وتصلح أحوالنا، وتهذب سلوكياتنا وتأمن أوطاننا، ويسعد أولادنا وتزدهر أمتنا وتتجدد الثقة بأنفسنا ويعود الأمل إلى حياتنا.

فالإيمان يبث الأمل ويصنع التفاؤل ويثبت القلوب, وجدت ذلك أم موسى -عليه السلام- وهي في أصعب الظروف وأحلك الأوقات وأشد البلاء عندما أُمرت أن تلقي ولدها وفلذة كبدها في البحر الهائج المتلاطم الأمواج وهو الطفل الرضيع خوفاً من فرعون وجنوده قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [القصص:7-9], فلما كان حال هذه الأم، وكان هذا إيمانها، تتابعت الأحداث وتهيأت الأسباب وعاد الولد إلى حضن أمه قال تعالى: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص:13]..نعم .. لتعلم أن وعد الله حق وأن الله قادر لا يعجزه شيء..
إذا اشتملت على اليأس القلوبُ * وضاق لما به الصدر الرحيبُ
وأوطأت المكـاره واطمأنت *
وأرست في أماكنها الخطوبُ
ولم تر لانكشاف الضر وجهاً * ولا أغـنى بحيلته الأريـبُ
أتاك على قـنوط منك غوثٌ *
يمنّ به اللطـيف المستجيبُ
وكـل الحادثات وإن تـناهت *** فموصول بها الفرج القريبُ.

عبـــاد الله : الإيمان ينفث في روع المؤمن وقلبه أن الله واحد لا شريك له، وأن كل شيء بقدرته وإرادته، وأنه يدبر أمور العباد، وأن الرزق بيده، والموت والحياة والسعادة والشقاء بيده، وأن المسلم يؤجر على صبره وثباته على الحق في كل الظروف والأحوال، وأن الجنة هي دار القرار، وفيها الحياة الأبدية، وهو موقن أن "ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه" لو اجتمع أهل الأرض والسماوات على نفعه بغير ما كتب له فلن يستطيعوا، ولو اجتمعوا على منعه عما قدر له فلن يبلغوا، فلا يهلك نفسه تحسراً، ولا يستسلم للخيبة والخذلان ولا يتسلل اليأس والقنوط إلى قلبه, ولا يعتريه الكدر والضجر ولا توسوس له نفسه بمخالفة أمر ربه, فظروف الحياة مع الإيمان لا تكدر للفرد صفاءً ولا تزعزع له صبراً، قال صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن! أمره كله خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، ولا يكون ذلك إلا لمؤمن" (مسلم), بالإيمان بالله يتحرر الفرد من الخوف والجبن والجزع ، (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَـانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:51]

بالإيمان تتبدل المشاعر والنفسيات, وتتغير المواقف والسلوكيات, وتنشرح الصدور ، فالظلم لا يدوم، والمريض سيشفى، والغائب سيعود، والرزق سيأتي، والبلاء سيذهب, والرخاء سيعود, والموت بتقدير الله وحده، والأمنيات سيحققها الله، فإن كان ذلك في الدنيا فبفضل الله وحده، وإلا فإن المؤمن مأجور شرعاً بتعبده لله بالصبر والشكر والعمل؛ لينال الجزاء الأعظم والخلود الأبدي في جنات تجرى من تحتها الأنهار، قال -تعالى-: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّا


🌹🌹


عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ) (رواه مسلم), وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ فَيُشَفَّعَانِ) (رواه أحمد)

أيها المؤمنون: ومن هذه الأعمال الإعتكاف في المساجد ، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ، ثم اعتكف أزواجه من بعده) (البخاري) ، وفي مثل هذه الظروف التي يعيشها الناس في العالم وإغلاق المساحد بسبب انتشار فايروس كورونا, فقد أصبح البيت معتكف كل واحد هو واسرته، وعليه ينبغي ان يستفيد من ذلك بالاكثار من العبادات والطاعات.
وحقيقة الاعتكاف : قطع العلائق عن الخلائق للإتصال بخدمة الخالق, والتفرغ للصلاة والقرآن والذكر والدعاء والتفكر في مخلوقات الله ونعمه.

ومن هذه الأعمال : أن نكثر من الجود ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، فلرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) (مسلم) ، والجود معناه الاستكثار من سائر أنواع الخير ، كالإنفاق ، وحسن الخلق ، وبر الوالدين ، وبذل الخير ، ونشر العلم، وقضاء حوائج الناس ، ومساعدتهم ، ومناصرة المستضعفين والمظلومين والدعاء لهم، وإفطار الصائمين ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (من فطّر صائمًا كان له مثل أجره ، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً) (صحيح الجامع) ، وغير ذلك .. اللهم استعملنا في طاعتك , ووفقنا لعبادتك ,
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطــــبة الثانـية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

أيها المسلمون/ عباد الله : ومن هذه الأعمال في العشر الآواخرالإكثار من الدعاء والاستغفار ، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله ، أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلةٌ القدر ، ما أقول فيها ؟ وفي لفظ : ما أدعو ؟ قال : (قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) (السلسةالصحيحة) ، والدعاء مستجاب أثناء الصيام ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (ثلاثة لا يُرد دعاؤهم ومنهم : الصائم حتى يُفطر) ، وفي لفظ : (والصائم حين يُفطر) (صحيح بن حبان) ، وخصوصًا قبل الإفطار ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (إن للصائم عند فطره لدعوة ما تُرد) (بن ماجه) ، فينبغي عليك أن تكثر من الدعاء بصلاح دينك ودنياك وآخرتك ، ولا تنس أن تخصّ والدَيك وأهلك ومعارفك وإخوانك المسلمين في كل مكان ومجتمعك وأمتك بدعوات صالحات .

ومنها: تصفية القلوب والعفو والتسامح وصلة الأرحام وذوي القربى, ففي هذه العشر الآواخر ليلة القدر يعفو بها الله عن عباده, والعفو خلق عظيم, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" (رواه مسلم) .. وقال تعالى ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ) (المائدة:13)، وقال سبحانه:( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ) (البقرة:109), لنعفو ونسامح ونغفر لمن حولنا, لعل الله أن يعفو عنا ويغفر لنا.

عباد الله: وأخيراً : من هذه الأعمال, أن تحث أهلك وأقاربك ومعارفك على العبادة ، وتعينهم عليها ، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر شدّ مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله) (البخاري) ، وفي هذا جانب تربوي عظيم ، فبإصلاح الأسر تصلح المجتمعات ، وبإفسادها تفسد, قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ) (طه:132)

وأختم بدرة ذهبية للإمام ابن رجب الحنبلي حول الهدي النبوي في العشر الأواخر من رمضان حيث قال : (قد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتهجَّد في ليالي رمضان ، ويقرأ قراءة مرتلة ، لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل ، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوَّذ ، فيجمع بين الصلاة ، والقراءة ، والدعاء ، والتفكر ، وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها ) (بن رجب) ا.هـ

إن السعيد والله من استعد لهذه العشر ، واغتنم أثمن لحظات العمر ، وفاز بجائزة ليلة القدر ، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من السعد


اء الفائزين , اللهم تقبل منا صيامنا وصلاتنا وقيامنا وسائر أعمالنا يارب العالمين .. اللهم اجعلنا من عتقائك من النار وأدخلنا في زمرة المقبولين .. اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً .. اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ما فسد من أحوالنا واحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين .. اللهم من أراد بلادنا وسائر بلاد المسلمين بسوء فرد كيده في نحره واجعل الدائرة تدور عليه .. لا ترفع له راية ولا تحقق له غاية واجعله لمن خلفه عبر وآية يا عظيم .. يا كريم .. هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله و أصحابه الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين..


خطبة للجمعة القادمة:

كيف نستغل العشر الآواخر من رمضان

الحمد لله العظيمِ في قدرِه، العزيزِ في قهرِه، العليمِ بحالِ العبد في سرِّه وجَهرِه، يسمَع أنينَ المظلوم عندَ ضعفِ صبرِه، ويجودُ عليه بإعانته ونصرِه، أحمده على القدَر خيره وشرِّه، وأشكره على القضاءِ حُلوِه ومُرِّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الآياتُ الباهرة، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ) [الروم:25]، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، جاهَد في الله حقَّ جهادِه طولَ عُمُره وسائرَ دهرِه، صلَّى الله عليه وعلى سائر أهله وأصحابه ما جادَ السحابُ بقطرِه وطلَّ الربيع بزَهره، وسلَّم تسليمًا كثيرًا أما بعــد : -, أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل القائل سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1].
عبــــــاد الله : دخل المزني على الإمام الشافعي في مرضه الذي توفي فيه فقال له : كيف أصبحت يا أبا عبدالله ؟!
فقال الشافعي : أصبحت من الدنيا راحلا، وللإخوان مفارقا، ولسوء عملي ملاقيا، ولكأس المنية شاربا، وعلى الله واردا، ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها، ثم أنشأ يقول :
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت رجائي نحو عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قـرنته
بعفوك ربي كـان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل ** تجود وتعفو منّةً وتكرما
وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول : ( لو أن أحدكم أراد سفرا ، أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ؟ قالوا: بلى .. قال: سفر يوم القيامة أبعد ، فخذوا ما يصلحكم : صلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور, وصوموا يوما شديد حره لحر يوم النشور و حجوا لعظائم الأمور .. و تصدقوا بالسر ، ليوم قد عُسر ) .

وها هي العشر الأواخر قد هبت على الصائمين نفحاتها، وأضاءت في قلوب المعتكفين أنوارها ، وتشوّق العبّاد والصالحون لاغتنامها,هي ليالٍ مباركة تحمل بين ساعاتها ليلة العمر التي تنتصب فيها الأقدام بالطاعة وترتفع فيها الأيدي بالدعاء والضراعة, والواجب على المسلم اغتنامها والاستفادة منها, فقد لا تعود على أحدنا إلى قيام الساعة, فسفر طويل وزادنا من الأعمال الصالحة قليل, ورب يوماً أو ليلة كتب الله لك بها سعادة الدنيا والآخرة, فكيف وهي عشر أيام, فاق فضلها الأيام والليالي والساعات والدقائق والثواني, فيها ليلة واحدة بعمرك كاملاً, فطوبى لمن أدركها ونال العفو والمغفرة فيها , إلى جانب العتق من النيران والفوز بالجنان وذلك كل ليلة, وعلينا هنا أن نذكر أنفسنا ببعض الأعمال في هذه العشر الآواخر من رمضان.

معاشر المسلمين: من هذه الأعمال أن نخص جميع زمان العشر الأواخر من رمضان ليله ونهاره بمزيد من الاجتهاد والعبادة ، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) (مسلم) ، وقالت : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر شدّ مئزره) وفي لفظ : (وجدّ وشدّ المئزر) (البخاري) ، وقد قال الإمام الشعبي في ليلة القدر : ليلها كنهارها ، وقال الشافعي : أستحبُّ أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها ، وهذا يقتضي استحباب الإجتهاد في جميع زمان العشر الأواخر ، ليله ونهاره ) (ابن رجب) .

ومنها: أن نحيي الليل بالتراويح و صلاة القيام ، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر شدّ مئزره ، وأحيا ليله) (صحيح) ، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه ) (البخاري) ، وقال : (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه ) (صحيح) ، واحرص بالنسبة لصلاة التراويح أو القيام ألا تفوت على نفسك ثواب قيام ليلة كاملة بأن تصليها تامة مع الإمام حتى ينتهي منها ، قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم : (إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة) (صحيح الجامع) .
إن قيام الليل, داب الصالحين وطريق السالكين, به تكون العزة والرفعة في الدنيا والآخرة, وبه تكون مناجاة الملك سبحانه, كان مالك بن دينار يقوم في الليل البهيم الأسود، ويقبض على لحيته ويبكي، ثم ينظر إلى السماء ويقول: يا رب! لقد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، ففي أي الدارين منزل مالك بن دينار .

ومنها: أن نكثر من قراءة القرآن الكريم ليلاً ونهارًا ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما : (أن جبريل عليه السلام كان يلقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن) (البخاري) ، وهكذا كان السلف الصالح يقرؤون القرآن في رمضان في الصلاة وغيرها ويجتهدون في العشر الأواخر أكثر, عن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِي رضي الله




سابا, اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ما فسد من أحوالنا وخذ بنواصينا إلى كل خير,اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل عسر يسرا ومن كل بلاء عافية, اللهم ادفع عنا الوباء والغلاء والفتن ما ظهر منها وما بطن وردنا إلى دينك رداً جميلاً ..اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وانصر من نصر الدين, هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله و أصحابه الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين.


ة هذا الإنسان، ويضل عن الطريق، وعن صراط الله المستقيم، ويتعرض لغضب الله وسخطه وتغدوا أعماله هباءاً منثوراً .. لقد عرض النبي صلى الله عليه وسلم حالة توجل منها القلوب وتذرف منها الدموع حين قال: ( ليأتين أناسٌ من أمتي معهم حسنات كجبال تهامة بيض، يكبهم الله تعالى على وجوههم في النار))، قال ثوبان: صفهم لنا يا رسول الله! جلهم لنا! فقال : ((يصلون كما تصلون، ويصومون كما تصومون، ولهم ورد من الليل، غير أنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) (صححه الألباني) ..
إن الصوم وشهر رمضان بنفحاته ليحي هذه الرقابة في النفوس فيستشعر العبد أنه الله رقيباً عليه في كل أعماله و في كل الأحوال وتحت أي ظروف, وأنه يستطيع أن يتحكم بتصرفاته ابتغاءاً لوجه الله ومرضاته , قال نافع : خرجت مع ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له فوضعوا سفرة فمر بهم راع فقال له عبد الله : هلم يا راعي فأصب من هذه السفرة فقال : إني صائم .. فقال له عبد الله : في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت في هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم .. فقال الراعي : أبادر أيامي الخالية فعجب ابن عمر وقال : هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها ونطعمك من لحمها ...قال : إنها ليست لي إنها لمولاي .. قال : فما عسى أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب ...؟ ! فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول فأين الله ؟؟؟ قال : فلم يزل ابن عمر يقول : فأين الله .. فلما قدم المدينة فبعث إلى سيده فاشترى منه الراعي والغنم فأعتق الراعي ووهب له الغنم رحمه الله وقال له إن هذه الكلمة أعتقتك في الدنيا وأسأل الله أن تعتقك يوم القيامة) صفة الصفوة ( 2 / 188)

عبــــــاد الله :- إن أزمتنا اليوم والتي تمر بها المجتمعات والشعوب والأفراد والجماعات والأحزاب ليست أزمة طعام أو غذاء أو مال أو دواء أو مسكن أو تعليم أو أزمة أمن واستقرار ولكنها أزمة رقابة, فأصبح الله عند كثير من الناس أهون الناظرين إليه , وما ذلك إلا لأنه سقط من عين الله فلم يكتب له التوفيق والفلاح , ضعف مراقبة الله كانت سبباً في كثير من هذه الأزمات والتي كانت نتيجتها فساد الأخلاق والقيم والسلوك والمعاملات وطغى بسببها حب الدنيا وشهواتها وحب المصلحة الذاتية والرغبة في تحقيقها وظهر التقصير في الواجبات والتفريط والتساهل في أداء الأمانات فساءت الأحوال وسفكت الدماء وأزهقت الأرواح وتفرق الصف وقامت الصراعات والخلافات وتوقف المد الحضاري وتعطل الإنتاج وأصبحت العبادات والطاعات مجرد حركات وأوراد لا تؤثر في إيمان الفرد أو سلوكه وأخلاقه , والواجب على المسلم أن يزكي نفسه ويدرك مسئؤوليته ويراقب ربه ويحسن العمل ويستفيد من العبادات والطاعات والقربات في ذلك, بأدائها كما أمر الله وبإخلاصها لوجه الله, مع استشعار الأجر والثواب في الدنيا والآخرة , اللهم ارزقنا خشيتك في السر والعلن وارزقنا الإخلاص في القول والعمل
قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه .

الخطــــبة الثانـية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:
أيها المسلمون : يا من جعلتم الله رقيباً على صيامكم .. اجعلوا الله رقيباً على أعمالكم وأخلاقكم وتصرفاتكم في البيت والوظيفة والشارع والسوق وفي الحكم والسياسة والاقتصاد والتربية والإعلام وغير ذلك .. فما أحوج أمة الإسلام لأحياء الرقابة الذاتية في نفوس أبنائها .. الطالب والمعلم والموظف والمهندس والمقاول والتاجر والطبيب والجندي والحاكم والقاضي والرجل والمرأة لتستقيم حياتنا وتصلح أحوالنا .. فزكوا أنفسكم وهذبوا أخلاقكم واستشعروا عظمة ربكم وقدرته, ورَبُّوا نفوسكم على عَمَلِ الخيرِ والبعدِ عن الشر تسعدوا في حياتكم وتنالون رضا ربكم وتقوى أخوتكم وتحفظ حقوقكم وينتشر الخير في مجتمعكم وأوطانكم .. واحذروا من التمادي والغفلة وأقبلوا على الله بأعمال صالحة ونيات خالصة قال تعالى (وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ(281) ...
حج ابن المبارك مع جماعة من أهل مرو في خرسان وأثناء مسيرهم إلى بيت الله الحرام مروا على قرية قد أصابها الجوع والأمراض والناس في حالة يرثى لها وفي ضائقة شديدة, فتحرك الإيمان في قلبه وناداه ضميره للقيام بواجبه, فجمع من كانوا معه وذكرهم بما عند الله من خير وثواب وبواجب المسلم تجاه أخيه المسلم وأيقظ الضمير في نفوسهم فجموا أموالهم التي أعدوه للحج ودفعوا بها لأصحاب القرية وعادوا إلى بلادهم ولم يحجوا. ليحجوا العام الذي بعده .. فكم من الأجر سينالهم وكم من الألسن سترتفع بالدعاء لهم وكم من الراحة النفسية ستمتلئ بها قلوبهم.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا و بين معاصيك و من طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، و من اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا, اللهم اجعلنا ممن يصوم ويقوم رمضان إيماناً واحت


خطبة للأسبوع القادم:

الصوم وبناء الرقابة الذاتية ... !!

الحمدُ لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون ، وبعدله ضل الضَّالون , ولحكمه خضع العباد أجمعون , لا يُسألُ عما يفعل وهم يُسألون , لا مانعَ لما وَهَب، ولا مُعْطيَ لما سَلَب، طاعتُهُ للعامِلِينَ أفْضلُ مُكْتَسب، وتَقْواه للمتقين أعْلَى نسَب, بقدرته تهبُّ الرياحُ ويسير الْغمام، وبحكمته ورحمته تتعاقب الليالِي والأيَّام, أحمدُهُ على جليلِ الصفاتِ وجميل الإِنعام، وأشكرُه شكرَ منْ طلب المزيدَ وَرَام، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله الَّذِي لا تحيطُ به العقولُ والأوهام، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أفضَلُ الأنام، صلّى الله وسلَّم وبَارَك عليه وعلى آلِه وأصحابِه والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسلّم تسليمًا أ ما بعـد , أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل القائل سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1].
عبـاد الله : - إن في مدرسة الصيام وشهر رمضان من الدروس والتوجيهات والحكم ما تستقيم بها حياتنا, وتصلح بها سلوكياتنا ومعاملاتنا, وهكذا هي العبادات في الإسلام تؤتي ثمارها في إيمان العبد وعلاقته مع ربه وعبادته وأخلاقه وسلوكه مع الناس من حوله .. قال تعالى في الصيام : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (البقرة:183).. و جعل المولى سبحانه وتعالى ثواب الصوم عظيمًا لأنه أبعد العبادات عن الرياء والنفاق والشرك ، فقال صلى الله عليه وسلم: "كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" (البخاري ومسلم) ..
أيها المؤمنون /عبــاد الله : - من دروس الصوم أنه يبني الرقابة الذاتية في النفوس, فيوجه المسلم إلى مراقبة الله وتقواه وخشيته والخوف, فالصائم يمنع نفسه من الطعام والشراب وسائر المفطرات مع أنه يستطيع أن يخلو بنفسه ويأكل ويشرب ويعمل ما يشاء ولا يعرف عنه أحد , لكنها الرقابة الذاتية التي تتحكم في مواقف الإنسان وتفكيره وتوجهه نحو الخير والحق والصلاح وهي منحة من الله للإنسان وثمرة للإيمان والعمل الصالح وهي حصن تمنع صاحبها من اقتراف الموبقات و هي ميزان يوازن بها الإنسان بين المصالح والمفاسد, لذلكَ ضَربَ اللهُ مثلاً بيوسفَ -عليه السلامُ- حينما حجَزَته رقابة الله عن الانجرافِ وراءَ الهوى فقال في وجه امرأة العزيز:( مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (يوسف: 23).

إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلَا تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ: عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ يَغْفُلُ سَاعَةً
وَلَا أَنَّ مَا تُخْفِيهِ عَنْهُ يَغِيبُ
لَهَوْنَا عَنِ الْأَيَّامِ حَتَّى تَتَابَعَتْ ذُنُوبٌ عَلَى آثَارِهِنَّ ذُنُوبُ
فَيَا لَيْتَ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ مَا مَضَى
وَيَأْذَنُ فِي تَوْبَاتِنَا فَنَتُوبُ
يأتي رجلان من المسلمين إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يختصمان في قطعة أرض، ليس لأحدٍ منهما بينة، وكل واحدٍ منهما يدعي أنها له، وقد ارتفعت أصواتهما، فقال: "إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع منكم، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما يقتطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة"(البخاري(6566).. عند ذلك تنازل كل واحدٍ منهما عن دعواه، فقد حرك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في نفوسهما الإيمان، وارتفع بهما إلى مستوى رائع من التربية الوجدانية، ومراقبة الله والخشية منه سبحانه ؛ فكانت هذه التربية حاجزاً لهما عن الظلم والحرام، وهي الدافع إلى كل خير، فتقوى الله ومراقبته دليل على كمال الإيمان، وسبب لحصول الغفران، ودخول الجنان، باه يضبط السلوك والتصرفات، وتحفظ الحقوق وتؤدى الواجبات، حتى وإن غابت رقابة البشر ووسائل الضبط وقوانين العقوبات والجزاءات، فتقوى الله ومراقبته والخوف منه والاستعداد للقائه أقوى في نفس المسلم من كل شيء، قال – تعالى -: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة:7].

عبــــــاد الله : - عندما تضعف في الإنسان الرقابة الذاتية أو تصيبها آفة ، تفسد حيا




اليوم ( 11 ) :

هذا هو اليوم الحادي عشر
من شهر رمضان لسنة 1441 هجرية ..

لم يستطيع ان ينام تلك الليلة، وتطاول عليه الليل، ينتظر ان يسفر الصباح ليذهب إلى غايته ، إنه الأعشى بن قيس .. كان شيخاً كبيراً شاعراً ، فلما كان الصباح خرج من اليمامة .. من نجد .. يريد النبي عليه الصلاة والسلام .. راغباً في دخول الإسلام ..مضى على راحلته .. مشتاقاً للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم .. بل كان يسير وهو يردد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً :
ألم تغتم عيناك ليلة أرمدا
وبت كما بات السليمُ مسهدا
ألا أيهذى السائلي أين يممت
فإن لها في أهل يثرب موعدا
واليت لا آوي لها من كلالة
ولا من حفي حتى تلاقي محمدا
نبي يرى ما لا ترون وذكرُه
أغار لعمري في البلاد وانجدا
أجدِّك لم تسمع وصاه محمد
نبيِّ الإله حيث أوصى وأشهدا
إذ أنت لم ترحل بزاد من التقى
ولا قيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله
فترصد للأمر الذي كان أرصدا

وما زال يقطع الفيافي والقفار..يحمله الشوق والغرام .. إلى النبي عليه السلام ..راغباً في الإسلام .. ونبذ عبادة الأصنام .. فلما كان قريباً من المدينة..اعترضه بعض المشركين فسألوه عن أمره ؟ .. فأخبرهم أنه جاء يريد لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم .. فخافوا أن يسلم هذا الشاعر .. فيقوى شأن النبي صلى الله عليه وسلم .. فشاعر واحد وهو حسان بن ثابت قد فعل بهم الأفاعيل .. فكيف لو أسلم شاعر العرب الأعشى بن قيس ..فقالوا له : يا أعشى دينك ودين آبائك خير لك .. قال : بل دينه خير وأقوم .. قالوا : يا أعشى .. إنه يحرم الزنا .. قال : أنا شيخ كبير ما لي في النساء حاجة .. فقالوا : إنه يحرم الخمر ..فقال : إنها مذهبة للعقل .. مذلة للرجل .. ولا حاجة لي بها .. فلما رأوا أنه عازم على الإسلام .. قالوا : نعطيك مائةَ بعير وترجع إلى أهلك .. وتترك الإسلام .. قال : أما المال .. فنعم .. فجمعوها له .. فارتد على عقبيه .. وكرَّ راجعاً إلى قومه بكفره .. واستاق الإبل أمامه .. فرحاً بها مستبشراً .. فلما كاد أن يبلغ دياره .. سقط من على ناقته فانكسرت رقبته ومات ..( ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ ) (النحل/107- 109) ..

الغايةَ الكُبرى من الوجودِ الإنسانيِ بأسرهِ هو عمارةُ الأرضِ بالتوحيدِ والإيمان, وإقامةُ حكمُ اللهِ وشرعهِ في عظائمِ الأُمورِ وصغارها ً ومتى ما تعذَّرَ تحقيقُ هذه الغايةِ فوقَ أرضٍ ما, أو في وظيفة ما أو في منصبٍ ما أو في مدينة ما أو مع شلة وأصحاب وكبراء يركنُ إليهم ويخافهم ، فلا بُدَّ من البحثِ عن غيرِها من أرض أو وظيفة أو منصب مهما كان الثمن, ومهما كانتِ التضحيات والله عز وجل يقول محذراَ أن يضعف الإنسان فيبيع دينه وقيمه ومبادئه بحجة الضعف والخنوع والإستسلام لشهوة عارضة أو متاع زائل : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:97)

واليوم كم من موانع وعقبات وشبهات تقف أمام الإنسان تصده عن الله وعن دينه وشرعه .. فهناك من يستسلم للرغبات والشهوات فيبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، وهناك من تشتاق نفسه إلى الهداية .. لكن يمنعه حب الدنيا وزينتها وقول فلان وعلان، وارضا فلان وفلان، و من الناس يرى الحق أمامه واضحا جليا ومع ذلك لا يتبعه، وهناك من يسوف ويسترسل ويؤجل اللحاق بطريق الهداية فيخسر و يندم في وقت لا ينفع فيه ندم .

ورمضان مدرسة نتعلم منها بأن لا نكون عبيداً للشهوات فيجاهد المرء نفسه في هذا الشهر ليثبت أمام شهوات وشبهات الحياة ..
‏فالصيام فرضه الله لحكم منها التعود على الصبر لمواجهة المحن والصعاب والتحكم في الشهوات والانتصار عليها فمن منع نفسه عن الحلال يمكنه منع نفسه عن المعاصي والحرام ...

اللهم ثبتنا على الحق حتى نلقاك ..


🌹


تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 100]
عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزل قوله تعالى: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) (الحديد:11), قال أبو الدحداح يا رسول الله أو إن الله يريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح، قال: أرني يدك قال فناوله، قال فإني أقرضت الله حائطا فيه ستمائة نخلة, ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه وعياله، فناداها يا أم الدحداح، قالت: لبيك قال اخرجي قد أقرضت ربي عز وجل حائطا فيه ستمائة نخلة) .. لم تقل له لقد ضيعتنا وأفقرتنا كيف سنعيش ماذا تركت لأولادك ؟ كلا .. بل قالت :
بشرك الله بخير وفرح * مثلك أدى ما لديه ونصح
قد متع الله عيالي ومنح *
بالعجوة السوداء والزهو البلح
والعبد يسعى وله ما قد كدح *** طول الليالي وعليه ما اجترح.
معاشر المسلمين: إن سعادة الأمة أفراداً وشعوباً ودولاً ومجتمعات إنما يكمن في الالتزام بما امر الله ورسوله صل الله عليه وسلم والمسارعة إلى التنفيذ برحابة نفس وحب، وتلك عبادة الرضا بالله وعن الله وفي الله، ولن يكون هناك خير أو نصر او تمكين، أو خروج من هذا الواقع المرير إلا عندما نقدم أمر الله ورسوله برضا وحب وتضحية ويقين، على رضا النفوس والأشخاص والشهوات والشبهات، قال تعالى: (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ) (التوبة:62)
وشهر رمضان يأتي كل عام ليجدد هذه القيم ويؤصلها في النفوس كما تأتي غيره من العبادات لتربية المسلم على تقديم ما يحبه الله ويرضاه , اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار,
قلت ماسمعتم واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه .

الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المتقين محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين , أما بعد :
عبــــاد الله : - إن الله سبحانه وتعالى لا يحتاج منا إلى أن نترك طعامنا وشرابنا في رمضان أو غيره, إنما يتعبدنا بحسن الألتزام والمسارعة إلى التنفيذ طلباً لرضاه, وعليه يجب ان نتعلم من هذا الدرس العظيم من شهر رمضان ونسارع لإرضاء الله في أقوالنا وأفعالنا ومعاملاتنا، فنترك الحرام من أجل الله, ونبتعد عن الغش والخيانة من أجل الله, ونصفي قلوبنا من الحسد والأحقاد والضغائن من اجل الله ونترك العصبية والجاهلية من أجل الله , ونحقن دمائنا ونصون أعراضنا و أموالنا من أجل الله، ونحفظ السنتنا من أجل الله, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن لم يَدَعْ قول الزُّور والعملَ به والجهلَ، فليس للهِ حاجةٌ أن يَدَعَ طعامه وشرابه))؛ رواه البخاري

أيها المؤمنون: إن اعظم أبواب الخير والراحة والنعيم ان يرضى عنك ربك في الدنيا والآخرة ولن يصل المرء إلى هذه المكانة إلا بعقيدة صحيحة وعبادة سليمة وعمل صالح والطمع فيما عند الله من أجر وثواب ..
عنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ،عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،قَالَ" : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ :يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُونَ : لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ ، وَالْخَيْرُ بَيْنَ يَدَيْكَ ، فَيَقُولُ : هَلْ رَضِيتُمْ ، فَيَقُولُونَ : وَمَا لَنَا لا نَرْضَى ، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، فَيَقُولُ : أَلا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالُوا : يَا رَبِّ ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ ؟ فَيَقُولُ : أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رضْوَانِي ، فَلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا "(صحيح)
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا و بين معاصيك و من طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، و من اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا, اللهم اجعلنا ممن يصوم ويقوم رمضان إيماناً واحتسابا, اللهم ارضى عنا وعن والدينا دنيا وآخرة,
اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ما فسد من أحوالنا وخذ بنواصينا إلى كل خير,اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل عسر يسرا ومن كل بلاء عافية, اللهم ادفع عنا الوباء والغلاء والفتن ما ظهر منها وما بطن وردنا إلى دينك رداً جميلاً .. هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله و أصحابه الطيبين الطاهرين
والحمد لله رب العالمين


خطبة جمعة:

صـــائم من أجل الله ... !!

الحمد للهِ عزَّ واقتَدَر، وعَلا وقهَر، لا محيدَ عنه ولا مفرّ، أحمده سبحانَه وأشكُره وقد تأذَّن بالزيادةِ لمن شكرَ، وأتوب إليه وأستَغفره يقبَل توبة عبدِه إذا أنابَ واستغفَر، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له شهادةً تنجِي قائلَها يومَ العرضِ الأكبر , وأشهد أنّ سيِّدنا ونبينا محمَدًا عبد الله ورسوله سيّد البشر الشافع المشفَّع في المحشر، صلّى الله وسلَّم وبَارَك عليه وعلى آلِه الأطهار الأخيَار وأصحابِه والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسلّم تسليمًا كثيرًا ما اتّصَلت عين بنظرٍ وأذُن بخبر أ ما بعـد:-
أيها المؤمنون: إن القرب من الله بتوحيده وعبادته وطلب مرضاته من أعلى المراتب وأجل الغايات, وفي ذلك سعادة الدارين, ولذلك سار في هذا الطريق الأنبياء والصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً, فآثروا مرضات الله على شهواتهم وأمنياتهم وتطلعاتهم, وقدموا ما يحب الله على محابهم ولو كانت عزيزة عليهم , هذا إبراهيم - عليه السلام - المثل الأعلى في تقديم رضا الله عن كل رضا فقد أخبرنا - تعالى -مبيناً صدقه عندما أمتحنه وابتلاه في أعز ما يملك في هذه الحياة وأمره بذبح ابنه فقال: ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) [الصافات: 102]، والرؤيا في حق الأنبياء وحيٌ من الله ( فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) [الصافات: 103 - 107].
وقال الله عَزَّ وَجَلَّ عن موسى عليه السلام : ( وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ) (طه: 83، 84)، أي الذي عجلني إليك يا رب: الطلب لقربك، والمسارعة في رضاك.

من أجل رضا الله وتقديم محابه على محاب النفس, جاعت البطون و تفطرت الأقدام و سجدت الجباه وبذلت الأموال وأريقت الدماء وسالت الدموع وتقرحت الشفاه ..
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خرابُ
إذا صح منك الود فالكل هين ** وكل الذي فوق التراب ترابُ.
ولذلك لما عاد - صلى الله عليه وسلم - من الطائف وقد رجم بالحجارة من قبل السفهاء والمجانين وسدت في وجهة طرق البلاغ لدين الله لم يزد على أن قال كلمات يطلب فيها رضا ربه قائلاً: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي, أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك، أو ينزل بي سخطك. لك العتبى حتى ترضى. ولا حول ولا قوة إلا بك... ).
عبــاد الله : في الصيام تظهر هذه العبادة جلية واضحة, فالصيام فيه تقديم رضا الله على النفس، وتضحية بالامتناع عن الطعام والشراب، و بالإمساك عن الشهوة وذلك ابتغاء وجه الله وحده ، ومن هنا كان ثوابه عظيمًا، قال صلى الله عليه وسلم-: "كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" (رواه البخاري ومسلم) .. نعم يدع الصائم طعامه وشرابه ويترك شهوته ويحفظ جوارحه من اجل الله وطلباً لمرضاته ويتحمل المشاق لأجل ذلك, وعندما يأت موعد الإفطار يقول المسلم برضا وطمأنينة وثقة بوعد الله ووعيده كما علمه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) (حسنه الألباني في صحيح أبي داود) .
إن الرضا عن الله وتقديم محابه على محاب النفس دليل على قوة الإيمان,به ينال العيد معية الله وتوفيقه في الدنيا والآخرة, قال صلى الله عليه وسلم - :(" ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رضي بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً) (مسلم 1/46), و قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي : رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا ، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ ) (مسلم1/46), لقد كان جزاء من يطلبون رضا الله ويقدمون محابه على محاب نفوسهم ويسارعون بالتضحية بالمال والنفس, أن رضي الله عنهم وبشرهم بجنته ورضوانه قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ



20 ta oxirgi post ko‘rsatilgan.

358

obunachilar
Kanal statistikasi