متى نعترف بأخطائنا ؟
عناصر الخطبة:
1/ فضل الاعتراف بالخطأ
2/ التربية على الاعتراف بالخطأ
3/ فقه الاعتراف بالخطأ
4/ ثمرات الاعتراف بالخطأ
5/ نماذج رائعة في الاعتراف بالخطأ
6/ فوائد الاعتراف بالخطأ
7/ الآثار المترتبة على الاعتراف بالخطأ
الخطبة الاولى:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، لا فوز إلا في طاعته، ولا عز إلا في التذلل لعظمته،
ولا غناء إلا في الافتقار إلى رحمته.
أحمده – سبحانه – وأشكره، إذا أطُيع شكر، وإذا عُصي تاب وغفر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويغفر للمخطئين المستغفرين، ويُقيل عثرات العاثرين، ويمحو بحلمه إساءة المذنبين، ويقبل اعتذار المعتذرين.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وحجته على الخلائق أجمعين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: ليس على وجه الأرض بشر معصوم من الخطأ؛ فقد اقتضت سنة الله عند خلقه لهذا الإنسان أن يكون الخطأ جزء من حياته، وسلوك من سلوكياته، وسمة بارزة في شخصيته، قد يقع فيه في أي وقت من حياته؛ قال – صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ".
ولقد كان من التوجيهات القرآنية الرفيعة؛ أنه في حال وقوع الفرد المسلم في الخطأ، سواء كان في معاملة العبد مع ربه، أو في السلوك، أو المعاملات، أو حتى في التصرفات والأخلاق، فإن عليه أن يواجه أخطاءه، وأن يعترف بها ولا يبررها، ولا يلتمس لنفسه الأعذار، ولا يهرب من المسؤولية.
ولعل هذا من أبرز الدروس التربوية الراقية؛ التي تعلَّمها الجيل الأول الفريد؛ بعد معركة أحد وهزيمة المسلمين فيها، قال – تعالى -: (أَوَ لَمَّا أصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آل عمران: 561].
فالخطأ ابتداءً ليس عيباً، بل هو سِمَة بشرية.
وكذلك الوقوع في الذنب؛ لأن العصمة للحبيب – صلى الله عليه وسلم – فقط.
ولكن العيب هو التمادي في الخطأ، وعدم الرجوع عن الذنب؛ والخيرية لمن تاب وأناب: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ".
هذا أبونا آدم -عليه السلام- اعترف بذنبه لمَّا أخطأ، وسارع إلى ذلك، ولم يُحاول تبرير ما وقع فيه من إثمٍ بمخالفة أمر الله، والأكل من الشجرة المحرَّمة عليه هو وزوجه، لم يُراوغ، ولم يتكبر، لكنه جاء معترفًا بخطئه، ومُقرًا به: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف: 23].
وهكذا مضت قافلة البشر، وهكذا تعلم الأنبياء والصالحون؛ فموسى – عليه السلام – لمَّا وكز الرجل وقتله، لم يتغنَّ ببطولته، ولم يُبرّر عملَه، بل اعترف بظلمه لنفسه، وقال في ضراعة: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[القصص: 16].
وملكة سبأ لم يمنعها ملكها ومالها وقوة جيشها ومكانتها أن تعترف بخطئها في عبادة غير الله، فلما قدمت على سليمان – عليه السلام – ورأت قدرة الله وقوته وحكمته وعلمه وتهيئته الأسباب لنبيه سليمان – عليه السلام – أعلنت اعترافها، قال – تعالى -: (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[النمل: 44].
والله – سبحانه وتعالى – قد وصف المؤمنين بهذا السلوك العظيم، فمتى ما وقع المرء في خطأ، فما أجمل أن يسارع إلى الاعتراف والرجوع إلى الحق، قال – تعالى -: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 135].
والاعتراف بالخطأ في حق الله سواء كان في الاعتقاد، أو العبادات والأحكام، فإن العبد يكفيه أن يعترف بخطئه لربه، ويندم على ما فرط، ويسارع إلى الأعمال الصالحة ليعوض ما فاته من خير، ولا يلزمه أن يشهر بنفسه على الخلائق، ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله – عز وجل – عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله – عز وجل –"[رواه الحاكم (4/383) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (663)].
وهو – سبحانه – الذي ينادي عباده كما في الحديث القدسي: "يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي"[رواه الترمذي].
أيها المؤمنون -عباد الله-: وعلمنا رسول الله – صلى الله عليه وس
عناصر الخطبة:
1/ فضل الاعتراف بالخطأ
2/ التربية على الاعتراف بالخطأ
3/ فقه الاعتراف بالخطأ
4/ ثمرات الاعتراف بالخطأ
5/ نماذج رائعة في الاعتراف بالخطأ
6/ فوائد الاعتراف بالخطأ
7/ الآثار المترتبة على الاعتراف بالخطأ
الخطبة الاولى:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، لا فوز إلا في طاعته، ولا عز إلا في التذلل لعظمته،
ولا غناء إلا في الافتقار إلى رحمته.
أحمده – سبحانه – وأشكره، إذا أطُيع شكر، وإذا عُصي تاب وغفر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويغفر للمخطئين المستغفرين، ويُقيل عثرات العاثرين، ويمحو بحلمه إساءة المذنبين، ويقبل اعتذار المعتذرين.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وحجته على الخلائق أجمعين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: ليس على وجه الأرض بشر معصوم من الخطأ؛ فقد اقتضت سنة الله عند خلقه لهذا الإنسان أن يكون الخطأ جزء من حياته، وسلوك من سلوكياته، وسمة بارزة في شخصيته، قد يقع فيه في أي وقت من حياته؛ قال – صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ".
ولقد كان من التوجيهات القرآنية الرفيعة؛ أنه في حال وقوع الفرد المسلم في الخطأ، سواء كان في معاملة العبد مع ربه، أو في السلوك، أو المعاملات، أو حتى في التصرفات والأخلاق، فإن عليه أن يواجه أخطاءه، وأن يعترف بها ولا يبررها، ولا يلتمس لنفسه الأعذار، ولا يهرب من المسؤولية.
ولعل هذا من أبرز الدروس التربوية الراقية؛ التي تعلَّمها الجيل الأول الفريد؛ بعد معركة أحد وهزيمة المسلمين فيها، قال – تعالى -: (أَوَ لَمَّا أصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آل عمران: 561].
فالخطأ ابتداءً ليس عيباً، بل هو سِمَة بشرية.
وكذلك الوقوع في الذنب؛ لأن العصمة للحبيب – صلى الله عليه وسلم – فقط.
ولكن العيب هو التمادي في الخطأ، وعدم الرجوع عن الذنب؛ والخيرية لمن تاب وأناب: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ".
هذا أبونا آدم -عليه السلام- اعترف بذنبه لمَّا أخطأ، وسارع إلى ذلك، ولم يُحاول تبرير ما وقع فيه من إثمٍ بمخالفة أمر الله، والأكل من الشجرة المحرَّمة عليه هو وزوجه، لم يُراوغ، ولم يتكبر، لكنه جاء معترفًا بخطئه، ومُقرًا به: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف: 23].
وهكذا مضت قافلة البشر، وهكذا تعلم الأنبياء والصالحون؛ فموسى – عليه السلام – لمَّا وكز الرجل وقتله، لم يتغنَّ ببطولته، ولم يُبرّر عملَه، بل اعترف بظلمه لنفسه، وقال في ضراعة: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[القصص: 16].
وملكة سبأ لم يمنعها ملكها ومالها وقوة جيشها ومكانتها أن تعترف بخطئها في عبادة غير الله، فلما قدمت على سليمان – عليه السلام – ورأت قدرة الله وقوته وحكمته وعلمه وتهيئته الأسباب لنبيه سليمان – عليه السلام – أعلنت اعترافها، قال – تعالى -: (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[النمل: 44].
والله – سبحانه وتعالى – قد وصف المؤمنين بهذا السلوك العظيم، فمتى ما وقع المرء في خطأ، فما أجمل أن يسارع إلى الاعتراف والرجوع إلى الحق، قال – تعالى -: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 135].
والاعتراف بالخطأ في حق الله سواء كان في الاعتقاد، أو العبادات والأحكام، فإن العبد يكفيه أن يعترف بخطئه لربه، ويندم على ما فرط، ويسارع إلى الأعمال الصالحة ليعوض ما فاته من خير، ولا يلزمه أن يشهر بنفسه على الخلائق، ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله – عز وجل – عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله – عز وجل –"[رواه الحاكم (4/383) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (663)].
وهو – سبحانه – الذي ينادي عباده كما في الحديث القدسي: "يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي"[رواه الترمذي].
أيها المؤمنون -عباد الله-: وعلمنا رسول الله – صلى الله عليه وس