( إذا نصحوا لله ورسوله، ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم)
ليس في وارد المرء أن ينشغل بالردود، فهي في زماننا هذا قلما تحمل علماً يهديك أو ينفعك، بل هي في أغلبها خصومات ومعارك أدواتها الكلمات، ومادتها شحناء النفوس وانتصار الذات فقط، مع وجود بعض ما ينتفع به مما يقوله أهل العلم جزاهم الله خيراً.
من المهم للمفتي والفقيه والحكيم أن ينظر إلى مآلات ما يقول، وإلى تصور تحول كلماته إلى واقع، فبهذا يمكن له أن يحكم على كلماته: أحكيمة هي أم لا.
هناك تصورات جميلة جدا في الذهن، وعلماؤنا علمونا ، جزاهم الله خيرا بالاحتمالات العقلية، وأنها لا حدود لها، ويعني هذا في لغة الخطاب المعاصر: كلمات شعورية وحالمة، وهذا يسبغ عليها جمالاً ورونقاً تميل إليه النفس، خاصة لمن يمارس ويعاني سحر الكلمات.
شيوخنا لهم تصورات جميلة، لكنها ذهبت تحت طرقات الواقع، ويمكن وضع تصوراتهم تحت ما يسمى بالأيدلوجيا، لأنها تتحول كذلك في أذهان الأتباع، وتسيطر عليهم، وهي بسبب الخطاب الديني تتحول إلى فقه وفتوى.
هناك الكثير مما يقال من الشيوخ، ولكلماتهم سحر الشعور، وجمال الحلم، وتتجلى نفوسهم كلما حلقت في الخيال، ويبدأ التصفيق لها من الأتباع كتصفيق سامع الشعر، يطرب لها وتهتز له أردافه كما يقولون.
هؤلاء المشايخ كان لهم( سميعة) يوم أن كان الكل يحلم، والفعل قليل، والشباب مثل الشيوخ يعيشون فقط في الكلمات، فهي حياتهم التي يسبحون بها، ولكن حدث شئ جديد يجب مراعاته جداً، وإلا سقطت كلمات الشيوخ والشيوخ أنفسهم بعدم الإهتمام به.
فتحت أبواب الفعل، وانتقل الكثيرون من عالم الحلم والمثال والكلمات إلى عالم الواقع والصراع، وبدأ الشباب يفعلون، ويحسون بقيد الفعل وسطوته وقهره، ومن خلاله تتشكل صورهم الذهنية.
دخلوا عالم النار، وعالم القيد، وعالم الدم، وبدأت أذهانهم توازن بين صورة الحلم والكلمة المنفلتة بلا قيد، وبين عالم الواقع الصلب، وبهذا حصلت لهم إمامة جديدة، وتشكل جديد.
هؤلاء الشباب، (هذا وصف أغلبي، وإلا فالكثيرون منهم بدأ الشيب يغزو رؤوسهم) يصنعون توازنا بين حكمة القول وسطوة الفعل، لكن هذا لم يرض بعض أصحاب الكلمات، فبدأ التقريع والإتهام، وذلك بأن هذا التوازن هو انهيار القواعد ، وأنه خروج عن المبادئ، وتغير في العقائد.
يقول الشباب لهم: والله ما غيرنا ديننا، ولا بدلنا عقائدنا، ولا ندين إلا بما تدينون به، لكن للفعل قواعده، والواقع له ظروفه فافهموا علينا.
وبدأت معركة الشعارات تستنزف الناس والشباب والشياب كذلك.
ووككل ظاهرة يبدأ الإستقطاب، وتضيع المفاهيم، ويتعلق الناس بالصوت والصدى، وينتشر الشقاق.
على حافة هذه الظاهرة يبدأ البعض بتقريع الشباب أنهم لا يحترمون الحكماء، أقصد حكماء الكلمة،ويبدأ بعض آخر باستغلال الظاهرة ليكون له شأن ، فهي فرصته ، فيؤجج حالة الإستقطاب الذميم.
هذه الظاهرة ستصل إلى مستقرها، ولن يوقفها شئ، والمطلوب هو التوجه للفعل ، والعمل به، وخوض غماره، وترك خصومات الكلمات، والحالة الوحيدة التي ستقذر الناس من هذا الحال هو رحمة الله بهم بتسعير الجهاد، ورفعة أهله، وحينها كما هو الحال في كل سوق جهادي قد أقامه الله كان هناك من يعيش على هوامشه ساباً وقاذفاً، ومدعيا الحكمة التي أبصرها ولم يبصرها غيره.
في خاتمة كل سوق جهادي قام كان أعظم الناس هم الشهداء، وهم أعظم الفائزين، فلا تجعلوهم أكثر الخاسرين.
في كل جهاد قام لم يخسر إلا من حضر سوقه ولم يصب فيه غباراً في معركة، أو جرحا يشهد له يوم القيامة،ومن لم يعش حياة البلاء في الجهاد لن تكون له أمامة في الدين، بل ولا في الدنيا على معنى الحق.
أما من حرم من اللحاق بهم، فلن يعدم أن يدعو لهم، وينصرهم بكلماته، ويحبهم، لعله يلحق بعض كراماتهم.