📌السؤال:
◀️قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا ٥٩﴾ [مريم]، قال بعضُ السلف: ليس إضاعتُها تَرْكَها بالكُلِّية، ولكنَّهم يؤخِّرون الصبحَ إلى الظهر، والظهر إلى العصر .. فتَوعَّدَهم اللهُ عزَّ وجلَّ بالغيِّ.
◀️قلت: في هذا دليلٌ على أنَّ المصلِّيَ لا يقضي الفائتةَ إِنْ تَرَكها لغير عذرٍ شرعيٍّ.
◀️و بيانُه: أنَّ القائلين بوجوب القضاء اتَّفقوا على أنَّ المصلِّيَ ينتفع بقضائه: إمَّا بحصول الأجر أو بعدم حصول الأجر، لكِنْ مع سقوط الوِزْر، والآيةُ تردُّه وكذا الأثرُ المفسِّرُ لها؛ فالوِزْرُ باقٍ ما لم يَتُبْ، والتوبةُ تجبُّ ما قبلها.
◀️فإِنْ كان صائبًا هذا القولُ فوجِّهونا، وإِنْ كان خطأً فصوِّبونا، وحَفِظَكم اللهُ لنا.
📌الجواب:
◀️الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
◀️فاعْلَمْ أنَّ العلماء اختلفوا في المراد بإضاعة الصلاة في الآية: وما عليه الأكثرون وصحَّحه القرطبيُّ ـ رحمه الله ـ أنَّ المرادَ بإضاعتها: تأخيرُها عن وقتها، وهو مرويٌّ عن ابنِ مسعودٍ وابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهم والنخَعيِّ وعُمَرَ بنِ عبد العزيز وغيرِهم، واختار ابنُ جريرٍ ـ رحمه الله ـ أنَّ معنى: ﴿أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ﴾ أي: تركوها، وفي المسألة أقوالٌ أخرى حُمِلَ فيها لفظُ الإضاعة على مَعانٍ منها: الإخلال بشروطها، أو جحودُ وجوبها، أو إضاعتُها في غير الجماعات، أو تعطيلُ المساجد ونحوُ ذلك.
◀️و الظاهر أنَّ لفظ الإضاعة أعمُّ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ في معنًى دون آخَرَ، بل هو لفظٌ عامٌّ شاملٌ لكُلِّ أنواع الإضاعة، مع مراعاةِ تَفاوُتِ أحكامها ودرجةِ آثامها(١).
◀️و إذا حُمِلَ اللفظُ على تفويتها ـ كما هو قولُ الأكثرين ـ فإنَّ ما رتَّبْتموه ـ استنباطًا ـ مِنْ تفسير الآية المذكور فهو ـ عندي ـ وجيهٌ يُوافِقُ مذهبَ الأكثرين في كونِ القضاء يحتاج إلى أمرٍ جديدٍ، غير أنَّ القائلين بأنَّ الواجب المؤقَّتَ لا يسقط بفوات وقته، ولا يفتقر القضاءُ إلى أمرٍ جديدٍ ـ وهُمُ الحنابلةُ وجمهورُ الأحناف وبعضُ المعتزلة ـ فإنهم يمنعون كونَ الآيةِ تَرُدُّ انتفاعَ المصلِّي بقضائه في حصول الأجر وسقوطِ الوِزْر؛ إذ الآيةُ شرعُ ما قبلنا والأثرُ تابعٌ لها تفسيرًا، وشرعُ ما قبلنا ليس بشرعٍ لنا؛ لورودِ ما يمنعه في شرعِنا؛ لقوله تعالى: ﴿أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ﴾ الآية [الإسراء: ٧٨]، والقضاءُ يُستفادُ ـ عندهم ـ ضِمْنًا مِنْ صيغة الأمر؛ إذ «الأمرُ المركَّبُ أمرٌ بأجزائه» كالأمر بالصلاة المعيَّنة في زمنِها المؤقَّت لها، فإِنْ فات الوقتُ فقَدْ تَعذَّرَ عليه أداءُ أحَدِ جزأَيِ المركَّبِ وهو خصوصُ الوقت، ويبقى الآخَرُ في الإمكان، وله أَنْ يُوقِعَه في أيِّ وقتٍ شاء لوجوبِ الإتيان بالمُمكِن؛ لأنَّ المركَّبَ مِنْ أجزاءٍ يَنسحِبُ حكمُه عليها، فضلًا عن قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى»(٢) فهو نصٌّ جديدٌ يَشْمَلُ ما وَرَدَ مِنْ تفسيرِ الآية المذكور.
◀️و الراجح ـ عندي ـ: مذهبُ الأكثرين، وما وَصَفْتُه بالوجاهة يمكن أَنْ يكون ضميمةً لأدلَّتِهم؛ وذلك لأنَّ القضاء لا يُفْهَمُ مِنْ صيغة الأمر؛ لأنَّ الأمر لا يَتناوَلُ غيرَ الوقت المقدَّر؛ ولذلك وَجَبَ القضاءُ في رمضان بأمرٍ جديدٍ، وهو قولُه تعالى: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٤]، ولولا أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أوجب القضاءَ على النائم والناسي في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا»(٣) لَمَا وَجَب، ولأنَّه لو كان القضاءُ بالأمر الأوَّل لَوَجَب قضاءُ الجمعةِ والصلاةِ للحائض، ولأنَّ الأمر بالفعل في زمنٍ مؤقَّتٍ لا يترتَّبُ إلَّا على مصلحةٍ خاصَّةٍ بذلك الوقتِ ترجيحًا له مِنْ بين سائرِ الأوقات، ولأنَّه لا حجَّةَ في التمسُّك بعموم حديثِ: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى»(٤)؛ لورودِه على سببٍ خاصٍّ وهو النذر؛ ذلك لأنَّ النذر ليس واجبًا بأصل الشرع، وإنَّما أوجَبَه العبدُ على نَفْسه؛ فصار بمنزلة الدَّيْن الذي استدانه؛ ولهذا شبَّهه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالدَّين في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتِ الْبَحْرَ، فَنَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا اللهُ أَنْ تَصُومَ شَهْرًا، فَنَجَّاهَا اللهُ، فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ؛ فَجَاءَتِ ابْنَتُهَا أَوْ أُخْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَصُومَ عَنْهَا»(٥)، والمسؤولُ عنه فيه كان صومَ نذرٍ على ما أفاده ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ، ومِنْ تمامِ الفائدة أضاف قائلًا:
◀️قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا ٥٩﴾ [مريم]، قال بعضُ السلف: ليس إضاعتُها تَرْكَها بالكُلِّية، ولكنَّهم يؤخِّرون الصبحَ إلى الظهر، والظهر إلى العصر .. فتَوعَّدَهم اللهُ عزَّ وجلَّ بالغيِّ.
◀️قلت: في هذا دليلٌ على أنَّ المصلِّيَ لا يقضي الفائتةَ إِنْ تَرَكها لغير عذرٍ شرعيٍّ.
◀️و بيانُه: أنَّ القائلين بوجوب القضاء اتَّفقوا على أنَّ المصلِّيَ ينتفع بقضائه: إمَّا بحصول الأجر أو بعدم حصول الأجر، لكِنْ مع سقوط الوِزْر، والآيةُ تردُّه وكذا الأثرُ المفسِّرُ لها؛ فالوِزْرُ باقٍ ما لم يَتُبْ، والتوبةُ تجبُّ ما قبلها.
◀️فإِنْ كان صائبًا هذا القولُ فوجِّهونا، وإِنْ كان خطأً فصوِّبونا، وحَفِظَكم اللهُ لنا.
📌الجواب:
◀️الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
◀️فاعْلَمْ أنَّ العلماء اختلفوا في المراد بإضاعة الصلاة في الآية: وما عليه الأكثرون وصحَّحه القرطبيُّ ـ رحمه الله ـ أنَّ المرادَ بإضاعتها: تأخيرُها عن وقتها، وهو مرويٌّ عن ابنِ مسعودٍ وابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهم والنخَعيِّ وعُمَرَ بنِ عبد العزيز وغيرِهم، واختار ابنُ جريرٍ ـ رحمه الله ـ أنَّ معنى: ﴿أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ﴾ أي: تركوها، وفي المسألة أقوالٌ أخرى حُمِلَ فيها لفظُ الإضاعة على مَعانٍ منها: الإخلال بشروطها، أو جحودُ وجوبها، أو إضاعتُها في غير الجماعات، أو تعطيلُ المساجد ونحوُ ذلك.
◀️و الظاهر أنَّ لفظ الإضاعة أعمُّ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ في معنًى دون آخَرَ، بل هو لفظٌ عامٌّ شاملٌ لكُلِّ أنواع الإضاعة، مع مراعاةِ تَفاوُتِ أحكامها ودرجةِ آثامها(١).
◀️و إذا حُمِلَ اللفظُ على تفويتها ـ كما هو قولُ الأكثرين ـ فإنَّ ما رتَّبْتموه ـ استنباطًا ـ مِنْ تفسير الآية المذكور فهو ـ عندي ـ وجيهٌ يُوافِقُ مذهبَ الأكثرين في كونِ القضاء يحتاج إلى أمرٍ جديدٍ، غير أنَّ القائلين بأنَّ الواجب المؤقَّتَ لا يسقط بفوات وقته، ولا يفتقر القضاءُ إلى أمرٍ جديدٍ ـ وهُمُ الحنابلةُ وجمهورُ الأحناف وبعضُ المعتزلة ـ فإنهم يمنعون كونَ الآيةِ تَرُدُّ انتفاعَ المصلِّي بقضائه في حصول الأجر وسقوطِ الوِزْر؛ إذ الآيةُ شرعُ ما قبلنا والأثرُ تابعٌ لها تفسيرًا، وشرعُ ما قبلنا ليس بشرعٍ لنا؛ لورودِ ما يمنعه في شرعِنا؛ لقوله تعالى: ﴿أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ﴾ الآية [الإسراء: ٧٨]، والقضاءُ يُستفادُ ـ عندهم ـ ضِمْنًا مِنْ صيغة الأمر؛ إذ «الأمرُ المركَّبُ أمرٌ بأجزائه» كالأمر بالصلاة المعيَّنة في زمنِها المؤقَّت لها، فإِنْ فات الوقتُ فقَدْ تَعذَّرَ عليه أداءُ أحَدِ جزأَيِ المركَّبِ وهو خصوصُ الوقت، ويبقى الآخَرُ في الإمكان، وله أَنْ يُوقِعَه في أيِّ وقتٍ شاء لوجوبِ الإتيان بالمُمكِن؛ لأنَّ المركَّبَ مِنْ أجزاءٍ يَنسحِبُ حكمُه عليها، فضلًا عن قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى»(٢) فهو نصٌّ جديدٌ يَشْمَلُ ما وَرَدَ مِنْ تفسيرِ الآية المذكور.
◀️و الراجح ـ عندي ـ: مذهبُ الأكثرين، وما وَصَفْتُه بالوجاهة يمكن أَنْ يكون ضميمةً لأدلَّتِهم؛ وذلك لأنَّ القضاء لا يُفْهَمُ مِنْ صيغة الأمر؛ لأنَّ الأمر لا يَتناوَلُ غيرَ الوقت المقدَّر؛ ولذلك وَجَبَ القضاءُ في رمضان بأمرٍ جديدٍ، وهو قولُه تعالى: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٤]، ولولا أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أوجب القضاءَ على النائم والناسي في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا»(٣) لَمَا وَجَب، ولأنَّه لو كان القضاءُ بالأمر الأوَّل لَوَجَب قضاءُ الجمعةِ والصلاةِ للحائض، ولأنَّ الأمر بالفعل في زمنٍ مؤقَّتٍ لا يترتَّبُ إلَّا على مصلحةٍ خاصَّةٍ بذلك الوقتِ ترجيحًا له مِنْ بين سائرِ الأوقات، ولأنَّه لا حجَّةَ في التمسُّك بعموم حديثِ: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى»(٤)؛ لورودِه على سببٍ خاصٍّ وهو النذر؛ ذلك لأنَّ النذر ليس واجبًا بأصل الشرع، وإنَّما أوجَبَه العبدُ على نَفْسه؛ فصار بمنزلة الدَّيْن الذي استدانه؛ ولهذا شبَّهه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالدَّين في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتِ الْبَحْرَ، فَنَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا اللهُ أَنْ تَصُومَ شَهْرًا، فَنَجَّاهَا اللهُ، فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ؛ فَجَاءَتِ ابْنَتُهَا أَوْ أُخْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَصُومَ عَنْهَا»(٥)، والمسؤولُ عنه فيه كان صومَ نذرٍ على ما أفاده ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ، ومِنْ تمامِ الفائدة أضاف قائلًا: