نقد كلام حسان الصومالي في مسألة العذر بالجهل(2)
وزعم قائلًا: "ليس لأهل السنة مذهب خاصٌ بهم في الكفر ولا في العذر بالجهل خالفوا به طوائف القبلة"
فهذا الرجل يُظهر بهذا قصوره في التحصيل، على قدر استطالته على الناس بلا دليل، فلو راجع واحدة من أشهر المسائل في أصول الفقه، والكلام، وهي مسألة التحسين والتقبيح العقلي، لتبين له بطلان جزمه هذا، فهناك من لم يعذر بالجهل بالسمعيات، وقال إن العقل كافٍ في قيام الحجة، وهناك من قال بأن العقل لا يحسن ولا يقبّح، وإنما يتوقف الأمر على الشرعيات، وهناك من قال بل العقل يحسن ويقبح، لكن الإثم لا يكون إلا بعد بلوغ السمعيات، وهذه من المسائل المتعلقة بالعذر بالجهل وتختلف باختلاف الطرق والمناهج، والسنة والبدعة.
بل هو نفسه رمى مخالفه بـ الجاحظية لعين هذه المسألة، والجاحظ محسوب على المعتزلة، وقد قال الغزالي: "ذهب الجاحظ إلى أن مخالف ملة الاسلام من اليهود والنصارى والدهرية إن كان معاندًا على خلاف اعتقاده فهو آثم، وإن نظر فعجز عن درك الحق فهو معذور غير آثم، وإن لم ينظر من حيث لم يعرف وجوب النظر فهو أيضا معذور، وإنما الآثم المعذب هو المعاند فقط"(المستصفى، ج2، ص306).
ويقال له علامَ رميته بالجاحظية من قبل؟ إن كانت الجاحظ على قولك لا يوجد في قوله خروج عن أهل السنة في هذه المسألة، ولم رميته بالتجهم؟ فكل الفرق تتفق على هذه المسائل عندك؟ فواحدٌ من قولين باطل بشهادتك بهذا على نفسك، إما رميك الأول، أو نفيك الثاني.
ثم قال:
"حقيقة قول العاذر: أن الشرك الأكبر ليس حقيقة تقوم بالشخص، وإنما هو أمر إضافي، بل الفعل الواحد بالعين شرك في محل ليس شركًا في محل آخر، عفوًا، بل هو شرك في محل غير شرك في نفس المحل!"
فيقال لهذا الرجل المشاغب: سبق أن قيل بأن من يعذر بالجهل لا ينكر واقعًا موضوعيًا، لكنه أعاد نفس الكلام، ولو طرد التندر الذي يقول به، لعم الفقه كله، فمن أخطأ من شدة الفرح وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، يتساوى كما يفترض، فيما لو قالها بغير خطأ قاصدًا لمعناها، وإلا فلم تفرق بين جملة وجملة، وهي نفس الحروف والكلمات، لمجرد حال صاحبها!
بل حتى استغرابه بأنهم يفرقون بين شرك وغير شرك في نفس المحل، فيقال له: هذا كثير جدًا، فمن أخطأ في قراءة القرآن وهو يتعلم، يختلف عمن فعل ذلك قاصدًا التحريف، والنفي لكلام الله، ومن غير الإعراب في كلامٍ لحنًا بغير قصد جهلًا بالعربية، يختلف عمن قالها وهو نحويّ يقصد طعنًا بالدين، أو استحلالًا لمحرم مجمع عليه، أليست هذه المسألة تابعة لعلمه وجهله باللغة؟
أم إذا نطق كلمة الكفر جاهل وهو لا يعرف معناها، فهذا يتساوى عنده مع عالمٍ بمدلولها؟ فانظر كم سيكفر من الناس بمجرد لحنهم في العربية بين فتح وضم وكسر! ولازم كلامه أن الناس عليهم أن لا يقرأوا القرآن حتى يبلغوا منزلة سيبويه، فقد يغيرون حركة لم تأتِ بها قراءة، فهذا تحريف للكلم عن موضعه، أو يخطئون بأخرى، فيضحي المعنى كفرًا عند أهل اللغة! فعدم عذرهم، يعني كفرهم، فانظر إلى مثل ذا القول.
وأهل الأصول يقولون: إن الشخص الواحد في الوقت الواحد، في الحال الواحد، لا يؤمر وينهى، لا أن الواحد، يستحيل أن يجتمع عليه الأمر والنهي طيلة حياته، أو يعذر ولا يعذر طيلة حياته.
وكلامه هذا ينسحب على كل المسائل الفقهية، ولا يتوقف عند قضية الكفر فحسب، بل إلى الفسق أيضًا، فإنه بأمثلته المذكورة يهدم الفقه، فإما أن يكون الشيء فسقًا وفاعله فاسق، أو لا يكون، لا أن الشيء يكون مفسقًا لصاحبه بشروط، يقول الشافعي:
"كل من تأول حرامًا عندنا فيه حدٌّ أو لا حد فيه لم نرد بذلك شهادته، ألا ترى أن ممن حمل عنه الدين وجعل علمًا في البلدان منهم من يستحل المتعة، والدينار بالدينارين نقدًا، وهذا عندنا وغيرنا حرام، وأن منهم من استحل سفك الدماء ولا شيء أعظم منه بعد الشرك، ومنهم من تأول فاستحل كل مسكر غير الخمر وعاب على من حرمه ولا نعلم أحدًا من سلف هذه الأمة يقتدى به ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحد بتأويل، وإن خطأه وضلله" (الأم، ج7، ص56.)
فلم يؤاخذهم بهذه الأقوال التي هي عنده حرامٌ للأدلة، ولكنه لم يفسق من قال بها لعذر التأويل، فهذا الرجل أجنبي على الفقه، فاعتراضاته تنسحب على هذه المسائل ونحوها، ويلزم من هذا لوازم باطلة كثيرة.
وزعم قائلًا: "ليس لأهل السنة مذهب خاصٌ بهم في الكفر ولا في العذر بالجهل خالفوا به طوائف القبلة"
فهذا الرجل يُظهر بهذا قصوره في التحصيل، على قدر استطالته على الناس بلا دليل، فلو راجع واحدة من أشهر المسائل في أصول الفقه، والكلام، وهي مسألة التحسين والتقبيح العقلي، لتبين له بطلان جزمه هذا، فهناك من لم يعذر بالجهل بالسمعيات، وقال إن العقل كافٍ في قيام الحجة، وهناك من قال بأن العقل لا يحسن ولا يقبّح، وإنما يتوقف الأمر على الشرعيات، وهناك من قال بل العقل يحسن ويقبح، لكن الإثم لا يكون إلا بعد بلوغ السمعيات، وهذه من المسائل المتعلقة بالعذر بالجهل وتختلف باختلاف الطرق والمناهج، والسنة والبدعة.
بل هو نفسه رمى مخالفه بـ الجاحظية لعين هذه المسألة، والجاحظ محسوب على المعتزلة، وقد قال الغزالي: "ذهب الجاحظ إلى أن مخالف ملة الاسلام من اليهود والنصارى والدهرية إن كان معاندًا على خلاف اعتقاده فهو آثم، وإن نظر فعجز عن درك الحق فهو معذور غير آثم، وإن لم ينظر من حيث لم يعرف وجوب النظر فهو أيضا معذور، وإنما الآثم المعذب هو المعاند فقط"(المستصفى، ج2، ص306).
ويقال له علامَ رميته بالجاحظية من قبل؟ إن كانت الجاحظ على قولك لا يوجد في قوله خروج عن أهل السنة في هذه المسألة، ولم رميته بالتجهم؟ فكل الفرق تتفق على هذه المسائل عندك؟ فواحدٌ من قولين باطل بشهادتك بهذا على نفسك، إما رميك الأول، أو نفيك الثاني.
ثم قال:
"حقيقة قول العاذر: أن الشرك الأكبر ليس حقيقة تقوم بالشخص، وإنما هو أمر إضافي، بل الفعل الواحد بالعين شرك في محل ليس شركًا في محل آخر، عفوًا، بل هو شرك في محل غير شرك في نفس المحل!"
فيقال لهذا الرجل المشاغب: سبق أن قيل بأن من يعذر بالجهل لا ينكر واقعًا موضوعيًا، لكنه أعاد نفس الكلام، ولو طرد التندر الذي يقول به، لعم الفقه كله، فمن أخطأ من شدة الفرح وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، يتساوى كما يفترض، فيما لو قالها بغير خطأ قاصدًا لمعناها، وإلا فلم تفرق بين جملة وجملة، وهي نفس الحروف والكلمات، لمجرد حال صاحبها!
بل حتى استغرابه بأنهم يفرقون بين شرك وغير شرك في نفس المحل، فيقال له: هذا كثير جدًا، فمن أخطأ في قراءة القرآن وهو يتعلم، يختلف عمن فعل ذلك قاصدًا التحريف، والنفي لكلام الله، ومن غير الإعراب في كلامٍ لحنًا بغير قصد جهلًا بالعربية، يختلف عمن قالها وهو نحويّ يقصد طعنًا بالدين، أو استحلالًا لمحرم مجمع عليه، أليست هذه المسألة تابعة لعلمه وجهله باللغة؟
أم إذا نطق كلمة الكفر جاهل وهو لا يعرف معناها، فهذا يتساوى عنده مع عالمٍ بمدلولها؟ فانظر كم سيكفر من الناس بمجرد لحنهم في العربية بين فتح وضم وكسر! ولازم كلامه أن الناس عليهم أن لا يقرأوا القرآن حتى يبلغوا منزلة سيبويه، فقد يغيرون حركة لم تأتِ بها قراءة، فهذا تحريف للكلم عن موضعه، أو يخطئون بأخرى، فيضحي المعنى كفرًا عند أهل اللغة! فعدم عذرهم، يعني كفرهم، فانظر إلى مثل ذا القول.
وأهل الأصول يقولون: إن الشخص الواحد في الوقت الواحد، في الحال الواحد، لا يؤمر وينهى، لا أن الواحد، يستحيل أن يجتمع عليه الأمر والنهي طيلة حياته، أو يعذر ولا يعذر طيلة حياته.
وكلامه هذا ينسحب على كل المسائل الفقهية، ولا يتوقف عند قضية الكفر فحسب، بل إلى الفسق أيضًا، فإنه بأمثلته المذكورة يهدم الفقه، فإما أن يكون الشيء فسقًا وفاعله فاسق، أو لا يكون، لا أن الشيء يكون مفسقًا لصاحبه بشروط، يقول الشافعي:
"كل من تأول حرامًا عندنا فيه حدٌّ أو لا حد فيه لم نرد بذلك شهادته، ألا ترى أن ممن حمل عنه الدين وجعل علمًا في البلدان منهم من يستحل المتعة، والدينار بالدينارين نقدًا، وهذا عندنا وغيرنا حرام، وأن منهم من استحل سفك الدماء ولا شيء أعظم منه بعد الشرك، ومنهم من تأول فاستحل كل مسكر غير الخمر وعاب على من حرمه ولا نعلم أحدًا من سلف هذه الأمة يقتدى به ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحد بتأويل، وإن خطأه وضلله" (الأم، ج7، ص56.)
فلم يؤاخذهم بهذه الأقوال التي هي عنده حرامٌ للأدلة، ولكنه لم يفسق من قال بها لعذر التأويل، فهذا الرجل أجنبي على الفقه، فاعتراضاته تنسحب على هذه المسائل ونحوها، ويلزم من هذا لوازم باطلة كثيرة.