أمران إذا اجتمعا في طالب العلم ويسر الله له أسبابهما فقد استولى على ناصية العلم بالشريعة:
الأمر الأول: حفظ نصوص الوحي واستظهاره لأوسع قدر منها.
فتجده يحفظ القرآن الكريم كاملاً وأحاديث الصحيحين والسنن ثم تجده يستزيد دوما من حفظ السنة والآثار ما شاء الله له أن يزيد.
وهذا يمكن أن يحصل لطالب العلم بعد توفيق الله بالتزام برنامج علمي في حفظ الوحي يعكف عليه ويجمع وقته له ويحشد همته فيه ويصرف نفسه عن كل شيء إلا إليه.
ومن اعتاد ركوب المعالي هانت عليه الصعاب.
وقد يتهيب كثير من طلاب العلم هذا المسلك لاعتبارات كثيرة بعضها يرجع إلى تدني الهمة وبعضها يرجع إلى عدم تقدير أهمية ذلك في نيل المراتب العلمية العليا وبعضها يرجع إلى فتور الإرادة بسبب تكرر الإخفاق الذي قد يرجع سببه إلى الطريقة المتبعة في ذلك.
وجملة ما ابتلينا به في هذه الأزمنة المتأخرة الوسط العلمي الذي يحيط بالإنسان فلا تكاد تجد فيه ما يشعل همتك أو يوقد عزيمتك إلا ما رحم الله فلا تنظر إلى آثار ذلك وانظر إلى آثار من سبق.
وإن كان ولله الحمد لا تزال توجد نماذج عليا في عالمنا الإسلامي تحرك دوافعنا لمعالي الأمور في طلب العلم التي تمثل القيمة الحقيقية للإنسان في عالم الأشكال والمظاهر الجوفاء.
وإن من أفضل برامج الحفظ للقرآن ودواوين السنة التي يمكن أن يلتحق بها طالب العلم لتحقيق هذا الأمر هو برنامج حفظ الوحيين الذي يشرف عليه فضيلة الشيخ الدكتور يحيى اليحيى شكر الله له جهوده العظيمة في ذلك التي أعادت لجيل طلاب العلم اليوم الأمل والهمة والعزيمة في حفظ الوحي واستظهار جملته.
والأمر العجيب في حفظ الوحي أنك كلما استحضرت نصوص القرآن والسنة بأبوابها المختلفة وتكررت في ذهنك جالت في نفسك مقاصد الشارع وتصرفاته وتطبع بها نظرك مع طول المراس والتكرار والاستحضار.
وإن لحفظ الوحي بركة يعجز التعبير عن آثارها على طالب العلم في حسن تصور أبواب الشريعة والتأليف بين أغراضها ومعرفة العلائق بينها وإدراك المصطلحات والأسماء الشرعية فيها والأساليب المتبعة في خطابها ونحو ذلك مما لا يتيسر إدراكه بيسر لغير الحافظ المستحضر لنصوص الوحي.
الأمر الثاني: قوة الفهم في الشريعة وحسن الاستنباط من نصوص الوحي.
وهذا يحصل لطالب العلم بعد عون الله تعالى له ببعض أمور منها:
١-إتقان علوم الآلة، وهي: علوم القرآن، وعلوم الحديث، وعلم أصول الفقه، وعلوم العربية بفروعها الثلاثة.
٢-ملازمة دروس أهل العلم الذين آتاهم الله قوة الفهم وحسن الاستنباط والأخذ عنهم والحرص على التأمل في دقائق اجتهاداتهم واستنباطاتهم في العلم.
٣-الاطلاع الواسع على مصنفات أهل العلم الذين اشتهروا بدقة الاستنباط وقوة الفهم في الشريعة والتأمل في تصرفاتهم العلمية ونظراتهم الاجتهادية ودقائق استنباطاتهم كالأئمة الأربعة ومحمد بن الحسن والطبري وابن دقيق العيد وابن عبدالبر وابن تيمية وابن رجب وابن القيم وابن حجر والنووي والشاطبي والقرطبي والشوكاني وابن عاشور والأمين الشنقيطي وابن عثيمين رحمهم الله جميعاً.
٤-الممارسة الطويلة والتدريب المستمر على فهم النصوص والاستنباط منها وعرض ذلك على أهل العلم لترشيده وتصويبه.
٥-توسيع الأفق والمدارك العلمية بالاطلاع الواسع على العلوم الأخرى والتجارب المتنوعة والمذاهب المختلفة فإن لذلك أثرا بليغا على توسيع النظر وتخصيبه لاسيما إذا صادف ذلك الاختلاف والتنوع نفْساً معتدلة وذكاء وهبيا يتسع مع اكتساب المعارف المتنوعة والخبرات المختلفة.
٦-دعاء الله تعالى واللجوء إليه بأن يرزق الله الإنسان قوة الفهم في الشريعة وحسن الاجتهاد فيها والاستنباط من نصوصها تأسياً بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما:(اللهم فقهه في الدين)
وقد أوتي رضي الله عنه قوة في فهم الشريعة والاستنباط منها ما يستدعي أن يخص إن شاء الله بحديث مستقل عن ذلك وعن أسبابه وآثاره.
وحاصل القول مما تقدم ذكره أن طالب العلم ينبغي أن لا تقف همته عند حد في طلب هذين الأمرين: حفظ الوحي، وقوة الفهم فيه.
رزقنا الله وإياكم من واسع فضله الذي من طلبه وتعرض لأسبابه أوتي أبلغ مما كان يظن أن يؤتاه والله عند حسن ظن العبد به.
د.بلقاسم بن ذاكر الزبيدي
قناة(الأصول والمقاصد)
#العلم
#الملكة
https://t.me/Alosoolbilqasim