قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
تذكرت هذه الآية حين أرسل لي أحد الأخوة صوتية لأحد الأفاضل يتكلم فيها عن (الجمال الكوني ) و( الجمال الشرعي ) ، وهي جواب على مغالطة الليبراليين حين يقولون لماذا تحرمون أمورا جميلة مثل الموسيقى أنتم تكرهون الجمال
فكان الجواب أن الجمال الكوني لا يقتضي كوّن الشيء جميلا شرعا ، كما أن وجود الشيء كونا لا يعني كونه مقبولا شرعا ( والتفصيل معروف في أمر الإرادة الكونية والإرادة الشرعية )
فخطر لي كلام لشيخ الإسلام في كتاب الإستقامة جوابا على بعض غلاة الصوفية الذين كانوا يجوزون النظر إلى الصور المحرمة ( يعني وجوه النساء ) ويستدلون بحديث ( إن الله جميل يحب الجمال ) وواضح من استدلالهم أنهم ينظرون بشهوة بلا أدنى تحرز
فأجابهم الشيخ بعدما ذكر الأدلة الشرعية على حرمة فعلهم ، أن الجمال عند الله غير الجمال عند المخلوق ، فالجمال الذي يؤدي الاستمتاع به إلى الزنا هو قبيح عند الله لأن خبث الزنا طغى على هذا الجمال فيكون ما فيه من حسن بمنزلة ما في الخمر والميسر من منافع طغت عليها المفسدة
وهذه المغالطة التي وقعت من هؤلاء الغلاة هي التي تقع من العالمانيين
حين يقولون البلاد الفلاني متقدم وفيه إسلام بلا مسلمين والله يحب إتقان العمل
فيقال : مفهوم التقدم في الشرع مختلف عن مفهومه عندكم فالتقدم الذي يقترن به البعد عن الآخرة وتحول البشر إلى البهيمية بحيث لا يهتمون إلا بالمأكل والمشرب والمنكح والمسكن وما يحيط ذلك من رفاه مع غفلة عن الغائية هذا في النصوص قمة الانحطاط وقد قال الله عز وجل في نظراء هؤلاء ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )
وحين يعترضون على حديث ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) بفلاح عالماني تذهب معه الأعراض والأديان والأهمية للمأكل والمشرب يرتكبون المغالطة نفسها
وأما شاهد ذكر الآية ( ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم )
هذه الآية أصل في أن الله عز وجل يختبر بما تهوى بعض النفوس فيجعلها في متناول اليد مع تطلب النفوس لها لتظهر عبودية مجاهدة الهوى وتلك لها مشقتها في البداية ولذتها في المآل وليظهر مصداق من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه
وَيَا ليت شعري جنة فيها كل ما تشتهي الأنفس بل فيها القرب من الرحمن والنظر إليه وذلك أعظم الثواب ، هل تنال بغير كد ومجاهدة إن المرء لا يعقل أن ينال شيئا من حطام الدنيا بغير تعب فما باله في أمر الدين يبحث عن دين سكر خفيف قليل التكليف
غير أن ربك رحيم يورثك من الأنس وسلامة الصدر ولذة الطاعة الشيء العظيم حتى تلقاه فيجزيك الجزاء الأوفى ، وما حرم كثيرون من هذا الكرم إلا بالاستعجال وسوء الظن بالله
هذا مع ما أباح الله من الطيبات التي لا نزاع فيها غير أن بعض الناس فيه جشع وبعد عن القناعة لا يكتفي بهذا حتى يخوض في المشتبهات بل المحرمات التي لا نصفها بالاشتباه إلا تجاوبا مع مماحكته
وإذا كانت المباحات لا تدوم لذتها وفِي الغالب لا تخلو مما يكدرها فما بالك بالمحرمات