من تكلم بغير فنه.. أتى بالعجائب، وعَِيٌّ صامتٌ.. خيرٌ من عَِيٍّ ناطقٍ.
ممَّا ذكرتُه في مقدمة خدمتي لكتاب "نور الحقيقة ونَور الحديقة" أن الإمام بهاء الدين القزويني المعروف بالنجار؛ قد ابتُلي بمن عبث في مؤلَّفاته في حياته وبعد مماته، ونقلتُ كلامه من خاتمة كتابه "سراج العقول في منهاج الأصول" الذي وصف فيه ما جرى على مؤلّفاته من تغيير وتبديل ونسبتها إلى غيره؛ حتى قال:
"ولقد عُرِض عليَّ عدَّة كتبٍ كنت تولَّيتُ جمعها في صباي.. فصادفتها منحولة إلى سواي! فأنشدت في ذلك قول الفرزدق:
إذا ما قلت قافية شرودًا
تنحَّلها ابن حمراء العِجان"
وبينتُ كيف جرى عليه ذلك بعد مماته بالعبث في كتبه من بعض النساخ، ومثَّلت بما فعله أحد نساخ كتب الإمام القزويني من العبث والتغيير.
واليوم تطور اجتهاد بعض الناس لينسب للإمام القزويني كتابًا ليس له، ويكتب الصفحات الطوال في نفي نسبته عن مؤلفه الحقيقي وإلصاقه بالإمام القزويني!
عنوانُ "نور الحقيقة ونَور الحديقة" عنوانٌ مشترَك بين كتابين موضوعهما مختلف:
الأوَّل: للإمام أبي محمد طاهر بن أحمد القزويني المعروف بالنجار، المتوفى سنة (٥٧٥هـ)، وموضوعه في معرفة الله تعالى، وهي مسألة كلامية دقيقة اختلفت فيها أنظار العلماء، هل يُعرَف الله تعالى حقيقة أم لا.
والثاني: للشيخ الأديب عز الدين الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني العاملي الشيعي، المتوفى سنة (٩٨٥هـ)، وموضوعه في الأدب والأخلاق، على غرار كتاب "أدب الدين والدنيا" للإمام أبي الحسين الماوردي(ت: ٤٥٠هـ)، وغيره من كتب الفن.
وقد طالعت كتاب الشيخ الحارثي الشيعي قبل عملي على كتاب الإمام القزويني، وأشرت إليه إشارة لطيفة في مقدمة خدمتي لكتاب "نور الحقيقة ونَور الحديقة" للإمام القزويني.
منذ أيام أرسل إلي أحد الأفاضل صورة غلاف كتاب "نور الحقيقة ونَور الحديقة" الذي طبعته دار الكتب العلمية منذ فترة قريبة بتحقيق عبد المولى هاجل، وكنتُ قد اطلعت سابقًا على عمل الهاجل في تحقيقه لكتاب "سراج العقول في منهاج الأصول" للإمام القزويني.. فلم أحتفل به، ولكن قلتُ في نفسي لعله في عمله على كتاب "نور الحقيقة ونَور الحديقة" قد أتى بجديد لم يأت به الفقير.
فدفعني الفضول لاقتناء نسخة دار الكتب العلمية، ولم يخب ظني بإتيان المحقِّق بجديدٍ لم تصل بي المخيلة لتوقُّعه!
جديدُ عبد المولى هاجل في تحقيقه لكتاب "نور الحقيقة ونَور الحديقة" أنه حقق نصَّ كتاب الشيخ الحسين الحارثي العاملي الشيعي (ت: ٩٨٥هـ)، ونسبه للإمام طاهر القزويني (ت: ٥٧٥هـ)!!!
لن أطيل في هذا المنشور في إبطال ما كتبه الهاجل في مقدمة تحقيقه للكتاب، وكيف شرق وغرب وأزبد وأرعد، وأطال بما لا طائل تحته في إثبات نسبته للإمام القزويني وإبطال نسبته للشيخ العاملي، وكيف ردَّ على محمد الجواد الحسيني الجلالي الذي حقق كتاب العاملي وطبعه سنة (١٩٨٧هـ)، وجهَّله في نسبة الكتاب للعاملي.
نعم؛ لن أطيل في ذلك؛ لأنني سأكتب مقالًا تفصيليًّا في تفنيد عمله، ولكن أكتفي الآن بالإشارة إلى عدة أشياء ذكرها في مقدمة تحقيقه للكتاب:
١- صرح عبد المولى هاجل بأنه لم يقف على مخطوطة لكتاب "نور الحقيقة ونَور الحديقة" منسوبة للإمام القزويني، وأن التي عمل عليها في تحقيقه للكتاب منسوبة للشيخ العاملي.
٢- تصريحه بما قاله آغا بزرگ الطهراني صاحب "الذريعة إلى تصانيف الشيعة" : "رأيتُ النسخة قديمًا بخط المؤلِّف - يقصد الشيخ العاملي - في مكتبة الطهراني بكربلاء".
٣- غفلته عن موضوع كتاب "نور الحقيقة" للإمام القزويني، وهو الذي قام بـ"تحقيق" كتاب "سراج العقول في منهاج الأصول" للإمام القزويني، وقد أحال فيه المؤلِّف على كتابه" نور الحقيقة" عند الكلام عن معرفة الله تعالى.
وبعد كل هذا؛ ينفي نسبة الكتاب للشيخ العاملي، وينسبه للإمام القزويني؛ لاشتراكهما في العنوان فقط "نور الحقيقة ونَور الحديقة" !!!
فاعجب ما شاء الله لك أن تعجب.
وخلاصة الكلام: أنَّ نصَّ الكتاب الذي حققه عبد المولى هاجل وطبعته دار الكتب العلمية.. هو نص كتاب الشيخ العاملي، وليس نص كتاب الإمام القزويني كما زعم.
ومن غريب الاتفاق.. أنني عندما وقفت اليوم على خلط الهاجل؛ كنتُ قد انتهيت من كتابة مقال في تزييف نسبة كتاب طبع حديثًا منسوبًا لأحد كبار العارفين، بينت فيه المؤلِّف الحقيقي للكتاب، وسأنشره قريبًا إن شاء الله تعالى.
وكتب
أحمد بن سهيل المشهور
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid0NwAysa7ge6EuVLXX3EosV4frFqKNZyqhVjFpTCT6cqGkijPdPM4ALuf41VDE6CcXl&id=100062019499042