مقال للشيخ محمد بوخبزة في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني
منذ أن وقع بيدي كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني في طبعته البولاقية وطبعته الأخيرة المحققة من طرف لجنة دار الكتب المصرية, وأنا أقلب أوراقه وأقف فيه على ما يثير تساؤلي واستنكاري لصنيع الرجل الذي زعم أنه ألف كتابه للغناء والمغنيين, وأنه بناه على مائة صوت مما يعني في اصطلاح الموسيقيين القدامى ما يعنيه أصحاب الآلة الأندلسية الآن بالصنايع التي ترجع إلى طبوع الغناء الأندلسي وميازينه. بيد أن المتتبع لأخباره يرى أن الرجل كان متقلبا شعوبيا يكره العرب ولا يفتأ يلصق بهم كل شين وعيب, ويركز على أماكن العلم والقداسة, كالحرمين الشريفين ولا سيما المدينة المنورة مثوى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .وفي عصر امتلائها بالتابعين وآل البيت النبوي الشريف,فلا تسل عن حكايات الفسق والفجور والزنا واللواط والسكر والغناء السافل الذي يمارس كا هذا في منازل آل البيت وعلى يد كرمائهم مما يندى له الجبين, وكنت أتساءل مع نفسي : كيف يروج هذا على كثير من الباحثين والعلماء والدكاترة بأن الكتاب يعد من مصادر التاريخ العربي والإسلامي!؟ مأخوذين بموقف المستشرقين السابقين إلى طبعه في أوروبا والعناية الكبيرة به, ووضع الفهارس الدقيقة له.
ومن هؤلاء لجنة تحقيق الكتاب بدار الكتب المصرية التي تغض الطرف عن جرائم صاحب الكتاب وأكاذيبه التي لا شك في أنه مختلقها, وإن تكلف الرواية بالأسانيد , إلا أن علماءنا المحدثين النقاد لاحقوا الرجل وكشفوا زيفها. فروى الخطيب البغدادي في ترجمة أبي الفرج من تاريخ بغداد بسنده عن أبي محمد الحسن بن الحسين ابن النُّوبَخْتي أنه كان يقول: كان أبو الفرج الأصفهاني أكذب الناس,كان يشتري شيئا من الصحف ثم تكون كل رواياته منها.
وقال ابن الجوزي في المنتظم (7/40) عن أبي الفرج : مثله لا يوثق بروايته,يصرح في كتبه بما يوجب عليه الفسق, ويهون شرب الخمر, وربما حكى ذلك عن نفسه, ومن تأمل كتاب الأغاني رأى كل قبيح ومنكر اهـ
وقد تتبعت مشايخه في الرواية فوجدتهم ما بين مجهول ومتهم منكر, ولا عجب بعد هذا أن يكون تربة خصبة يجنى من ثمرها كل مر خبيث, ولا أعجب من (طه حسين) و(أحمد أمين) و(زكي مبارك) ونحوهم من كل مغموص عليه النفاق والمجرب عليه الغرض والحقد للإسلام والمسلمين, فهؤلاء تلاميذ (مَرْجِلْيُوت) و(جولدزيهر) و(جِب) من يهود المستشرقين ونصاراهم الصليبيين, وإنما العجب من مثل شيخنا (أحمد ابن الصديق الغماري) الذي استقى من فضائحه كثيرا في كتابه (جؤنة العطار في طرف الفوائد ونوادر الأخبار) غاضا النظر عن أسانيده المدخولة, وقصده من ذلك مجاراة هواه في إقامة الحجة على رقة طباع الحجازيين وتذوقهم للشعر والغناء, وجفاء طبع أهل الشام, وغلظ قلوبهم, وجفاف عواطفهم,لأنهم كانوا ضد أهل البيت,وهكذا يتلاعب الهوى بالرجل, فيرى أن الغاية تبرر الوسيلة,وإن كان أبو الفرج يزعم أنه عربي من بني أمية, وأنه شيعي, وهذا تضاد غير مقبول, والحق أن الرجل كان لا دين له ولا خلق,وهمته الدنيا والشهوات, ولذلك انقطع إلى (بني بويه) وهم عجم أهل رفض وإلحاد, فمدحهم وألف لهم كتبه طمعا فيما في أيديهم, والغريب أن لنسبة هذا الدعي ربح ألف دينار من الذهب العين اشترى بها الحكم المستنصر أمير الأندلس كتاب الأغاني من أبي الفرج (الأموي) فبعثه إليه قبل أن يخرجه إلى أحد, وسنذكر إن شاء الله بعض فواقره في ديواننا هذا,ومن مظاهر عناية الناس بهذا الكتاب كثرة من اختصره ومن انتقى منه فقد وقفت على مختصر الأغاني لبان واصل , وقد طبع اختصاره لابن منظور الافريقي صاحب لسان العرب’ في عشر مجلدات لطيفة,ولعل اختصاره أحسن المختصرات كما اختصره مع التهذيب الشيخ (محمد الخضري) صاحب (نور اليقين) في السيرة و(إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء), و(محاضرات في التاريخ الإسلامي) وغيرها, وسمى كتابه (مهذب الأغاني) وهو مطبوع. وقد حذف بعض ما فيه فحش وسخف دون رد ولا تنبيه على ما يزخر به الكتاب من فضائح,ولا أعرف أحدا تجرد للرد عليه إلا عراقي خطاط يسمى (وليد الأعظمي) رد عليه بعض مصائبه في جزء جيد مطبوع سماه (السيف اليماني) وجاء آخر واختار منه مضاحك وأفاكيه وسماه (نوادر ...) والكتاب يحتاج إلى من يتتبعه بأناة وصبر حتى يستخرج منه من سموم الشعوبية والإلحاد والسخرية بالدين ما يستوجب عليه اللعن والتتريب, والله المستعان على إفك الأفاكين المجرمين.