قناة د.فهد بن صالح العجلان


Kanal geosi va tili: ko‘rsatilmagan, ko‘rsatilmagan
Toifa: ko‘rsatilmagan


Похожие каналы

Kanal geosi va tili
ko‘rsatilmagan, ko‘rsatilmagan
Toifa
ko‘rsatilmagan
Statistika
Postlar filtri


من الجوانب الايجابية الرائعة في شبكات التواصل: ما تراه من حضور لافت للبرامج العلمية الجادة، والتي تشهد تفاعلاً كبيراً، ومشاركة واسعة.

تجد تنوعاً ظاهراً في هذه البرامج: من حفظ للقران وتجويده، وحفظ للاحاديث النبوية، وبرامج متخصصة في القراءة المكثفة، وبرامج في دراسة الفقه والاصول والعقيدة والحديث والتفسير، وبرامج في التحصين ودفع الشبهات والرد على الالحاد، وبرامج في الفكر والثقافة، وغيرها.

ميزة مثل هذه البرامج انها ميسرة يكتفى فيها بالمتابعة عن بعد فيمكن المشاركة فيها لكل أحد في أي وقت، ويشرف عليها متخصصون، يتفاعلون مع هذه البرامج بالاجابة والمتابعة، وتجمع شريحة ذات اهتمام مشترك، تصنع لهم بيئة محفزة للتعلم والاستفادة، ولها وقت محدد يحقق اهدافاً مركزة وفق خطة علمية.

هذه المزايا تجعل مثل هذه البرامج فرصاً لاقتناص كنوز ثمينة، فهي دعوة لنا جميعاً للاستفادة منها، وكلٌ بحسب هدفه ووقته.

هي جهود تستحق الشكر والثناء، ولهم جميعاً صادق الدعوات، وحقهم على الجميع ان يساندوهم بالدعم والاعلان.

ومن الجميل ان هذه الايام القريبة شهدت انطلاق ٤ برامج علمية:

١-برنامج البناء المنهجي، والذي يشرف عليه الشيخ: احمد السيد، ويستهدف كل باحث عن العلم والمعرفة، يريد تأسيس نفسه شرعياً وفكرياً.
https://t.me/alsayed_ah/642

٢-برنامج التأسيس الفقهي للقانونيين، والذي يستهدف المتخصصين في القانون، ويشمل غيرهم ايضا، ليقدم لهم دورة فقهية مكثفة، وهو من مبادرات مركز التبيان، وتحت اشراف الاخت بارعة اليحيى.
https://t.me/tasis4qanun/9

٣-برنامج مذاكرة الرسالة التدمرية، وهو برنامج متخصص، تحت اشراف الشيخ عبد الله العجيري، وهي دورة علمية للمتخصصين في العقيدة في دراسة فاحصة لاحد الكتب المركزية:
http://shorturl.at/buxH0

٤-برنامج اجتماع النقط، وهو برنامج ميسر لضبط العلوم الشرعية الاساسية، ويستهدف عموم المتعلمين، تحت اشراف د. عامر بهجت.
https://t.me/alnoqat/4

والجميل انها برامج تستهدف مستويات متعددة، بين تاسيس علمي عام، وفقهي خاص بالقانونيين، وشرعي عام، ومتخصص في العقيدة.

فبارك الله في الجهود، ونفع بها.


من الحقائق القرآنية أن كل من خالف الحق الذي جاء به الوحي فهو متبع لهواه:

(فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم).

وكثيراً ما تجد في خطاب القران أن الهوى يأتي مقابلاً للوحي وحكم الشرع، (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون).

(فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم).

(يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله).

(فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع اهواءهم).

وهنا يرد إشكال شائع، وهو أن كثيراً ممن يتبع غير دين الاسلام، أو ينحرف عن أصوله هو لا يريد مالاً أو يبحث عن جاه، وإنما يعتقد أن هذا هو الحق، فكيف يقال هو متبع لهواه؟

وسبب الاشكال هنا هو في تضييق مفهوم الهوى، لينحصر في صورة الشخص الذي يرفض الحق لأجل مالٍ يأخذه، أو بحثاً عن منصب يريده، ونحو ذلك من المكاسب المادية المباشرة الظاهرة، حيث يعرف من حاله أنه لم يترك الحق اقتناعاً.

وهذه من الهوى، لكن الهوى أوسع من ذلك، فقد حكى الله في القران عن الكفار أنهم قد يعتقدون صحة ما هم عليه (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً).

ومع ذلك فهذا لا ينفي جانب الهوى، لأن الهوى اسم جامع لكل ما يصد عن الحق مما تميل اليه النفوس، فلا يقتصر على من ترك الحق بحثاً عن من مال أو جاه أو منصب ظاهر ..

بل من ترك الحق تقليداً لآبائه، او اتباعاً لما نشأ عليه، أو إنكارا لمخالفته ما يعلم، فهو متبع لهواه.

ومن أعرض عن تعلم الحق، أو قصر في البحث عنه فهو متبع لهواه.

ومن تركه احتقاراً لأهله، او حسدا لهم، أو تحزباً لمن يحب، فهو متبع لهواه.

ومن تركه استنكافاً عن قبول بعض أحكامه، او استكباراً عن الالتزام بها، او استثقالاً لها، فهو متبع لهواه.

ومن تركه خشية من زوال مصالح شخصية او خوفا من مفاسد، فهو متبع لهواه.



وهكذا .. ستجد مسالك الهوى واسعة، لا بد لمن ترك الحق ان يقع فيها، والا فلو تجرد الانسان حق التجرد في البحث عن الحق، وحسن قصده، وبذل غاية الجهد فسيعرف الحق الذي جاء به الوحي، ولن يتركه إلا بسبب قصور في قصده او عمله.


التطرف والغلو والتشدد .. أصبحت كلمات شتائمية ترمى في وجه كل أحد بلا علم ولا عدل، وغدت على لسان كل منحرف عن أصول الاسلام يشوه بها كل من ينكر عليه انحرافاته المصادمة لأحكام الاسلام.

فنحن أمام ظاهرة توظيف قبيحة تستغل التنفير الشرعي من الغلو، ونفور الناس منه، في تمرير انحرافاتهم، وتشويه من يخالفهم ممن يتمسك بأصول دينه واحكامه.

هذه الظاهرة الشتائمية، وحالة التوظيف لمفهوم الغلو قدمت بطريقتها هذه خدمة كبيرة لانحرافات الغلو والغلاة، وذلك من جهتين:

الجهة الاولى: أنها أضعفت من أثر المصطلح، فالغلو مفهوم منفّر منه شرعاً، وله اثره الظاهر في صيانة الناس منه.

غير أن كثرة التراشق به، وأن يرمى به في وجه كل احد، وأن يوسم به أفاضل الناس، يضعف من أثره فما يبقى له تلك الشناعة في أذهان الناس.

فمن يقع في الغلو حقاً سيجد أن هذا مكسب كبير له، فحين ينكر عليه بالغلو لا يكون في هذا أي شناعة، لأن النفوس تعودت على أنها اصبحت شتيمة يمكن أن تقال لكل أحد، وليست وصفاً شرعياً مطابقاً لما جاء في النصوص.

الوجه الثاني: أن دعاوى الغلو والتشدد أصبحت تقال في قضايا فقهية، وفي أحكام ثبتت بنصوص شرعية، بل وفي قطعيات وأصول الاسلام، فما أكثر ما نسمع من يتهم أشخاصاً بالتطرف بسبب قيامهم بأحكام شرعية أو دعوتهم للاسلام، بل إن التطرف عند بعضهم إنما يطلق على المتمسك بدينه.

هذا يقدم خدمة للغلاة بأنه من يتهمهم بالغلو فإنما يفعل ذلك بسبب تمسكهم بدينهم، وأن تهم الغلو إنما تقال لكل محافظ على دينه.

ومع ظهور هذه الخدمة الكبيرة التي تقدمها الظاهرة التوظيفية الشتائمية للغلو، إلا أن هذا لن يدعوهم الى تصحيح المسار لسبب يسير جداً، وهو أن الهدف ليس محاربة الغلو الحقيقي الذي جاء في الشرع التحذير منه، والذي هو تجاوز لأحكام الشرع، ومفسد لدين الناس ودنياهم، وانما استغلال ذلك لتمرير الانحرافات المصادمة لقطعيات الشريعة.


هذا استدلال: ضعيف، محتمل، سائغ، قطعي، منحرف ..

هذه الدرجات المتباينة قد تكون واضحة عند طلبة العلم الشرعي، نظراً لاعتيادهم على هذا النمط من التمييز في دقائق البحث الفقهي.

إنما هذا التمييز قد يخفى على من لم يتعود على نقد الاستدلالات، فيتعجب أحياناً من وصف بعض الاستدلالات بأنها "منحرفة" ، فيقول: ولماذا هذه بالذات تجعلها منحرفة؟ هل لأنها جاءت على خلاف هواك؟

نعم، قد يكون سبب الحكم بانحراف بعض الاستدلالات هو من جنس الهوى، لكن الظن بأن أي حكمٍ بانحراف استدلال هو بسبب أنه مخالف للهوى، سببه عدم إدراكٍ لكيفية الحكم على هذا الاستدلال، وهو شيء متوقع ممن لم يتعود على نقد الاستدلالات، فالحكم على استدلالٍ معين بأنه منحرف يتطلب معرفة بقية الاستدلالات الصحيحة والسائغة، حتى يحكم على غيرها بانه منحرف، ويتطلب منهجية علمية حاكمة لذلك.

وهنا، بسبب هذا الخفاء، أصبح هذا ثغرة يستغلها بعض الناس لتمرير الانحرافات الفاسدة بدعوى أنها فهم معتبر للنص، واجتهاد صحيح كغيره من الاجتهادات، بدليل انه يستدل ويناقش ويعترض؟!

ومن التقنيات الممتازة هنا للكشف عن نمط هذه الاستدلالات المنحرفة هو مقارنتها باستدلالات الخوارج، فيذكر للناس استدلال الخوارج الذين يعرفون ضلالهم، ثم يبين لهم أن استدلالهم له قوة مقارنة بمثل هذه الاستدلالات المنحرفة.


خذ مثلاً استدلال الخوارج بقوله تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً)، وأن في هذا دليلاً على كفر القاتل، لانه متوعد بكل هذا العذاب الذي يختص به الكفار.

ستجد ان أكثر الناس لن يملكوا جواباً عن هذا الاستدلال، وهو متعلق باستدل بدعي لفرقة شديدة الانحراف، ومع ذلك فاستدلالهم أقوى بكثير من استدلالات بعض المعاصرين في تحريف كثير من أحكام الشريعة.

هذه الطريقة ستوضح نمط الاستدلالات المنحرفة، وأن المقصود بالانحراف فيها هو مخالفتها لقواطع الشريعة، وهذه المخالفة لا تعني أن صاحب الاستدلال ليس عنده أي حجة، ولا يملك أي اعتراض، وليس عنده اي كلام، كما ان الانحراف لا يعني انه واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار يستطيع كل أحد ان يرد عليه.


من الحقائق التي يجب التأكيد عليها، ومراعاتها:

أن أكثر انحرافات الناس عن قطعيات الشريعة ليس سببها ضعف الحجج والبراهين التي يسمعون، وإنما هو من ثقل التكليف على نفوسهم.

فالحق ثقيل (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً) والأحكام الشرعية تكاليف، وهي تقتضي الانقياد والالتزام، وخضوع العبد لسلطان خالقه في الالتزام بالأوامر واجتناب النواهي، وهو ما يخالف أهواء بعض النفوس فتتركه لشهوة، وقد تستنكف بسببه عن اتباع الحق، ويطول معه الجدال والخلاف.

فصعوبة اقتناع تلك النفوس ليس ضعف الحجج والبراهين، وانما ثقل التكليف على نفوسهم.

ولهذا، فإن التدين الحقيقي من التزام بالعبادات، وقيام بالطاعات وترك للمحرمات هو من أعظم ما يصون المسلم من الانحرافات ويحميه من تأثير الشبهات.

والشبهات يتعاظم تأثيرها في المناطق المنخفضة التي يكثر فيها التفريط في جنب الله، فيسهل عندها تحدر الشبهات والتحريفات، ثم يأتي بعد ذلك لباس الحجة الساترة للأهواء.

وبناء عليه:

فكل خطاب أو برنامج أو نشاط يستهدف تقوية التدين في النفوس فهو من أعظم الضمانات من تأثير الشبهات المعاصرة، حتى وإن لم يتعرض لها بشكل مباشر، وذلك أنه يعزز الأسس التي تمنع من نفوذ المؤثرات.

فالخطاب العلمي والدعوي والتربوي والوعظي، كلها ضمانات عميقة وقوية في مواجهة الشبهات والتشكيكات المعاصرة، وهي مكملة للخطاب المتخصص في الرد على الشبهات، بل إن ضعف هذه البرامج يضعف من موقف الرد على الشبهات.


(لا قداسة لأحد، وليس أحد فوق النقد).

نعم، هذا معنى صحيح، فلا معصوم عندنا غير محمد صلى الله عليه وسلم.

غير أن تسويغ النقد بدعوى عدم عصمة أي أحد أنتج في واقعنا الثقافي المعاصر تجرئة على النقد، واسترخاصاً للكلام في أي موضوع، وعدم اعتبارٍ لأي مقدمات أو شروط علمية، حتى ابتلينا بما يمكن أن نسميه "الدَرْوَشة النقدية".

الدَرْوَشة النقدية: هي ذاك النقد الهزيل الرخيص الذي لا يملك من المؤهلات في الموضوع الذي ينتقده الا أنه لا قداسة لأحد، ولك عقل فلا تهبه لأحد، وكن مستقلاً في تفكيرك، الخ الشعارات المستهلكة.

تذهب الدَرْوَشة الى مدارس علمية، ومذاهب فقهية، واعلام كبار، وأقوال معتبرة، فتمارس عليها النقد والتحليل والنقض بطريقةٍ تظهر هذه الاقوال والمذاهب وكأنها مجرد حالة من الدروشة الفكرية لا تملك من الحجج والمستندات أي شيء، وانما تقوم على افكار سخيفة يمكن نقدها بادنى تفكير ، وباقل مجهود!

نعم، لا قداسة لاحد عدا المعصوم عليه الصلاة والسلام، ولا قداسة ايضاً للنقد.

بل يجب أن نرفع من مستوى وعينا ونقوي من حاستنا النقدية فلا نقبل أي نقد أو نتهاون منه لمجرد أن النقد يمكن أن يكون صحيحاً، بل يجب أن يكون النقد مبنياً على علم، ومنطلقاً من بحث، وقائماً على نظر صحيح، حتى يكون نقداً مثمراً، يمكن أن ينتفع به، وان يراكم معرفيا.

الدَرْوَشة النقدية هي ظاهرة النقد بلا مؤهلات كافية، تشغل الناس، وتثير الخصومات، وتشغب على التصورات الصحيحة.

هي من الكلام بلا علم:

(ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسؤولا).


من خلال متابعة عدد من الحوارات لفت نظري أمر ظاهر لا تخطئه العين، أحب أن أشرك القراء الكرام معي في محاولة تقديم الأسلوب الأمثل في التعامل معه، وهو:

أن العبارات المنحرفة أو الموهمة كثيراً ما تتكرر على ألسنة كثير من الناس ممن لا يريد معناها الباطل، وإنما يريد بها معنى صحيحاً.

ولأن أكثرهم لا يحسنون الجدل الفكري وضبط العبارات ودقة التعبيرات فإنهم لا يدركون إشكال هذه العبارات، ثم يتبع ذلك جدل وخلاف، سببه عدم قدرتهم على التعبير عن مقاصدهم الحسنة بعبارات صحيحة.

لأجل هذا، بدلاً من الدخول في جدل حول هذه القضايا، أو بيان اللوازم لهذه المقولات، الخيار الأجمل هو أن نقدم العبارات المناسبة التي تحمل هذه المعاني الصحيحة، وستجد أن الكثير منهم يتقبلها، بل ويفرح بها.

فاذا قال بعضهم: الإنسان حر ما لم يضر، يقال له: أو يتجاوز على شرع الله.

وإذا قال: الإيمان في القلب، يقال: ويظهر على الجوارح.

وإذا قال آخر: الأحاديث مشكوك فيها، ويمكن فيها الكذب والغلط. يقال: ولهذا يجب الرجوع إلى منهج العلماء الذين فحصوا الأحاديث لأجل الكشف عن هذه الأمور.

وهكذا، ستجد أن كثيراً من الناس -خاصة من عوام المسلمين-لا يحملون تصورات منحرفة، وإنما تكلّ عباراتهم عن حمل مقاصدهم الحسنة، فإعانتهم على مقصودهم الحسن بعبارات صحيحة يحقق فائدتين:

الأولى: السلامة من التعبيرات الفاسدة، ولو كانت مقاصدهم حسنة.

الثانية: السلامة من تمدد المفاهيم المنحرفة، فالعبارات المنحرفة هي منافذ تؤثر في تسريب الأفكار ولو لم يكن صاحبها قاصداً لها.
 
 


تتمحور المذاهب الفكرية عادة على أفكار مركزية محددة تدور حولها، وتبشر الناس من خلالها، وتحتكم إليها، وتدير النظر فيها.

فتكون هذه الأفكار كالجاذبية الممسكة لاتباع هذه المذاهب لئلا تنجرف بهم النزاعات ودقائق الخلافات بعيداً عن المركز، وهذا موجود في كل المذاهب والاتجاهات الفكرية.

الليبرالية مثلاً تتمحور حول "الحرية" فهي الفكرة المركزية الثابتة التي يحتكمون إليها، ويتنازعون في تطبيقها، ويمتحنون الناس من خلالها.

وهكذا في كل اتجاه ومذهب واعتقاد، ويبقى بعد ذلك التنوع والتميز في مدى التمسك بهذه الأفكار، وحسن عرضها، وكيفية التمحور حولها.

حسناً، لو أردنا أن نحدد الفكرة المركزية التي تحفظ الأصول والقطعيات الشرعية في عصرنا، وتصون المسلم من الانحراف، وتكون هي الجاذبية التي تصون المسلم في خضم التنازع والجدل الكبير، فماذا ستكون؟

في ظني أنهما قاعدتان مركزيتان: (التسليم للنص الشرعي) و (حاكمية الشريعة).

فـ (حاكمية الشريعة) تضبط للمسلم شمول الإسلام، وقاعدته التشريعية، فلا يتأثر بمرجعيات علمانية أو ليبرالية تمس هذا الأصل، ويكون حينئذٍ واعياً بأي تأويلات قد تمس هذا الأصل.

و(التسليم للنص الشرعي) يضبط الطاعة والانقياد لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويصونه من أي اعتبارات خارجية.

أو بعبارة أخرى يمكن أن نتوسع فيها فنقول: إن قاعدة التسليم للنص الشرعي تصون المسلم من الانحراف الفردي، وحاكمية الشريعة تصونه من الانحراف الذي يمس المفهوم العام، وبين المفهومين على كل حال تقارب وتداخل كبير.

فكل واحد منهما هو مفهوم مركزي عميق قوي، تأثيره سريع وظاهر، وهو ضمانة فكرية قوية من أي انحراف، فقوة هذه المفاهيم لا تقتصر على إزالة شبهة أو الرد على اعتراض، بل هي دعامة مؤسسة للثبات على دين الله.

هذه المركزية لن تتحقق إلا اذا اجتمعت عدة أمور:

الأمر الأول: إشاعة هذه المفاهيم، وتفصيل المراد منها.
الأمر الثاني: إقامة الأدلة والبراهين عليها.
الأمر الثالث: دفع الإشكالات والشبهات المثارة ضدها.
الأمر الرابع: إبراز أثرها في صيانة المسلم من الانحراف.

وخامس مهم وضروري: وهو ضرورة الاتفاق عليها، ولا يمكن تحقق مثل هذا إلا بمعرفة الحدود الاجتهادية التي تحتملها هذه الأصول الشرعية.

وهذا يقتضي صفتين أساستين:

الصفة الأولى: العلم والفقه، الذي به يعرف حدود الخلاف المعتبر وغير المعتبر في القضايا المتعلقة بهذين الأصلين، فلا يضيق على خلاف معتبر واجتهاد سائغ بدعوى التمسك بالأصل.

الصفة الثانية: العدل، الذي يحفظ الحقوق، فلا يبخس حق أحد فيقوَّل ما لم يقل، أو يحمل كلامه ما لا يحتمل، أو يوضع عليه من التبعة فوق ما يحتمله الخطأ.

فالقصور في هاتين الصفتين عند التعامل مع هذه المفاهيم المركزية سيؤثر في مكانتها، وسيخلق ثغرة يستغلها خصوم هذه المفاهيم للتهوين منها وإضعاف أثرها.




نعود بعد هذا إلى سؤالنا المركزي: أين كان الخلاف مع العلمانية؟

في حقيقة الأمر أن خلافنا مع العلمانية لم يكن في الأصل في مثل هذه التفصيلات، وإنما الخلاف كان في مفهوم العلمانية نفسه بغض النظر عن خلافهم في تطبيقاته، فالعلمانية تحييد الدين في الحكم، وتجعل مرجعية السياسة والنظام لغير الوحي، وهذه مناقضة لأصل من أصول الإسلام التي لا يخفى على مسلم، وهو وجوب الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في الحكم: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) ، فالمسلم يسلم لأمر ربه في الحكم الذي يتعلق بالعبادة، والحكم الذي يتعلق بالدماء والأعراض، وأما جعل الدين علاقة فردية فهو مفهوم غربي طارئ لا يعرفها المسلمون.
 
بسبب هذا نشأ الخلاف مع العلمانية، وبسبب ذلك قيل هي مناقضة للدين، وضد الدين، ورافضة للدين، وبسببه حصل النفور الكبير منها.
 
إذن، ما الذي تغير؟ وما الذي يحتاج إلى إعادة قراءة وفهم؟
 
لا شيء، فالعلمانية التي جرى الخلاف معها سابقاً، ما تزال هي العلمانية، والحديث عن تقسيمات جديدة بين علمانية متطرفة ومحايدة، وعلمانية ضد الدين ومع الدين، وعلمانية شرقية وغربية، كلها تعبر عن تطبيقات داخل العلمانية، ولم يكن الخلاف مع العلمانية في داخل هذه التطبيقات، فلم يكن الخلاف مع العلمانيين أن العلمانية لا تسمح بتقديم اعانات مالية للجمعيات الدينية، او انها لا تسمح ببناء مصلى في جامعة، أو لا تعطي المسلمين إجازة في عيد الفطر، ونحو ذلك، إنما الخلاف في أصل الحكم، فالعلمانية تقوم على إقصاء الوحي من أحقية تنظيم حياة المسلمين وشرائعهم، وترى أن الدين علاقة فردية بين العبد وربه ليس له علاقة بتنظيم الشأن العام.
 
فهل تغير أي شيء من هذا؟
 
طبعاً، لا شك ان العلمانية بالمستوى الثاني كله -متطرفهم ومحايدهم- هم أحسن خياراً للمسلمين من العلمانية التي تبيد خضراء المسلمين، ولا شك أن العلمانية المحايدة أحسن من المتطرفة، وكلما اتسع مجال الحرية فهو أحسن وأفضل، لكن هذا شيء، وأن نقرر صحتها، أو ندعو لتطبيقها، أو نقرر عدم معارضتها للإٍسلام شيء آخر.
 
خلاصة ما نريد أن نقول هو: 
 
الفهم للعلمانية لم يكن مخطئاً، والمعركة مع العلمانية لم تتغير، إنما الذي تغير هو النفور الشديد من العلمانية مما اضطر معه العلمانيون إلى تلطيف العبارة وتبديل المصطلحات.
 
واضطر معهم آخرون تأثروا بالخطاب العلماني وهم في الأصل ليسوا منه، بل كانوا ضده، إلى تبديل مواقع الخلاف مع العلمانية ليكون الخلاف مع المتطرفة لا المحايدة، لأنه وجدوا أنفسهم بسبب التأويل وضغط الواقع قد وقفوا في داخل منطقة الخلاف العلماني-العلماني!


(لم نفهم العلمانية جيداً، فالعلمانية ليست طريقة واحدة، فثم فرق بين العلمانية المتطرفة التي هي ضد الدين، والعلمانية المحايدة التي لا تعادي الدين).
 
هذه من الدعاوى الشائعة التي تتكرر كثيراً، وهي تعبر عن "أزمة العلمانية" في الأوساط الشعبية، فقد وجدت العلمانية نفسها في حالة انفصال عن عموم المسلمين، وكسبت نفوراً ورفضاً شديداً خلال فترة تاريخية طويلة، فاضطر بسببها كثير من العلمانيين إلى التخلص من هذا المصطلح، والدعوة إلى تبني مصطلحات جديدة كالعقلانية والتنوير ونحو ذلك، تخلصاً من الحمولة السيئة للعلمانية، بينما دعا آخرون منهم إلى تقديم العلمانية في صياغات ملطفة لا تعادي الدين ولا ترفضه، وإنما تحفظه وتحامي عنه. 

فالدعوة إذن إلى إعادة "فهم العلمانية" من قبل اتباع التيار العلماني متفهمة.
 
الإشكال أن هذه الدعوة لم تقتصر على العلمانيين فقط، بل أصبحت تتكرر على ألسنة غيرهم، بل ومن بعض من كان خصماً للعلمانية، ورافعاً لراية تحكيم الشريعة، ومنادياً بتطبيق الإسلام، أصبح بعضهم يقول: مشكلتنا مع العلمانية المتطرفة، لا العلمانية المحايدة، فالمعركة مع العلمانية ما تزال باقية، لكنهم يعيبون علينا قصور الفهم في تحديد أرض المعركة.
 
حسناً، دعونا نفحص الفرق بين العلمانية "المتطرفة" و "المحايدة" حتى نكتشف ما الذي تغير: هل كان فهمنا خاطئاً لمحل الخلاف مع العلمانية؟
 
مفهوم العلمانية المتطرفة ينظر إليها على مستويين:


المستوى الأولى:
 العلمانية التي تنتهك أساس الحريات والحقوق، فلا يكون للدين فيها أي حرية، ولا يبقى للمسلمين فيها مجالاً لإقامة دينهم، وذلك في مثل النظم السياسية التي تمنع المسلمين من العبادة، وتضيق عليهم في الصيام، وقد يتعرضون للقتل والتعذيب والتهجير بسبب دينهم، وهذه لا شك أنها نظم متطرفة، لكن هذا المستوى من الظلم والقمع ليس له علاقة بالعلمانية من حيث الأصل، فهي نظم قمعية تبنت العلمانية، لكن مفهوم العلمانية يتعلق بفصل الدين عن الدولة، وأما الاعتداء الجسدي على أصحاب الدين فشأن آخر، فالخلاف مع العلمانية ليس له علاقة بهذا المستوى قطعاً.
 
المستوى الثاني:
 الخلاف في كيفية حضور الدين في الشأن العام، وهذا هو مستوى الخلاف الحقيقي داخل التفكير العلماني، لأن العلمانية تقر حرية الضمير والدين، وتقوم على فصل الدين عن الدولة.

وهنا يقع خلاف كبير بين العلمانيين في هذين الأصلين إذا تعارضا، فتجد أن ثم اتجاهين رئيسيين:

الأول: من يغلب النظر إلى حرية الضمير، فيكون متسامحاً مع الحرية الفردية الدينية في الشأن العام.

الثاني: من يغلب النظر إلى فصل الدين عن الدولة، فلا يرى وضع أي امتياز للدين في الشأن العام.
 
وثم مسائل شهيرة يجري الخلاف فيها بين الفريقين، وذلك مثل إظهار الحجاب والرموز الدينية في الفضاء العام، وحكم تقديم الإعانات المالية للجمعيات الدينية، ومراعاة أصحاب الدين في أعيادهم،  والحصول على إعفاءات دينية من بعض القوانين الملزمة، ونحو ذلك، كما يكون لها حضور في بعض القضايا المثيرة للخلاف مما له أصل ديني كالاجهاض والشذوذ الجنسي.
 
فالجميع متفق على أصل الحرية الدينية وكفالة الدولة له، ومتفقون على حياد الدولة مع الأديان وفصل الدين عن الدولة، وإنما يقع الخلاف في المساحة المشتركة، فتتباين فيها الرؤى، ويكثر فيها الجدل على المستوى السياسي والفكري والشعبي.
 
فهنا يقال عن العلمانية التي تميل إلى ترجيح كفة الحرية الدينية فتسمح لهم باظهار رموزهم وشعائرهم، وتعفيهم من بعض القوانين التي يرونها منتهكة لحقهم في ممارسة الدين، بأنها علمانية معتدلة، أو محايدة لا تملك عداء ضد الدين، وأما العلمانية التي تضيق على حرية الدين تمسكاً بأصل الفصل بين الدين والدولة فهي علمانية متطرفة، وقد يزيد تطرفها أكثر فلا يقف على حدود المبالغة وحرفية التمسك بالفصل بين الدين والدولة، بل تميل إلى فرض العلمنة على المجتمع، وتستند في ذلك إلى أن مفهوم العلمنة لا يقتصر على التنظيم السياسي، بل هو ثقافة وعقل لا بد من فرضها، فيتبع ذلك تعزيز رفض الدين في المجتمع، وفرض الاندماج الديني في الفضاء العلماني.
 

 




من المعاني المستقرة التي لا تخفى على أكثر الناس:

فضل مقولات السلف من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم، وأنك تجد في عباراتهم المقتضبة من الفقه والعقل والبيان ما لا تجده عند غيرهم.

وهذا المعنى ندركه في الجملة، لكن قد يخفى علينا إدراكه على جهة التفصيل، وكلما ازددنا علماً بمقولاتهم، وعناية بها، قوي هذا المعنى واستقر.

كنتُ هذا اليوم أقرأ في كتاب (العلم والحلم) للإمام آدم بن أبي إياس (ت220ه)، بتحقيق د. عامر حسن صبري، وهو كنز تراثي لطيف، يسوق المؤلف فيه باسناده أحاديث، ومقولات عن الصحابة ومن بعدهم في أبواب متعلقة بالعلم والحلم.

ساق بسنده (ص62) .. إلى أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال:

(لا تزال ظالماً ما دمتُ مخاصماً، ولا تزال آثماً ما دمتُ ممارياً، ولا تزال كاذباً ما دمت محدّثاً في غير ذات الله).

يا لهذه الروعة: المخاصمة طريق الظلم، والمراء طريق الإثم، وابتغاء غير الله طريق الكذب.

سطر مكتنز بمعانٍ لا يهتدى لها لولا توفيق الله.

الذي لفت نظري، وشدني أكثر من هذه الثلاث: (لا تزال ظالماً ما دمتُ مخاصماً).

وذلك لأني كتبتُ قبل أسابيع كلاماً طويلاً حول أثر الخصومات في البغي والفجور، فأدهشني هذا اللفظ المحكم، ولو كنتُ قد ظفرت بهذا النص وقتها لاكتفيت به، وحذفت أكثر المكتوب.

تأمل في الخصومات المعاصرة وستدرك عمق فقه أبي الدرداء رضي الله عنه، الخصومات محفز عنيف للأهواء والأمراض الشخصية، تنجح بجدارة في إخراج أسوء ما في الإنسان، فيقع بسببها في بغي وفجور وظلم عظيم، وكم من حرمات وحقوق وآداب انتهكت بسبب هذه الخصومات.

كلنا نجيد الكلام ونحسن الحديث حول العدل والرحمة وأدب الاختلاف وحسن التعامل، لكن الامتحان الحقيقي لكل هذه المعاني الجميلة يأتي وقت الخصومات.

من تعود على الخصومات فلا بد أن يقع في البغي والظلم، ولهذا عود نفسك على أن تقلل من الخصومات إلى أقل حدٍ ممكن، وهو الحد الشرعي الذي يخاصم فيه الإنسان لذات الله، ولإقامة الحق، ورد الباطل .. وحتى في هذا الحد فيجب أن تراقب نفسك، وأن تكون واعياً بخطر الخصومات، فالنية الصالحة في أول الأمر لا تعصم الإنسان بالضرورة عن الوقوع في الظلم والبغي بسبب الخصومات.


لما نشرتُ قبل ايام مقالة:

وثيقة المدينة، الدستور الاسلامي الأول:
https://docdro.id/9YOp2Gz

أرسل لي أحد الأخوة -جزاه الله خيراً- على البريد الرسالة التالية:

(موضوع وثيقة المدينة موضوع مهم.

واعتقد من المهم الحديث عنها ودراستها وتوضيح ماثبت صحته في بنودها وماثبت ضعفه قبل الرد على ما يقوله عنها المتأثرين بالفكر الغربي، ومحاولاتهم صياغة اي موضوع في الاسلام حسب المرجعية الغربية.

ماذا تعني وثيقة المدينة؟ ولماذا تم وضعها؟ وماهي نتائجها؟ ومن هم اطرافها؟ وماهي بنودها؟ وغيرها من الاسئلة المهمة التي يجب الاجابة عنها عند الحديث عن هذا الموضوع وليس ذكر الوثيقة لاجل الرد على فئة معينة)


وهو نقد صحيح، وملحوظة في محلها، ومقترح مهم، وقد حفزتني هذه الرسالة للبحث والكتابة في هذه الوثيقة بمثل ما ذكر.

وقد وضع الأخ الكريم يده على ثغرة ظاهرة، وهي العناية ببيان الغلط في المفاهيم قبل تجلية المفهوم الصواب فيها.

صحيح أنه لا تلازم بينهما، فيمكن أن أعرف المفاهيم الباطلة ولو كنتُ غير مدركٍ لتفاصيل الصواب، لكن هذا فيه قصور.

مثلاً: يمكنني أن أعرف وجه انحراف طريقة بعض المعاصرين في استعمال مفهوم "المقاصد الشرعية"، وأنه من قبيل العبث وتوظيف المفاهيم الشرعية للوصول للنتائج المنحرفة المقررة سلفاً، لكن قد يخفى عليّ كيفية استعمال المقاصد وفق الطريقة الفقهية الصحيحة، وهو أمر مهم لاكمال الرد على الفهم الباطل من جهة، ولمعرفة الحق والانتفاع به من جهة اخرى.


روابط الكتب والمؤلفات، بصيغة pdf:

-الانتخابات وأحكامها في الفقه الإسلامي:
https://docdro.id/jyy8Sac

-التسليم للنص الشرعي، والمعارضات الفكرية المعاصرة:
https://docdro.id/cdDKlKX

-التحريم والتجريم، في بيان العلاقة بين التحريم الشرعي والتجريم القانوني
https://docdro.id/4IOLq5O

-التأول في إباحة الدماء:
https://docdro.id/slDHtmR

-معركة النص ج1:
https://docdro.id/oBBvj6H

-معركة النص ج2:
https://docdro.id/pHOEmFi

-سؤالات تحكيم الشريعة:
https://docdro.id/TEld8Lt


رابط يجمع اللقاءات والمحاضرات:



‏صيغة MP4
https://drive.google.com/drive/folders/1xapoyWdX21vKNcArJ4vZUdyCp6yNng5b

‏صيغة MP3
https://drive.google.com/drive/folders/1x0_8qQkvcfcmT6KkmF7UgIrHew6Wde-1
‏،،،

‏شكر الله للأخت الفاضلة التي قامت بهذا العمل، وجزاها خيراً.


بسم الله، ومنه نستمد العون والتسديد.

هذه مساحة تواصل لمتفرقات عفوية من الخواطر والفوائد، اسأل الله ان ينفع بها ويبارك فيها.

فأهلاً ومرحباً بكم.

17 ta oxirgi post ko‘rsatilgan.

5 300

obunachilar
Kanal statistikasi